أطلق رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مبادرة طموحة لنزع فتيل التوترات المتصاعدة بين الخصمين اللدودين إيران والسعودية، في وقت يعاني فيه بلده من اقتصاد متعثر، وتوترات متفاقمة مع الجارة الهند حول إقليم كشمير المتنازع عليه.
التقى خان، الأحد الماضي، المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني، خلال زيارته إلى طهران استغرقت يوماً واحداً، وهي الثانية له في عام، ناقش خلالها قضايا شملت الحرب في اليمن والعقوبات الأمريكية على إيران.
ورحّب روحاني بمبادرة خان لإحلال "السلام في المنطقة"، وقال إن طهران سترد على "أية بادرة حسن نية ببادرة حسن نية وكلمات طيبة".
وزار خان السعودية، الحليف الإقليمي لباكستان منذ فترة طويلة، الثلاثاء، وبحث نتائج اجتماعه مع كبار قادة إيران.
وتراجعت حدة التوترات، التي اشتعلت بين الرياض وطهران بعد هجمات استهدفت منشأتي نفط لشركة "أرامكو" السعودية، ما أوقف أكثر من نصف إنتاج أكبر مُصدر عالمي للنفط، الذي يمثل 5% من الإمدادات العالمية، الشهر الماضي.
وتبنت جماعة "الحوثي" المدعومة من إيران، الهجوم، لكن الولايات المتحدة الأمريكية اتهمت طهران، وهو ما نفته الأخيرة.
وعامة، تصاعدت التوترات بين إيران وجماعات حليفة لها في دول عربية من جهة والولايات المتحدة الأمريكية وحلفاء خليجيين (خاصة السعودية) وغربيين لها من جهة أخرى، على خلفية ملفات عديدة، أبرزها البرنامج النووي الإيراني، وحرية الملاحة البحرية في مضيق هرمز وأمن منشآت النفط في الخليج.
تصريحات متضاربة
خلال زيارته إلى واشنطن، الشهر الماضي، قال خان إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، طلب منه "التوسط" بين الرياض وطهران، وهو ما نفاه ترامب لاحقاً.
وقبل يوم من زيارة خان إلى طهران، نقلت وسائل إعلام باكستانية عن متحدث باسم الحكومة الإيرانية قوله إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أرسل رسالة للتوسط من خلال خان.
لكن خان قال خلال مؤتمر صحفي مع روحاني، إنها "مبادرة خاصة" من إسلام آباد لتسهيل الحوار بين الخصمين اللدودين منذ فترة طويلة في الشرق الأوسط.
وتابع: "نود أن نلعب دور الطرف الميسّر، وليس الوسيط. نريد تيسير الأمور على دولتين إسلاميتين شقيقتين".
مهمة صعبة جداً
أدرك خان وخبراء باكستانيون التحدي "المعقد"، المتمثل في تقريب السعودية ذات الأغلبية السنية، مع إيران ذات الأغلبية الشيعة.
وقال خان، نجم الكريكيت السابق، خلال المؤتمر: "ندرك أنها قضية معقدة، لكننا نشعر بأنه يمكن تسويتها بالحوار".
ووفق ظفار نواز جاسبال، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "القائد الأعظم" (حكومية) بإسلام آباد، فإن خان يحاول التيسير بين الطرفين، بدلاً من الوساطة، وهي مهمة "صعبة جداً".
ويضيف جاسبال: "الاختلافات بين الخصمين قديمة ومتجذرة ويصعب حلها. الجانبان اتبعا نهجاً مختلفاً تماماً تجاه الصراعات في سوريا واليمن والعراق… وحتى بالنسبة لفلسطين يتبعان نهجاً مختلفاً".
ورغم أن تبديد التوترات المتصاعدة يبدو أمراً "صعباً للغاية"، يحدو خان الأمل في أن يتفهم الجانبان خطورة القضايا ذات الصلة، ويبديا استعدادهما لنزع فتيل التوترات.
بدوره، يقول شهيد أمين، وهو دبلوماسي باكستاني سابق، إن مبادرة خان "صعبة"، لكن "قابلة للتنفيذ".
ويرى أمين، الذي عمل سفيراً لبلاده لدى السعودية وفرنسا وليبيا والاتحاد السوفييتي السابق، أنه "ليس ضرورياً أن تحقق (مبادرة الوساطة) كل الأهداف دفعة واحدة. بدء مفاوضات السلام هو إنجاز كبير في حد ذاته".
الرغبة في إذابة الجليد
ويعتقد أن طهران والرياض "أرادتا إذابة الجليد بينهما"، مذكراً بخطوة مماثلة بادر بها رئيس الوزراء الباكستاني السابق، نواز شريف، لكن عارضتها الرياض عام 2016.
ويضيف: "هذه ليست المرة الأولى التي تتوسط فيها باكستان بين الخصمين. لكن الفارق هو أن الرياض مستعدة أيضاً للجلوس على الطاولة هذه المرة".
ويتابع: "الرياض أدركت أنها لم تحصل على شيء من (خوض) حرب اليمن، فضلاً عن النفقات الضخمة والتوترات الحدودية. وبالمثل، ألحقت العقوبات الأمريكية أضراراً فادحة بطهران، التي تكافح للخروج من عزلتها بالمنطقة".
ومنذ 2015، ينفذ تحالف عربي بقيادة السعودية، عمليات عسكرية في اليمن؛ دعماً للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران والمسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ 2014.
ويعرب أمين عن اعتقاده بأن الضغوط المتصاعدة جراء النزاعات، أجبرت الخصمين على القبول بالحوار.
لكنه يحذّر من أنه ما لم يقترح الجانبان إجراءات عملية، فإن خطوة السلام ستكون بلا جدوى.
ويردف: "توجد اتهامات كثيرة ضد إيران فيما يتعلق بتورطها في اليمن وسوريا والعراق ودول أخرى بالمنطقة.. يتعين على الرياض اتخاذ خطوات لمعالجة مظالم طهران".
دوافع إسلام آباد
ويعتبر أمين أن خطوة خان تخدم مصالح باكستان، التي حاولت الحفاظ على التوازن بين السعودية وإيران، لكنها انحرفت نحو الرياض، وهي حليف مالي واستراتيجي كبير، في السنوات الأخيرة.
ويوضح أن "باكستان لا تفعل كل هذا كبادرة حسن نية فقط، فلديها أسبابها.. في حال عدم تهدئة التوترات المتصاعدة، وتحولها إلى صراع مسلح، فستكون باكستان (تضم سُنة وشيعة) هي الدولة التي يتعين عليها أن تواجه تداعياته بشكل مباشر فيما يتعلق بالعنف الطائفي، وأسعار النفط المتزايدة باستمرار".
لكن جاسبال يقلل من مخاوف الانقسام الطائفي، الذي غالباً ما يتم تسليط الضوء عليه فيما يتعلق بالعلاقات بين الرياض وطهران، قائلاً: "إنها مسألة جيو-استراتيجية بين البلدين أكثر من الانقسام الطائفي".
دور واشنطن
ويرى جاسبال أن دور الولايات المتحدة في مبادرة خان "مجرد دور هامشي"، معتبراً أن واشنطن، الحليف الأكبر للرياض، ستبقى على الهامش.
ويردف: "لعبت واشنطن بالفعل معظم أوراقها عبر فرض العقوبات والانسحاب (2018) من الاتفاق النووي مع طهران (الموقع عام 2015). ليس لديها الكثير في جعبتها لإظهاره، لذا أعتقد أنها لن تعارض التطور، وستبقى على الهامش".
ويؤيد أمين وجهة النظر السابقة بقوله، إن واشنطن ليست في حالة مزاجية تسمح لها بالتورط في نزاع عسكري بالشرق الأوسط.
وتعليقاً على قرار نشر أربعة آلاف جندي أمريكي في السعودية، وسط تزايد لعبة إلقاء اللوم في المنطقة، يرى أن "إرسال بضعة آلاف من الجنود لا يعني حرباً. إنه مجرد تكتيك ضغط. في النهاية، سيتعين عليهم جميعاً الجلوس على الطاولة".
نوبل للسلام
ويتفق جاسبال وأمين على أنه في حال أثمرت المبادرة عن نتائج ملموسة، فستزيد من نفوذ خان (66 عاماً) ومكانته دولياً.
ويزيد أمين: "إذا نجحت العملية، أو حتى إذا حققت بعض النتائج الإيجابية، يمكن أن يكون خان مرشحاً قوياً للفوز بجائزة نوبل (للسلام)".
وتولى خان السلطة في 18 أغسطس/آب 2018، عقب فوز حزبه "حركة الانصاف" بالانتخابات العامة، ليضع حداً لعشرات السنين من تناوب السلطة بين حزب الرابطة الإسلامية-جناح نواز، وحزب الشعب الباكستاني، مع فترات حكم خلالها الجيش.