في محاولة لتقليل التبعية الاقتصادية لإسرائيل فإن السلطة الفلسطينية تسعى لتعزيز التبادل التجاري مع مصر عبر إدخال البضائع المصرية إلى الضفة الغربية.
وقد وصل رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، أول من أمس الأحد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2019، إلى القاهرة، على رأس وفد وزاري كبير، في زيارة لتعزيز التعاون بين البلدين، وبحث آفاقه، ويتضمن جدول أعمال الزيارة لقاءات ثنائية بين العديد من وزراء الجانبين، وتفعيل أعمال اللجنة الفلسطينية المصرية العليا لتعزيز التبادل والتعاون في كافة المجالات.
وتثير التحركات الأخيرة من السلطة الفلسطينية باتجاه مصر تساؤلات حول أسباب التقارب الاقتصادي المصري مع الضفة الغربية، وانعكاسه على الحركة الاقتصادية الفلسطينية، وحجم التداول التجاري، وأهم البضائع، وقيمة الأسعار، وهل يكون ذلك على حساب تداول البضائع المصرية في غزة، أم أنه توجّه سياسي مصري بالتقارب الاقتصادي مع الفلسطينيين عموماً، وعلاقة ذلك بالانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل.
وما مدى واقعية هذه الخطة في ظل وجود العراقيل الإسرائيلية والفصل الجغرافي بين الضفة وقطاع غزة.
"الانفكاك الاقتصادي هو مطلبنا.. وميناء أسدود الإسرائيلي هو وسيلتنا"
هدف زيارة الوفد الرفيع المستوى من الحكومة الفلسطينية إلى مصر هو إبرام اتفاقات اقتصادية في مجالات متعددة تمهيداً للانفكاك التدريجي عن الإسرائيلي (تقليل التبعية الاقتصادية لإسرائيل)، وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية الفلسطينية مع العمق العربي.
ويجري خلال الزيارة توقيع بروتوكولات ومذكرات تعاون بين البلدين في مختلف القطاعات، وهو الوفد الوزاري الأكبر في تاريخ علاقاتهما، حيث يضم 12 حقيبة وزارية، ما يدل على حرص اشتية على مدّ جسور التعاون السياسي والتنفيذي مع مصر، والنهوض بها إلى أعلى مستويات التنسيق، مع أن هناك اتفاقيات للتبادل التجاري بين مصر وفلسطين في 1996 و2005، لكن الجانبين تأخّرا في تنفيذها.
وتأمل السلطة في وصول البضائع المصرية إلى الأسواق الفلسطينية، عبر ميناء أسدود الإسرائيلي، بحيث تكون المرة الأولى التي يتم تداول فيها بضائع مصرية هناك، علماً أن قطاع غزة هو السوق الفلسطيني الأول لهذه البضائع بسبب القرب الجغرافي بين غزة ومصر، ولكن جزء كبير من السلع يدخل عبر التهريب.
مميزات للتبادل التجاري مع مصر بعد التعويم
وتثير التحركات الأخيرة من السلطة الفلسطينية باتجاه مصر تساؤلات حول أسباب التقارب الاقتصادي المصري مع الضفة الغربية، وانعكاسه على الحركة الاقتصادية الفلسطينية، وحجم التداول التجاري، وأهم البضائع، وقيمة الأسعار، وهل يكون ذلك على حساب تداول البضائع المصرية في غزة، أم أنه توجه سياسي مصري بالتقارب الاقتصادي مع الفلسطينيين عموماً، وعلاقة ذلك بالانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل؟
أسامة نوفل، مدير التخطيط والسياسات بوزارة الاقتصاد الوطنيّ في غزّة، قال لموقع "عربي بوست" إن هناك جملة أسباب تشجع التجارة الفلسطينية مع مصر من بينها تراجع قيمة الجنيه المصري، ما يوفر ميزة تنافسية للتجار الفلسطينيين باستيراد بضائع مصرية، لاسيما بالنظر للبضائع غير المتوافرة بأسواق الضفة الغربية.
الأنفاق أكثر فاعلية من الطرق الرسمية التي تهيمن عليها إسرائيل
سمير عبدالله، وزير العمل والتخطيط الفلسطينيّ السابق كبير باحثي معهد أبحاث السياسات الاقتصاديّة الفلسطينيّ-ماس، قال لموقع "عربي بوست" إن "الطريق البري بين مصر والضفة الغربية متاح عبر سيناء وصولاً إلى ميناء أسدود الإسرائيلي، أو بالطيران عبر الأردن، لكنه مكلف مالياً، مع أن تجربتنا التجارية الفلسطينية مع مصر عبر قطاع غزة مرت بمرحلة من الازدهار، ولكن عبر الأنفاق الحدودية".
وأضاف أن "مصر بلد كبير، وهي كفيلة بأن تغنينا عن كل المنتجات الإسرائيلية الغذائية من ألبان وأجبان وبقوليات، وفي الوقت ذاته فإن لدى مصر قوانين لحماية بعض السلع الأساسية بحيث لا تستطيع تصديرها للخارج".
أول عراقيل إسرائيل للخطة.. هل من حقها منع البضائع المصرية للضفة
من الناحية النظرية يفترض أن إسرائيل لا تملك أن تضع حق الفيتو على دخول أي واردات مصرية للأسواق الفلسطينية؛ لأن ذلك ليس منصوصاً عليه في الاتفاقات.
ولكن هناك مخاوف فلسطينية جدية بأن تتدخل إسرائيل في معايير جودة البضائع المصرية المصدرة الى الضفة الغربية، أو المعايير المرتبطة بها.
دخل إسرائيل في معايير جودة البضائع المصرية المصدرة الى الضفة الغربية، أو المعايير المرتبطة بها.
"كما يمكن أن تكون هناك قيود إسرائيلية على إمكانية وصول البضائع المصرية إلى الضفة الغربية، وتتعلق بالسلع المسماة مزدوجة الاستخدام كالمواد الكيماوية والبضائع الحافظة"، وفق ما يقول سمير عبدالله.
أسامة نوفل، مدير التخطيط والسياسات بوزارة الاقتصاد الوطنيّ في غزّة، قال لـ "عربي بوست": "من الواضح أن إسرائيل لديها القدرة على التحكم في المعابر المؤدية للضفة الغربية، سواء ميناء أسدود البحري، أو المعبر البري مع الأردن، كما يمكن لإسرائيل وضع عراقيلها أمام دخول بعض البضائع المصرية الواردة لأسواق الضفة الغربية بزعم عدم توفر المعايير الدولية فيها، وقد لا توافق على دخولها لأي سبب".
ولكن هناك مَن يرى هدف الخطة محاصرة حماس
"السلطة الفلسطينية تبدو معنية بوقف دخول البضائع المصرية إلى غزة، من أجل تقليص حجم الضرائب والسيولة المالية لحكومة حماس في غزة"، حسبما يرى أسامة نوفل.
لكنه يقول: "مصر لن توافق على طلبها لأنها تخشى ردود فعل حماس من جهة، ولأنها مستفيدة مالياً من جهة أخرى، لكن لو تمت الاستجابة المصرية فستكون النتائج قاسية وصعبة على غزة".
تجارة في اتجاهين.. ولكن غزة يجب أن تكون المعبر الطبيعي
يسعى الفلسطينيون لأن تكون تجارتهم مع مصر في الاتجاهين: استيراد وتصدير، وليس باتجاه واحد فقط، بحيث يستوردون بضائع مصرية، ويصدرون سلعاً فلسطينية، كالخضار والفواكه، ويرون في علاقاتهم التجارية مع مصر أنها ذات بُعد استراتيجي، فهما جيران، ويودون أن يتم التنسيق بينهما بدون عقبات.
نائل دويكات، أستاذ الاقتصاد بجامعة النجاح الوطنية، قال لموقع "عربي بوست" إن "التجارة الفلسطينية مع مصر يجب أن تكون من خلال قطاع غزة، لأن النقل اللوجستي أقرب وأسرع".
أما التبادل التجاري مع الضفة الغربية فسيكون بعيداً ومكلفاً، وبالتالي فإنه سيتسبب برفع أسعارها، ويحد من قدرتها التنافسية، غزة يجب أن تكون بوابة فلسطين إلى مصر، كما الضفة الغربية بوابة فلسطين إلى الأردن.
وأضاف أننا "مع أي انفكاك اقتصادي فلسطيني عن إسرائيل، شرط أن يكون مدروساً ونابعاً من خطط واضحة، والتوجه إلى دول أخرى، مثل العراق والأردن، وتكون كلها نحو دعم الاقتصاد الفلسطينية، عبر الحصول على سلع جيدة وأسعار معقولة، ولكن من الأهمية أن تكون غزة حاضرة، وعدم إسقاطها من حسابات السلطة الفلسطينية".
ماذا سيكون موقف إسرائيل؟
يأمل الفلسطينيون ألا تعترض إسرائيل على التبادل التجاري المصري الفلسطيني اعتراضاً كبيراً وجدياً؛ لأن أساس العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية الفلسطينية تقوم على أساس تقديم الخدمات الكبيرة مثل الطاقة الكهربائية وإيصال المياه والاتصالات، وهي تساوي مبالغ مالية كبيرة، ولن تتأثر كثيراً من أي علاقات فلسطينية مع الدول الأخرى، طالما بقيت قائمة على سلع وبضائع محدودة الثمن، ولا تقترب من الخدمات المكلفة.
ويعقد الفلسطينيون آمالاً كبيرة على نجاح التوجهات الجارية بزيادة تبادل تجارتهم مع المصريين، رغم أن الموضوع ليس اقتصادياً فقط، بل له أبعاد سياسية.
ولكن المشكلة أن إسرائيل هي صاحبة القرار الفصل.
فالبضائع المصرية المتجهة إلى الضفة الغربية يجب أن تمر من داخل الحدود الإسرائيلية من جهة، الأمر الذي يجعل احتمال عرقلتها للمبادرة قائماً حتى ولو بطريقة غير صريحة.
فإسرائيل لديها رغبة محمومة بالإبقاء على الاقتصاد الفلسطيني تابعاً لها، وعدم الانفكاك عنها.