بدا واضحاً أن المقاتلين الأكراد يستخدمون سجناء داعش كورقة مساومة مع العالم، ولكن ما هي المعلومات المتوفرة عن هؤلاء السجناء الأخطر في العالم، ولماذا هي قليلة وما سر حرص قوات سوريا الديمقراطية على إحاطة هذا الملف بقدر كبير من الغموض.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الإثنين 14 أكتوبر/تشرين الأول 2019، إن القوات التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا، ربما تطلق سراح أسرى من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) لحمل القوات الأمريكية على العودة للمنطقة.
وأضاف ترامب في سلسلة تغريدات نشرها على حسابه في موقع تويتر: "إنه سيكون من السهل للغاية أسرهم مرة أخرى".
كم عدد سجناء داعش وعائلاتهم المحتجزين لدى الأكراد
وتحرس قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها الأكراد وتدعمها القوات الأمريكية، حوالي 20 سجناً صغيراً يُحتجز فيها 10 آلاف شخص متهمين بالانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وكذلك يسيطر الأكراد على عدة مخيمات تضم 70 ألف امرأة وطفلاً متهمين بأنهم من أفراد عائلات مقاتلي تنظيم داعش، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
ولكن الآن، يقول الأكراد إنَّهم قد يضطرون إلى سحب الحراس من هذه المنشآت لمحاربة القوات التركية التي تعبر الحدود. إذا حدث هذا، فلن تتدخل الولايات المتحدة حسب
وها هم المقاتلون الأكراد يستخدمون سجناء داعش كورقة مساومة في وقت مبكر
وذكرت قوات سوريا الديمقراطية يوم أول أمس الجمعة 11 أكتوبر/تشرين الأول أنَّ العديد من سجناء تنظيم داعش في سوريا قد فروا من معتقلٍ في القامشلي شمال شرق سوريا بعدما قصفته القوات التركية.
واتهمت تركيا القوات الكردية في شمال سوريا بافتعال حريق في مخيم عين عيسى الذي يضم المئات من عناصر داعش وعائلاتهم، ونقلت وكالة الأناضول التركية الرسمية عن شاهد عيان من موظفي المخيم، قوله إن عناصر المنظمة قاموا قبل ظهر اليوم (الأحد) بإخراج كافة الموظفين المدنيين في مخيم عيسى، وبعد وقت قصير أضرموا الحريق في المخيم، ليؤمنوا هروب عناصر داعش وعائلاتهم من المخيم.
وأكد الموظف أن الحرائق كانت مفتعلة، ولم يحدث أي هجوم أو قصف على المخيم، مشيراً أن عناصر المنظمة خرجوا من المخيم بعد إضرام الحريق فيه.
ويضم المخيم الذي تم تأسيسه أواخر عام 2016 إلى جانب آلاف المدنيين الذين فروا من الاشتباكات، نحو 1500 من عناصر داعش الإرهابي وعائلاتهم.
والقوات الكردية أصبحت عالقةً بين حماية السجون والمخيمات من ناحية، ومنع الجنود الأتراك من عبور الحدود من ناحيةٍ أخرى.
فيما أصبحت ورقة التحكم في السجناء إحدى آخر أوراق المساومة في أيديهم لمحاولة التأثير في الإدارة الأمريكية التي يرون أنَّها صارت متقلبة بصورةٍ متزايدة.
قوات سوريا تحيط السجون بقدر كبير من الغموض
يقول تقرير الصحيفة الأمريكية ولا نعرف الكثير عن هذه السجون؛ فقوات سوريا الديمقراطية ما زالت تلتزم السرية حول العديد من مراكز الاحتجاز، مع السماح للصحفيين والباحثين والعاملين الأجانب في مجال المساعدات الإنسانية بزيارةٍ عدد قليلٍ منها.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ هناك بضعة من هذه المراكز تضم أكثر أعضاء داعش تشدداً. وتعد العديد من مراكز الاحتجاز سجوناً مكتظة "ظهرت فجأة" أو مدارس تحوَّلت إلى سجون أو مكاتب حكومية يتكدس فيها السجناء في غرف بدون أسرَّة أو مراتب، ولا يوجد فيها مساحةٌ كافية للنوم.
ومن جانبها قالت إليزابيث تسوركوف، زميلة برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية: "تنظيم داعش مهتمٌ للغاية" بمعرفة المزيد عن هذه المنشآت. فيما رفض متحدثٌ باسم قوات سوريا الديمقراطية التعليق.
الغرب امتنع عن تمويل بناء سجون
وحتى الآن، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنَّ المنطقة التي دخلتها تركيا لا يوجد فيها سجون أو ربما عدد قليل منها. لكنَّ السلطات التركية أكَّدت أنَّها تريد إقامة منطقة عازلة عمقها 30 كيلومتراً داخل سوريا.
وهناك حوالي 15% من بين عشرة آلاف سجين قابعون في تلك المنطقة، وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية. وكذلك أشارت تركيا إلى أنَّها سوف تنتهز الفرصة وتسيطر على المنطقة الحدودية بأكملها، حيث يوجد المزيد من مراكز الاحتجاز، وهذا ما يخشاه الأكراد.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الطبيعة المؤقتة للعديد من هذه السجون تُشكِّل مصدر قلق. فوفقاً لتقرير حديث صادر عن مجموعة الأزمات الدولية التي يقع مقرها في واشنطن، "لم تتمكن دول التحالف الغربي الذين يتعاونون مع قوات سوريا الديمقراطية من الإسهام بأكثر من أموال محدودة في تعزيز مراكز الاحتجاز القائمة وتحويل بعض المباني مثل المدارس إلى "سجونٍ مؤقتة"". وذلك لأنَّ الكونغرس يشترط عدم استخدام أموال الولايات المتحدة التي تتلقاها قوات سوريا الديمقراطية في بناء منشآتٍ جديدة، بما في ذلك السجون.
وأضاف التقرير: "شركاء قوات سوريا الديمقراطية قلقون من أنَّ تنظيم داعش يمكن أن يستهدف هذه السجون المؤقتة من أجل تهريب السجناء أو أنَّ السجناء قد ينظِّمون أعمال شغب تتحول إلى هروب جماعي.
ويحاول الأكراد التركيز على هذه الاحتمالات وربطها بدخول تركيا وحلفائها إلى شمال شرق سوريا، والتلويح دوماً بأن قوات سوريا الديمقراطية ستضطر إلى إعادة توجيه مواردها لمواجهة هذا التدخُّل".
ولكن ما هي نوعية السجناء؟ أخطرهم القادمون من الدول الأوروبية
تجدر الإشارة إلى أنَّ سجناء داعش المحتجزين، الذين يُقدَّر عددهم بـ10 آلاف سجين، يوجد بينهم حوالي 2000 مقاتل أجنبي من أكثر من 40 دولة. وبوجهٍ عام، يعد المقاتلون الأجانب من المؤيدين المتشددين للتنظيم المتطرف، مقارنةً بالعديد من العراقيين والسوريين الذين انضموا إلى التنظيم لأسباب اجتماعية واقتصادية وليست أيديولوجية.
ويُذكَر أنَّ الولايات المتحدة تسلَّمت معتقلين بريطانيين من العناصر المهمة في التنظيم: وهما ألكسندا كوتي والشافعي الشيخ، المتهمين بالانضمام إلى فرقة البيتلز سيئة السمعة التي ذبحت رهائن أمريكيين، ونقلتهما إلى العراق. وكذلك يُفكِّر بعض المسؤولين الأمريكيين في تسلُّم 40 معتقلاً آخرين يعتبرون أعضاءً مهمين في التنظيم، أو نقلهم.
ماذا ستفعل الولايات المتحدة لو فر سجناء داعش؟
وتلتزم الولايات المتحدة الصمت حتى الآن بشأن ما ستفعله إذ فر سجناء داعش من مراكز الاحتجاز.
وكما ذكرت المراسلة الأمريكية ليز سلي والصحفية الأمريكية ميسي رايان في صحيفة The Washington Post، "قال مسؤولون أمريكيون، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة الاستراتيجية الأمريكية في سوريا، إنَّ وزارة الدفاع الأمريكية ليس لديها ما يكفي من القوات للإشراف على السجون إذا تُرِكَت دون حراسة، ولا تفويض لفعل ذلك".
من جانبه ، قال ترامب إنه "من السهل للغاية أن تعيد تركيا أو الدول الأوروبية التي ينحدر منها الكثيرون أسراهم، لكن ينبغي لهم التحرك بسرعة".
70 ألف امرأة في معتقل لزوجات مقاتلي داعش
وبالإضافة إلى منشآت الاحتجاز، توجد مخيمات يُحتَجز فيها زوجات المقاتلين المشتبه بهم وأطفالهم، وبعضهم من المنتمين إلى التنظيم أو مؤيديه.
وقال بعض المراقبين إنَّ مخيم الهول الموحِش -الذي يضم حوالي 70 ألف امرأة وطفل- على وجه التحديد يمكن أن يشكل خطراً كبيراً، لأنَّه مؤمَّن تأميناً ضعيفاً ويضم بعض المحتجزات المتطرفات والعنيفات.
إذ قالت ليز وميسي في تقريرهما: "المخيم محاط بسياجٍ ضعيف، ويفتقر حتى إلى الاحتياطات الأمنية الأساسية مثل الكشافات. وفي مقابلةٍ أجريت معه الأسبوع الماضي، قال القائد الأعلى لقوات سوريا الديمقراطية، الجنرال مظلوم عبدي، إنَّ الحراس الأكراد لا يسيطرون "سيطرةً تامة" على المخيم".
وصحيحٌ أنَّ بعض السجون الكردية تحاول اتباع نهجٍ مختلف يهدف إلى "إعادة تأهيل العديد من مقاتلي داعش المحتجزين لديها وإعادة دمجهم، على أمل ردع إعادة نهوض العنف المُسلَّح"، كما ذكرت ليز.
لكنَّ هذه الجهود الرامية إلى كسر دائرة الانتقام تتطلَّب وقتاً وموارد.