أثارت الدعوات والوعود المتزامنة في مصر بالانفتاح السياسي، والانتقال من الوضع القابض المتشدد إلى وضع أقل تشدداً؛ بهدف امتصاص الاحتقان الشعبي، أثارت تساؤلاتٍ حول تنسيق إطلاقها، وتحديد شخوصها، ورسم مهامهم فيها، وملامح هذا الانفتاح.
وحصل "عربي بوست" على بعض التفاصيل حول الخطة التي ستقوم بها الحكومة المصرية في الناحية السياسية لتخفيف حالة الاحتقان، والأسماء التي ستعود للظهور في وسائل الإعلام بعد فترة من الغياب الاضطراري.
وخلال الأيام الماضية، وعد مسؤولون وبرلمانيون ببعض الإصلاحات السياسية، كما تبنّى سياسيون وصحفيون خطاباً متشابهاً يطالب بعدد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، سواء في لقاءات متلفزة، أو مقالات صحفية نادرة.
تأتي تلك الدعوات مع خروج بعض المظاهرات في العاصمة المصرية القاهرة، وعدد من المحافظات على مستوى الجمهورية، واستمرار الدعوات على الشبكات الاجتماعية، والتي يتزعمها المقاول والفنان المصري محمد علي، ضد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
مصادر مطلعة
وعن آلية هذا التحول المفاجئ والاضطراري في موقف السلطات المصرية، قال مصدر مطلع لـ "عربي بوست"، "إنَّ الأجهزة الأمنية، وتحديداً -المخابرات العامة- المسؤولة الآن عن المشهد السياسي في مصر، أوصت وقرَّرت إرخاء الحبل قليلاً".
وأضاف المصدر أن "جهات أمنية تواصلت مع عدد من الوجوه الصحفية والسياسية، المعروفة بمواقفها الداعمة للنظام، أو المعارِضة لبعض سياساته وليس لوجوده، واستدعتها مرةً أخرى للكتابة في الصحف والظهور على القنوات، بعد سنوات من الحظر".
وكشف المصدر أنَّ من بين تلك الوجوه الكاتب الصحفي ورئيس مجلس إدارة مؤسسة "الأخبار" الصحفية ياسر رزق، والسياسي اليساري عبدالحليم قنديل، ونقيب الصحفيين ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات التابعة للحكومة المصرية ضياء رشوان، واليساري ورئيس تحرير جريدة الشروق عماد الدين حسين، والإعلامي يوسف الحسيني.
ملامح الانفتاح
وبشأن ملامح هذا الانفتاح أكد المصدر أنَّ الهدف الرئيسي منه هو "إعادة البرودة في أوصال الشارع المصري، الذي بدأ يغلي ويفور"، واتّخاذ إجراءات حقيقية من أجل امتصاص الغضب، رغم معارضة بعض القيادات بالسماح بخروج "العفريت من القمقم".
وتوقَّع المصدر أن "تظلّ قبضة النظام قابضةً على كل مقاليد الأمور، وتحت أعينها، وأن يكون اللجام في يدها لأي سماح بالتمدد في الحالة السياسية أو الاقتصادية أو الحقوقية، مع استمرار تضييق الخناق على التيار الإسلامي بأشكاله كافة".
وشهدت البرامج التلفزيونية، والصحف الخاصة والقومية، ظهورا بارزاً ومكثفاً للعديد من الوجوه السياسية والإعلامية التي كانت محسوبة على النظام، وتم تغييبها لسنوات؛ بسبب مواقفها الرافضة لبعض سياسات الدولة آنذاك.
وخلال سلسلة من المقالات واللقاءات المصوَّرة، روَّج الصحفي ياسر رزق لحدوث انفتاح من قِبل الدولة على المعارضة والإعلام، ورفع سقف الحريات، قائلاً: "إن الساحة الإعلامية يمكن أن تشهد في المرحلة المقبلة انفراجة في علاقة النظام بالأحزاب".
مشيراً في حوار مع مقدم برنامج "المصري أفندي"، علي خير، إلى ضرورة وجود معارضة برلمانية قوية، يمكنها تقديم حلول للخروج من أزمة فقدان الثقة بين غالبية المصريين والإعلام، بما يتطلب إعادة صياغة للمشهد بأكمله بما يليق بطموحات المصريين".
قنديل.. ونقاطه الخمس
وفي حديثه لـ "عربي بوست"، نفى السياسي المصري الكاتب الصحفي عبدالحليم قنديل، وجود أي تنسيق مع أي جهة لطرح مبادرات سياسية، قائلاً: "هي مبادرة شخصية عبّرت عنها مراراً وتكراراً خلال السنوات الأخيرة".
ووصف الوضع بأنه "مختنق اجتماعياً وسياسياً"، وأن مبادرته "هي ذاتها قبل دخولي السجن وبعد خروجي منه، ولا علاقة لها بما يجري من دعوات لثورات هي متعلقة بتحول الوضع الراهن من وضع السلطة القابضة إلى وضع النظام السياسي، والذي جوهره الدستور، وفي هذا السياق طرحت خمس نقاط أساسية".
وعدَّد تلك النقاط قائلاً: "هي الاستقلال الوطني، التصنيع الشامل، العدالة الاجتماعية، كنس إمبراطورية الفساد، وإطلاق الحريات العامة".
وبشأن تزامن المبادرة مع مبادرات مماثلة قال: "ربما تكون تعبيراً عن قلق عام، وإحساس بضرورة تفكيك الاحتقان؛ لأن الأحداث أثبتت أنّ غلق المجال العام والإعلام إلى آخره يجعل المواطن المصري صيداً سهلاً لدعاية موجَّهة من طرف آخر".
وأضاف: "لست على علم بما يقوله الزملاء من كُتاب وسياسيين، ومن يُراجع ما كتبته على مدى السنوات الثلاث يتأكد أنه موقفي ومنهجي".
وعن توقعه لاستجابة النظام السياسي لمبادرته، قال: "أفرط في التوقعات، ولكنها (الاستجابة) ستكون موجودة بدرجة أو بأخرى؛ لأن هناك حالة تسليم بأن هناك أوضاعاً ينبغي أن تتغير"، لافتاً إلى أن "تميّز أي نظامٍ عن آخر يكون بمقدرته على تدارُك الأخطاء سريعاً".
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أفرج عن قنديل لظروف صحية، في مايو/أيار الماضي، حيث كان يقضي عقوبة بالسجن لمدة ثلاث سنوات، في قضية تتعلق بإهانة وسب القضاء والقضاة، وزُجّ به في السجن في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
اللعب في الوقت الضائع
إلّا أن محلِّلين وسياسين مصريين شكَّكوا في حقيقة رغبة النظام في إحداث انفراجة؛ لأن الانفراجه ينبغي أن تكون على المستويات كافة، سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو حقوقية، تهدد في حال حدوثها النظام نفسه بسوابقه التي تدعو للمحاسبة والمساءلة.
ورأى مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية في إسطنبول، ممدوح المنير، أن "الحديث عن انفراجه سياسية تحت حكم الدبابة وتحت ظلال عصا الاعتقال والقتل والترويع هو نوع من النصب السياسي بامتياز، بل حتى الشخصيات المرشحة لإحداث هذه الانفراجه الهزلية هي نخب احترقت ولم يبقَ منها سوى الرماد".
وأعرب عن اعتقاده في تصريحات لـ "عربي بوست" أنَّ "السيسي في ورطة حقيقية، مهما حاول أن يخفيها بهذه الألعاب السياسية التي تثير السخرية أكثر مما تثير أي شيء آخر"، مشيراً إلى أن "الحراك الأخير بعد ظهور محمد علي مثَّل صدمةً عنيفة للسيسي وأجهزته القمعية".
وأكد أن "أقصى ما يمكن أن يصل إليه النظام هو صناعة معارضة تابعة له، تلعب في مساحة المطالب الفئوية، بعيداً عن الإصلاحات السياسية أو أي مطالب حقيقية، يمكن أن نسميها معارضة العلاوة، أو معارضة التموين، وليست معارضة سياسية بأي حال من الأحوال".