اعترف الحزب الشيوعي الصيني أخيراً باحتجاز أشخاص في معسكرات في شينجيانغ في الخريف الماضي، بعد أكثر من عام من إنكار وجود هذه المعسكرات من الأساس. يصف الحزب هذه المعسكرات بأنها معسكرات "إعادة تعليم" تركز على الإرهابيين المحتملين أو على التدريب المهني ويأخذون مجموعات مختارة بعناية في جولات صورية لزيارة هذه المعسكرات. في شهر يوليو/تموز ادعى أحد المسؤولين أن "معظم الناس" أُطلق سراحهم من المعسكرات.
تعلّق على ذلك "نور الإيمان" وهي طالبة إيغورية تعيش الآن في الولايات المتحدة، في مقالة نشرتها بصحيفة Foreign Policy الأمريكية: لكن إذا كان معظم الناس أُطلق سراحهم، أريد أن أسأل الصين هذا السؤال: أين والداي؟
اسم والدي عبدالرشيد توهتي، ويكتب بالصينية 阿布都热西提 托胡提. حتى أسماؤنا لا تُطوع بسهولة في اللغة الصينية. وأمي اسمها تاجيغول قادر أو 塔吉古丽 卡迪尔. إنني أكتب أسماءهم بالصينية حتى تتأكد السلطات عمن أتحدث. لا أريد أن يكون هناك مجال لأي لبس. أبي عمره 54 عاماً ولديه متجر للسيارات، وأمي ربة منزل عمرها 50 عاماً. وكلاهما ليس إرهابياً أو متطرفاً أو بحاجة لتعلم العمل الذي كانوا يعملونه بنجاح لعقود من الزمان. لقد اختُطفوا من منزلهم رقم 035 ببلدة سيباغ، إقليم شوفو، بشينجيانغ.
إنهما مفقودان منذ أكثر من عامين، وأُخذ أخواي أيضاً، أميتجان عبد الرشيد 艾麦提江 阿布都热西提، ومحمد علي عبدالرشيد 麦麦提艾力 阿布都热西提. ولديّ أيضاً من قبيل الصدفة رقم بطاقة هوية محمد، في حالة أنه قد يساعد السلطات في إيجاده.
"نحب أرضنا ولغتنا"
تقول نور: لسنا أسرة من المتعصبين، لكننا نحب أرضنا ولغتنا. وبصفتي طالبة، تبعت الطريق الذي رسمه الحزب الشيوعي لي، الطريق المفترض أن يسيره مواطن الإيغور "المثالي". درست في جامعة الأقليات المرموقة في بكين. وعملت في المكاتب الصينية ولدي أصدقاء صينيون. وتعلمت التحدث بالصينية، والإنجليزية. كان وجهي وثوبي يميزني عن بقية زملائي، لكني اجتهدت بما يكفي لأظفر بمنحة دراسية في تركيا. وربما ساهم هذا الإنجاز في إدانة عائلتي.
بالنسبة للعائلات الصينية الرفيعة من سلالة هان، تعتبر الدراسة بالخارج إنجازاً، يشير إلى أنك لديك المال والنفوذ الكافي لتوفر الأفضل لأبنائك. لكن بالنسبة للإيغور كان الأمر دائماً أصعب. ففي حين أصبح أسهل وأسهل على الصينيين من سلالة هان الحصول على جوازات سفر، بدأت البوابات تغلق في وجوهنا. سافرت في فبراير/آب من عام 2014، عامين فقط قبل أن تبدأ السلطات الصينية مصادرة جوازات السفر من جميع الإيغور تقريباً.
"الشتات أصبح مصدراً للنجاة"
تقول الطالبة نور: بينما تتوغل الحملة القمعية أكثر في شينجيانغ، أصبح الشتات مصدراً لنجاة الإيغور ثقافياً وسياسياً. لكن بالنسبة لبكين، كانت جهودنا للإبقاء على حياة شعبنا تعد تهديداً. وفي ظل بيئة سياسية يزداد مرضها بالشك، فإن أي اتصال بالعالم الخارجي، سواء كان بكازاخستان أو تركيا، أو الولايات المتحدة، أصبح إشارة على الانحراف أو دعماً للاستقلال. فالمنحة التي أعطتها لي الحكومة الصينية بنفسها تجعلني، أنا وكل أفراد عائلتي في خطر من الحكومة ذاتها.
آخر مرة تحدثت معهم كانت في 18 يونيو/حزيران 2018، عندما تحدثت إليهم من تركيا. بعد أن تحدثنا عبر الهاتف، كنت أتكلم مع ابنة أخي عندما انقطع الخط. كنت مذعورة لأنه كان هناك حكايات منتشرة بالفعل عن تحذير الشرطة للناس من تلقي المكالمات الدولية.
كنت أتصل بهم كل يوم. وعندما حاولت مرة أخرى في 20 يونيو/حزيران، كان هاتف أبي غير متاح. ثم جربت الاتصال بأخي، وكانت النتيجة ذاتها. وأخيراً حاولت الاتصال بأمي. ورن الهاتف، لكنها لم تجب. وواصلت المحاولة.
"ممنوع تلقّي مكالمات دولية"
تضيف نور: وأخيراً تمكنت من الوصول إلى عائلة عمي. حذروني من الاتصال مرة أخرى، كانت الشرطة تطوف بالفعل وتهدد من يتلقون مكالمات دولية، أكثر حدة هذه المرة. وقبل شهر يوليو/تموز، عرفت من خلال بعض الطرق الخلفية أن إخواني وأبي أُخذوا إلى مركز اعتقال في القرية. أصبح من الصعب جداً الوصول إلى أي شخص في شينجيانغ، والمعلومات أصبحت أكثر ندرة. استغرقت حتى فبراير/شباط من عام 2018 حتى تأكدت أن لا أحد بقي في المنزل. أبي وأمي وإخواني جميعهم اُخذوا إلى المعسكرات.
لم أكن وحيدة. فكل العائلات تقريباً لديها أقارب في المعسكرات. في السابق عندما كان يدخل الأبرياء إلى السجن، كان هناك أمل أن يُطلق سراحهم، إما بسبب بيروقراطية النظام أو من خلال النفوذ الشخصي. لكن الأعداد أصبحت مهولة الآن.
تلقيت تهديدات من السلطات لكي أعود. لكني عرفت من تجارب الآخرين أن هذا ببساطة يعني الذهاب للمعسكرات أيضاً. فالسفر للخارج في أعين الدولة أشد تهديداً من الاتصال بالعالم الخارجي. وبدلاً من ذلك جئت إلى الولايات المتحدة، حيث أعمل أنا والإيغور الآخرون للفت الانتباه لموقف عائلاتنا. جُمعت شهادات الآلاف من الأفراد، لكنهم مجرد نقطة في بحر الأعداد المحتجزة. حتى الأقارب بالخارج يخافون من التحدث.
اليوم، أُطلق سراح بعض الناس من المعسكرات. لكن الكثير منهم انتقلوا لشكل آخر من أشكال السجن، من السخرة إلى نظام السجون العادية، التي ابتلعت أعداداً ضخمة على نحو يدعو للدهشة في أثناء الحملة القمعية. وكل يوم تطوف شائعات أسوأ من سابقتها في مجتمع الإيغور.
لكن الآن الصين تقول إن الناس يُطلق سراحهم. إذا كان هذا حقيقياً، أكرر عليكم سؤالي. أين والداي؟