بينما يواصل العراقيون احتجاجاتهم رغم العدد الكبير من الضحايا بين قتلى وجرحى، يسعى بعض الزعماء وخصوصاً مقتدى الصدر للابتعاد عن الحكومة واتخاذ صف المحتجين، لكن أسباب الاحتجاجات والشعارات التي ترفعها تقف عائقاً أمام الصدر وغيره، فما هي القصة؟
لماذا انطلقت الاحتجاجات؟
الأسباب التي دفعت بالعراقيين إلى الشوارع تتعلق بالبطالة والفقر والظروف المعيشية التي تزداد صعوبة منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، في بلد أنهكته الحروب ويعاني الناس من انقطاع مزمن للتيار الكهربائي ومياه الشرب منذ سنوات، ويحتل العراق المرتبة 12 في لائحة الدول الأكثر فساداَ في العالم، بحسب منظمة الشفافية الدولية.
وتشير تقارير رسمية إلى أنه منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، اختفى نحو 450 مليار دولار من الأموال العامة، أي أربعة أضعاف ميزانية الدولة، وأكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي للعراق.
الاحتجاجات خرجت إذن ضد الطبقة السياسية برمتها بسبب الفساد بعد أن فقدت غالبية الشعب الثقة في تلك الطبقة، وهو نفس الأمر تقريباً في لبنان، ولهذا كان الهتاف المتبادل بين الساحات في بيروت ونظيرتها في بغداد "من العراق لبيروت.. ثورة ثورة لا تموت"، "من التحرير لبيروت.. ثورة ثورة لا تموت" (ساحة التحرير في بغداد).
ما موقف مقتدى الصدر من الاحتجاجات؟
في بداية هذه الموجة من الاحتجاجات مطلع الشهر الجاري أكتوبر /تشرين الأول، دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى ضرورة الحفاظ على سلمية التظاهرات الشعبية التي تشهدها البلاد، وإسنادها باعتصامات سلمية أو إضراب عام، رافضاً "التعدي على المتظاهرين العزل الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً ولا عنفاً".
وقال الصدر، في بيان نشره على حسابه الشخصي على تويتر: "لا نريد ولا نرى من المصلحة تحول التظاهرات الشعبية إلى تظاهرات (تيارية) وإلا لأمرنا ثوار الإصلاح (في إشارة إلى أتباعه) بالتظاهر معهم، ولكننا نريد الحفاظ على شعبيتها تماما".
ويوم السبت الماضي 26 أكتوبر/تشرين الأول، دعا الصدر مسؤولي البلاد إلى تقديم استقالاتهم قبل انزلاق البلد إلى الحرب الأهلية، داعياً إلى الكف عن قمع الاحتجاجات.
وقال الصدر: "إذا لم تكن المظاهرات برأي البعض حلاً، ولا الاعتصامات ولا الإضرابات حلاً، فهل التمسك بالسلطة حل، بينما لا قدرة لها على إنهاء معاناة الشعب وتخليصه من الفاسدين وتوفير العيش الكريم له".
وأضاف: "إذا لم تستطع السلطة أن ترمم ما أفسده سلفهم فلا خير فيهم ولا بسلفهم، وإذا أردتم من الشعب ألا يَقتُل ولا يَحرِق وهو المتعين، فيا أيها الفاسدون كفوا أيديكم عنهم وكفاكم قمعاً وظلماً وتفريقاً، إنما هم ثلة أرادوا الكرامة وأرادوا العيش الرغيد وأرادوا وطناً بلا فساد ولا مفسدين".
هل الصدر جزء من الطبقة الحاكمة؟
الصدر يدعم 'تحالف سائرون' الذي تصدر الانتخابات البرلمانية الأخيرة (54 من أصل 329 مقعداً)، إلا أن الحكومة العراقية تشكلت بالتوافق بين الكتل السياسية كما جرت عليه العادة وفق نظام يعرف بالمحاصصة حيث تُوزع المناصب على المكونات الإثنية والقومية.
وسبق للصدر أن قاد احتجاجات شعبية مناوئة للفساد في العراق خلال السنوات الماضية، لكن هذه المرة تبدو الأمور مختلفة تماماً.
النائب في البرلمان عن "سائرون" رعد المكصوصي قال لموقع عربي 21 إن "مقتدى الصدر كان قد منح عادل عبدالمهدي مدة سنة، لتحسين الخدمات وتعديل بعض القوانين المهمة لتخفيف ما يعاني منه العراقيون منذ 16 عاماً، لكن الحكومة كانت سلحفاتية (بطيئة) في تنفيذ تلك المتطلبات".
ولفت إلى أن "الشعب العراقي انتفض بالتزامن مع نهاية المهلة التي منحها الصدر لعبدالمهدي، ففي كل مرة زعيم التيار الصدري هو من يقود المظاهرات، لكن الشعب اليوم هو من يقودها، وهذه أمنية الصدر السابقة قد تحققت اليوم، بأن الشعب هو الذي يثور على الحكومات الفاسدة".
وبخصوص استبدال شخصية أخرى بعبدالمهدي أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، قال المكصوصي إن "الصدر واضح في جميع مواقفه، فهو من اليوم الأول للمظاهرات يطالب بإقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة بإشراف أممي، وأعاد الموقف ذاته، الاثنين، وبالتالي فهو مُصر على أن يتم ذلك خلال مدة محددة، بعد تعديل قانون مفوضية الانتخابات".
هل يحاول ركوب الموجة؟
المكصوصي رفض الاتهامات الموجهة للصدر بمحاولة ركوب موجة المظاهرات وصولاً إلى قيادة تياره للحكومة المقبلة بقوله: "التيار الصدري هو قائد موجات المظاهرات منذ 2003 وحتى اللحظة، وهو تيار شعبي واسع من الشعب العراقي، وجل من قتلوا خلال المظاهرات هم من أبناء التيار".
وأردف: "دخول الصدريين مع المتظاهرين لا يعني أنهم ركبوا الموجة، وإنما هم القاعدة الأكبر وأكثر المتضررين لأن أغلبهم من الفقراء والمناطق المسحوقة، وبالتالي فهم الأولى بالمطالبة بإقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة، والصدر يمثل اللسان الناطق باسم الشعب".
أما الباحث في الشأن السياسي العراقي الدكتور سعدون التكريتي، فقال لـ "عربي21" إن "الصدر يسعى إلى تبرئة ساحته من النقمة الشعبية التي تريد إبعاد جميع الأحزاب الدينية الشيعية المتصدرة بالمشهد السياسي منذ 16 عاماً".
وأضاف أن "انضمام الصدر إلى المعارضة مؤخراً، بعدما كان جزءاً وشريكاً أساسياً في الحكومة الحالية، يؤكد بما لا يقبل الشك ركوبه لموجة المظاهرات مع حليفه الحالي الحزب الشيوعي، المنضوي في تحالف سائرون".
وأشار التكريتي إلى أن "إصرار الصدر على إقالة الحكومة والوقوف إلى جانب المتظاهرين، كان الهدف منه توسيع مكاسبه السياسية، لكن المتظاهرين شخصوا ذلك مبكراَ ورفضوا انضمامه معهم. ولو ترك الأمر إليه، لكان الآن قد أوقف المظاهرات بمجرد تغيير في الكابينة الحكومية أو تحقيق مكاسب، كما حصل مع حكومة حيدر العبادي السابقة عام 2016".
وبحسب الباحث العراقي، فإن "الأمر اليوم مختلف، فمن يدير المظاهرات هم تيار شعبي من العاطلين والمسحوقين، والناقمين على الطبقة السياسية الحاكمة منذ عام 2003 وحتى اليوم، ولا يوجد دور كبير للتيار الصدري في الاحتجاجات، ولو كان كذلك لتولى الصدر قيادة المظاهرات، لكن الموضوع أوسع من التيار الذي يتزعمه".