لا يزال الجدل قائماً حول ظهور الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك فيما يعد أول حديث مصوَّر له منذ عزله عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني عام 2011، وخصوصاً حول سبب هذا الظهور بهذا التوقيت تحديداً.
واعتادت أسرة مبارك على إثارة الجدل بين الحين والآخر، تارةً عبر تغريدات علاء مبارك، وتارةً أخرى بظهور شقيقه جمال في الأماكن العامة، آخرها أمام النصب التذكاري لشهداء الحرب ليضع إكليلاً من الزهور على قبر الجندي المجهول كما اعتاد أن يفعل والده، وهو ما لم يفعله الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، الذي اكتفى بكلمة متلفزة وجَّهها للمصريين.
لكن الجدل الأكثرإثارة هذه المرة هو ظهور الرئيس مبارك نفسه في فيديو، تحدَّث فيه عن ذكريات حرب أكتوبر، وهو ما أثار تساؤلات حول توقيت هذا الظهور، وما يهدف إليه، وهل هي إشارة للرئيس السيسي أننا نستطيع بث فيديوهات على غرار فيديوهات المقاول والفنان المصري محمد علي؟
علاء هو صاحب الفكرة
مصدر مقرّب من عائلة مبارك قال لـ "عربي بوست" إن صاحب الفكرة هو الابن الأكبر علاء مبارك، الذي أقنع والده بتسجيل هذا الفيديو ونشره بعد أن "تجاهله الإعلام المصري كواحد من أبطال حرب أكتوبر"، على حد تعبيره.
وذكر المصدر أن مبارك الذي بلغ التسعين من عمره كان لا يرغب في الظهور، ولا يريد إثارة المشاكل مع الرئيس السيسي، فهو كرجل عسكري يحترم القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وأوضح أنه يتذكر أنه قد طلب الإذن منه حينما استُدعي للشهادة في قضية اقتحام السجون، كما أن مبارك هو الذي عيَّن السيسي مديراً للمخابرات الحربية بتوصية من المشير طنطاوي، وقد رأى فيه نموذجاً للقيادة العسكرية الشابة، على حد قوله.
واستدرك المصدر قائلاً "لكن المشكلة تتعلق بنجلَي مبارك اللذين استفزهما تجاهل السيسي لذِكر والدهما في كلمته بمناسبة حرب أكتوبر، إذ وجَّه السيسي التحية للرئيسين جمال عبدالناصر وأنور السادات، وتجاهَل توجيه التحية لمبارك".
صراع الأجنحة يُطلّ برأسه
وقال مصدر آخر على صلة بعائلة مبارك، إنّ الهدف من ظهور مبارك في هذا الفيديو هو لردِّ اعتبار الرئيس الأسبق كواحد من أبطال حرب أكتوبر، وإشارة من نجلَي مبارك إلى السيسي، أننا "نستطيع نشر فيديوهات على غرار فيديوهات محمد علي الشهيرة عن قصور السيسي وفساده وبذخه"، على حد قوله.
وأضاف المصدر "هي إشارة تهديد من نجلي مبارك بعد التضييق عليهما حتى في الشبكات الاجتماعية، عقب إطلاق السيسي جيشَه الإلكتروني، ومهاجمة علاء وجمال من خلاله، ومن خلال إعلامه".
لا يخفى على أحدٍ أن نجلَي مبارك ومنذ خروجهما من السجن في قضية "التلاعب بالبورصة"، يُثيران بين الحين والآخر الجدلَ بسبب ظهورِهما، حتى تم منع علاء مبارك من حضور مباريات كأس الأمم الإفريقية 2019، بعد أن حضر فقط مباراةً واحدةً، ونَشَرَ صورةً له مع الجماهير في المدرجات.
بعد هذه الأزمة نشر علاء مبارك صورةً وصفها الجميع بأنها مُستفزة للرئيس عبدالفتاح السيسي، بعد أن تقدَّم بالتهنئة للمنتخب الوطني بعد فوزه على منتخب أوغندا.
ونشر علاء صورة والده بجواره والدته سوزان مبارك، وهما يحضران إحدى مباريات المنتخب في إحدى البطولات، ويظهر في الصورة مبارك وهو يلوّح بيده إلى الجماهير ويردّ تحيتهم، وهو ما اعتبره النشطاء استفزازاً ومناوشة غير صريحة للرئيس عبدالفتاح السيسي، من خلال وضعه في مقارنة مع والده، خاصة بعد التضييق عليه وعلى أسرته، ومنعهم من حضور المباريات دون سبب.
إعلام غير مهني
وأضاف الباحث في الشأن المصري عزام أبو ليلة لـ "عربي بوست"، أنَّ "التجاهل المتعمَّد من النظام السياسي لرجل عسكري له تاريخه في حرب أكتوبر مثل مبارك مرجعُه إلى صراعات الأجنحة داخل النظام السياسي المصري الآن".
وأوضح أنه لا تزال لمبارك وعائلته ولاءات من قِبل بعض تلك الأجنحة، يخشاها الرئيس الحالي.
وأضاف أنه لو كان في مصر إعلام مهني جادّ لأجرت قناة أو صحيفة حواراً مع الرئيس مبارك "كان من الممكن أن يخرج الصحفي بأسرار جديدة لم تُكشف من قبل عن تلك الحرب".
لماذا يخشى السيسي عائلة مبارك؟
لا شكّ أن صراعات الأجنحة داخل نظام السيسي ما زالت في أوجِّها، فهل لدى نجلي مبارك نصيب من هذه الصراعات، وهل يخشاهما السيسي؟
يرى مصدر عسكري سابق تحدَّث لـ "عربي بوست"، أنَّه "كان يمكن لأي قناة استضافة مبارك للحديث عن حرب أكتوبر، ولكن هناك تعليمات مشددة بعدم نشر أي أخبار أو لقاءات مع أسرة مبارك".
وأضاف المصدر الذي رفض التصريح باسمه لأسباب أمنية أن "ذلك يرجع إلى أن السيسي بطبيعته لا يحب أن يظهر أحد في الصورة غيره، ومن طبيعته أيضاً الاستئثار بالسلطة وديكتاتورية القرار، ويرفض أي مشاورات، كما أنه يخشى من تصاعُد شعبية نجلي مبارك، في وقت انخفض فيه رصيده الجماهيري إلى الصفر، والدليل على ذلك هذه المظاهرات غير المتوقعة التي خرجت ضده مؤخراً وطالبت برحيله".
وأوضح أنه وسط هذه الأزمة التي يعيشها السيسي، هو لا يريد أي منافذ أخرى تؤرّقه أو تهدد نظام حكمه، وفي مقدمتها بالطبع فيديوهات المقاول المصري محمد علي، ثم عائلة مبارك، التي بلا شك تحظى برصيد جماهيري لا ينكره أحد، على حد قوله.
واستشهد المصدر بالمقولة التي يردّدها بعض المصريين وسط ما يجري على الساحة السياسية والاقتصادية وغلاء الأسعار: "ولا يوم من أيامك يا أبو علاء"، في إشارة لمبارك. هذه المقولة وغيرها يتم رصدها بالطبع لقياس نبض الجماهير، ومن هنا يخشى السيسي سطوع نجم عائلة مبارك.
مبارك يملك رصيداً كبيراً في الخليج
وبحسب مصدر خاص مقرَّب من دوائر صنع القرار في مصر، تحدث لـ "عربي بوست"، فإنه من أسباب هذه المخاوف أيضاً كون مبارك يملك رصيداً سياسياً كبيراً عند أمراء وملوك الخليج.
وأضاف أن حكام الخليج يقدّرون مبارك ونجليه تقديراً كبيراً، وفي أي لحظة انهيار سياسي من الممكن أن يحظيا بدعم كبير من ملوك وأمراء الخليج.
رجال الأعمال أكثر إخلاصاً لمبارك
الأمر الآخر في مخاوف السيسي من علاء وجمال مبارك، أنَّ هناك فئة من رجال الأعمال مازالوا مخلصين لمبارك وعائلته، هؤلاء حاول السيسي استقطابهم تارة، وتهديدهم تارة أخرى، لأنهم يمتلكون كنزاً من أسرار الدولة الاقتصادية والسياسية على حدٍّ سواء، وهو ما يعتبره تهديداً لتثبيت أركان نظامه.
ربما لهذا السبب نجد السيسي يتحدّث عن أراضي الدولة التي سُرقت إبان حكم مبارك من قبل بعض رجال الأعمال.
ولعلنا نذكر في هذا الصدد رجلَ الأعمال محمود الجمّال، وهو والد زوجة جمال مبارك، الذي يدير شؤون العائلة، ويسعى في الخفاء لإظهار جمال مبارك ليعود إلى السلطة، خاصة أنه بعد عامين من الآن تنتهي مدة حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية، بسبب الحكم عليه بالسجن في قضية "البورصة".
وأيضاً ضمن قائمة رجال مبارك ونجليه نجد إبراهيم كامل، وأحمد عز، وصلاح دياب، وغيرهم.
هذا هو اللوبي الذي يستند إليه جمال وعلاء مبارك، ويخشاه السيسي، ويواجهه بكل قوة من خلال التضييق على الشقيقين بكل ما أوتي من سلطات.
والسؤال الآن: هل يظهر على السطح هذا الصراع في الأيام القادمة، ونشهد فيديوهات كاشفة لأسراره على غرار فيديوهات محمد علي؟