ربما يكون أكبر كابوس بالنسبة للصين هو اليابان المسلحة نووياً. اليابان النووية الراسية للأبد قبالة البر الرئيسي الآسيوي الذي تكتنفه الأسلحة النووية، ستجعل الوضع الأمني في الصين أعقد مما هو عليه الآن، وستجبر الصين على مراجعة كل من مبدئها النووي وزيادة ترسانتها النووية.
يقول كايل ميزوكامي، وهو كاتب في شؤون الدفاع والأمن القومي بمجلة The National Interest الأمريكية: لكي نكون واضحين تماماً، لا تنتوي اليابان صنع أسلحة نووية. في الواقع، لديها عزوف شديد عن الأسلحة النووية؛ لأنها كانت الدولة الوحيدة التي كانت بالفعل في مرمى ضربة نووية على مدنها. يجب أن تتنامى الحالة الاستراتيجية لليابان بصورة ماسّة للغاية لكي تتخذ مثل هذا الخيار الجذري والمكلف.
في الوقت نفسه، ليس للصين مصلحة في استفزاز اليابان لصنعها. في جانب منها، تهدف السياسة النووية للصين، المتمثلة في "الضربة الأولى أو الاستخدام الأول"، إلى طمأنة اليابان بأنها لن تستخدمها أثناء الحرب، ما لم تُهاجم أولاً بأسلحة نووية.
لا تمتلك اليابان أسلحة نووية، لذلك، إذا التزمت الصين بعهدها، ينبغي أن تطمئن اليابان.. "إذا" و"ينبغي" هما الكلمتان الفعّالتان هنا.
ومع ذلك، فهو طرحٌ مثير للاهتمام.. بصرف النظر عن الرهاب النووي وعدم وجود حاجة ملحة، بالتأكيد ليس هناك سبب يمنع اليابان، ثالث أكبر اقتصاد في العالم، من صنع أسلحة نووية.
كيف سيبدو الردع النووي الياباني؟ فلنتفحص الثالوث النووية التقليدي المتمثّل في الصواريخ البالستية الأرضية، والقاذفات الاستراتيجية والغواصات الصاروخية، ولكل مرحلة من ملاءمة الثالوث لظروف اليابان.
على سبيل النقاش، دعنا نقول إن بإمكان اليابان اختيار مرحلة واحدة فقط للاستثمار فيها. كذلك سنجعل عدد الأسلحة النووية حوالي 300 سلاح نووي. سيعني ارتفاع الكثافة السكانية في اليابان أن تدمير عدد قليل فقط من المدن قد يؤدي إلى قتل أو إصابة غالبية المدنيين في البلاد. ضد خصم مثل روسيا أو الصين، ينبغي أن تكون اليابان قادرة على إلحاق خسائر مماثلة.
الصواريخ الأرضية
يمكن أن تستثمر اليابان في ترسانة صغيرة من الصواريخ الأرضية، يحمل كل منها رأساً نووياً أو أكثر. يمكن أن تتمركز الصواريخ في مستودعات مُحصَّنة، مثل Minuteman III الأمريكية، أو على منصات إطلاق متنقلة مثل RS-24 Yars الروسية.
سيكون الصاروخ الباليستي الياباني العابر للقارات أصغر، ولن يحتاج إلى النطاق والوقود للوصول إلى أمريكا الشمالية. وستكون القدرة كافية لبلوغ الصين وروسيا الأوروبية والشرق الأوسط جميعاً.
في نهاية المطاف، قد تستقر اليابان على قوة قوامها 100 صاروخ باليستي متوسط المدى، كل منها مجهز بثلاثة رؤوس حربية تعادل شدة انفجارها 100 كيلوطن (100 ألف طن من مادة تي إن تي).
يمكن أن توجد الصواريخ في مستودعات محصنة في شرق هوكايدو، الجزيرة الواقعة في أقصى شمال اليابان، أو يمكن أن تتحرك على منصات إطلاق متنقلة.
هذا هو أقل ما يمكن النجاة منه من بين الأفكار الثلاثة. قرب اليابان من الصين يعني أنه في حالة حدوث هجوم نووي من الأخيرة، يجب أن يكون لديها مبدأ "الإطلاق عند الإنذار" لضمان بقاء الصواريخ. وهذا من شأنه أن يزيد إلى حد كبير من احتمال نشوب حرب نووية غير مقصودة، إذ يمكن أن يتسبب عطل في الأجهزة أو البرامج في نظام الإنذار المبكر في اليابان في تفسير ذلك خطأ على أنه هجوم.
الجغرافيا تجعل اتخاذ الأرض كقاعدة خياراً أقل جاذبية
الكثافة السكانية العالية في اليابان تجعل من المستحيل إيجاد موقع لـ 100 مستودع من الصواريخ التي لن تسبب خسائر جانبية فادحة في حالة الهجوم. حتى وضعها في أماكن نائية مثل جزيرة هوكايدو الشمالية سيتسبب في مخاطر لا داعي لها.
ستكون منصات الإطلاق المتنقلة كبيرة جداً وثقيلة جداً بحيث لا يمكنها السفر عبر شبكة الطرق اليابانية، إلا إذا جرى إنشاء مسار منفصل في مكان ما. حتى هذا سيزيد إمكانية تحديد موقعها والتنبؤ به. قد يكون هناك خيارٌ آخر؛ وهو استغلال شبكة السكك الحديدية في اليابان.
قاذفات القنابل الاستراتيجية
بإمكان اليابان بناء جناح من قاذفات القنابل الشبحية لإطلاق صواريخ كروز وقنابل جاذبية نووية. ويمكن لمثل هذه الطائرات أن تخرج في مهمات التغلغل النووية ضد الخصوم، وتحييد أسلحة العدو النووية، والسيطرة والتوجيه وغيرها من أهداف الهجوم المضاد. وستمنح قاذفات القنابل النووية واضعي الخطط الاستراتيجية اليابانيين مرونة تمكنهم من مطاردة عدة أهداف أو تغيير الأهداف أثناء التحليق. ويمكن استدعاء قاذفات القنابل النووية في أي وقت من أوقات المهمة.
يمكن لمخطَط قاذفات القنابل أن يتكون من ثلاثة أسراب تتألف كل منها من 24 قاذفة، ليكون المجموع 72 طائرة، كل منها بحجم طائرة هجومية من طراز FB-111. ويمكن لكل قاذفة قنابل أن تحمل 4 صواريخ هجومية قصيرة المدى، بقدرة تفجيرية تساوي 100 كيلوطن للواحد، ليكون المجموع 288 سلاحاً نووياً.
لكن الجغرافيا لا ترجح استخدام قاذفات القنابل. إذ يمكن لهجومٍ مفاجئ على قواعد القاذفات اليابانية أن يمحو القوة بأكملها وهي على الأرض قبل أن تتلقى أمراً بالزحف. وإذا كانت طائرات تموين الوقود جواً ضرورية لتصل القاذفات إلى أهدافها، فإن تدمير قوات اليابان منها سيحيد قاذفات القنابل. علاوة على ذلك، يمكن للتطورات في تكنولوجيا الدفاع الجوي جعل قاذفات القنابل ضعيفة بدرجة خطرة.
ويمكن لليابان، كما كانت تفعل القيادة الجوية الاستراتيجية للقوات الجوية الأمريكية قديماً، إبقاء قوة من القاذفات في الجو بشكل دائم، لكن ذلك سيكون مكلفاً ويتطلب أن توجد في كل لحظة قاذفات (وطائرات تموين بالوقود جواً) في الجو كافية لتسديد ضربة عقابية. وستكون تكلفة وتعقيد إقامة مثل هذه القوة والحفاظ عليها باهظاً.
غوَّاصات الصواريخ البالستية
هذا هو الخيار الأكثر جاذبية. فغواصات الصواريخ الباليستية هي المنصات الأقدر على النجاة، طالما ظلت غواصة واحدة على الأقل في دورية في جميع الأوقات. إذ بإمكان كل "قاذفة" يابانية أن تبحر ببساطة في اتجاه الشرق إلى منتصف المحيط الهادئ حيث الأمان النسبي. وبذلك، لتتمكن أي سفن أو طائرات حربية مضادة للغواصات مرسلة من روسيا أو الصين لمطاردتها من الوصول إليها، يجب أن تتجاوز اليابان نفسها.
ويمكن لليابان أن تقنع الولايات المتحدة بمشاركة تكنولوجيا الغواصات والصواريخ والرؤوس الحربية معها، مثلما تشاركها مع المملكة المتحدة. فمن بين مخططات القواعد الثلاث، فأكثر ما يرجح أن توافق الولايات المتحدة على المساعدة فيه، هو الطبيعة الدفاعية لرادع الاستقرار في البحر. وبحسب الجدول الزمني، قد تصل اليابان إلى تمويل أجزاء محددة من برنامج أوهايو للإحلال، خاصة جزئية الصواريخ.
ومن خلال مخطط الاستقرار في البحر، يمكن لليابان أن تحاكي الصين أو فرنسا أو المملكة المتحدة، بالحفاظ على قوة مكونة من خمس غواصات صواريخ باليستية، تحمل كل منها 16 صاروخاً ذات رؤوس نووية. وسيُجهز كل صاروخ بأربع رؤوس حربية بقدرة 100 كيلوطن. أما الغواصة التي ستكون في دورية دائمة، فيمكن أن تُجهَّز بـ 64 رأساً نووية.
لكن هناك بعض العيوب. إذ يصعب الحفاظ على الاتصال بغواصات الصواريخ الباليستية خلال الأزمات بدرجة أكبر. وأخيراً، إن كانت غواصتان من إجمالي خمس غواصات في دورية في أي وقت، ستكون الرؤوس الحربية المتاحة 128 فقط.
ومن الواضح، في ظل الظروف الحالية، أنه ليس من مصلحة أي أحد أن تملك اليابان أسلحة نووية. ومع ذلك، لابد من الاعتراف بأنها إن اضطرت، فبإمكانها بالتأكيد امتلاكها. على الرغم من الطرق الطويلة، يجب أن تتذكر جميع الأطراف أن التوتر المتزايد في العلاقات بين اليابان والصين وروسيا قد يجعل من أي موقف سيئ، أسوأ بكثير.