تستعد تركيا لشنِّ هجومٍ عسكري وشيك ضد تحالف الميليشيات الذي يقوده الأكراد وتدعمه الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا، وذلك في الوقت الذي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تصريحاتٍ مُفاجئة، الإثنين، أنَّ القوات الأمريكية ستنسحب من الحدود التركية السورية، مما يسمح لتركيا بتنفيذ عمليةٍ ضد ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية".
وبحسب موقع Deutsche Welle الألماني، يُشير هذا الضوء الأخضر الواضح الذي قدَّمه ترامب إلى أنقرة -على الرغم من معارضة البنتاغون ووزارة الخارجية وجزء كبير من الكونغرس- إلى تخلٍّ أمريكي واضح عن قوات سوريا الديمقراطية، التي تقول إنَّها فقدت أكثر من 11 ألف مقاتلٍ من صفوفها في أثناء معركتها ضد (داعش) في سوريا، خلال السنوات الماضية.
لماذا تريد تركيا شنّ هذا الهجوم؟
تعتبر تركيا أنَّ "وحدات حماية الشعب الكردية"، المكون الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية جماعةٌ إرهابية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض حرباً ضد الدولة التركية منذ ما يقرب من أربعة عقود.
وقد هدَّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مراراً وتكراراً بشنِّ هجومٍ عسكري في شمال شرقي سوريا، حيث أقامت الميليشيات الكردية وبعض حلفائها منطقةً مستقرة نسبياً، تتمتع بالحُكم الذاتي المؤقت في الحرب السورية.
غير أنَّ تجربة أكراد سوريا في "الحكم الذاتي الديمقراطي"، المبنية على المبادئ الاشتراكية التحرُّرية لزعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبدالله أوجلان، لا تُشكِّل تهديداً عسكرياً لتركيا فحسب، بل تُمثِّل تحدياً أيديولوجياً لها كذلك.
ما الذي تخطط له تركيا؟
ما زال حجم العملية التركية المحتملة ونطاقها غير واضحين؛ إذ تريد تركيا إنشاء ممرٍ عمقه 32 كيلومتراً وطوله 480 كيلومتراً داخل سوريا، على طول الحدود، لحماية أمنها، وإعادة توطين حوالي مليون فردٍ من اللاجئين السوريين البالغ عددهم 3.6 مليون لاجئ، الذين يعيشون في أراضيها داخل "المنطقة الآمنة". وفي الواقع قد تُقام منطقةٌ عازلة تمتد عدة كيلومترات فقط داخل سوريا، وتتشكَّل حول عدة مناطق صغيرة، فيما تجري العملية على مراحل.
وتخطِّط تركيا للاستعانة بمجموعةٍ متنوعة من حلفائها من قوات المعارضة السورية، لتولِّي معظم مهمات القتال البري.
وربما يتقلَّص حجم العملية بعدما أكَّد الجيش الأمريكي أنَّه سيُغلق المجال الجوي السوري أمام الطائرات الحربية التركية، وحذَّر بعض المسؤولين الأمريكيين تركيا من إجراء أيِّ "عملية كبيرة" دون توضيح منهم لمعايير ذلك.
ماذا يقول الأكراد؟
من جانبها، تحذر الميليشيات الكردية من تعرُّض المناطق الواقعة على طول الحدود لما تسميها "عمليات تطهيرٍ عرقي وإعادة هندسة ديمغرافية"، لكن أنقرة كانت قد أعلنت مراراً أنها لا تستهدف في هذه العملية إلا "تحييد الميليشيات الكردية الإرهابية، التي تشكل خطراً على أمنها القومي".
جديرٌ بالذكر أنَّ هناك حوالي 1.8 مليون كردي في سوريا. ويُعتقد أنَّ المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" تضم حوالي 1.5 مليون عربي وعشرات الآلاف من المسيحيين. وقالت قوات سوريا الديمقراطية، التي لديها ما يُقدَّر بـ60 ألف مقاتل، في بيانٍ لها، إنَّها "عازمةٌ على الدفاع عن نفسها وأرضها بأي ثمن".
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الطبيعة الجغرافية لشمال شرقي سوريا تتمثَّل في سهولٍ مكشوفة، مما يُصعِّب على ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" ذات التسليح الخفيف مقاومة الجيش التركي، الذي يعد ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتحذِّر الميليشيا الكردية من أنَّ "دخول معركة مع تركيا سيُجبرها على إعادة نشر مقاتليها، ويشتت انتباهها عن تأمين الأراضي التي كسبتها من تنظيم داعش". وحذَّرت كذلك من أنَّ "هناك حوالي 11 ألف مقاتل من تنظيم داعش محتجزون في سجونها قد يفرِّون في حال حدوث أي فوضى"، حسب تعبيرها.
ما الذي أدَّى إلى المنطقة العازلة المقترحة؟
كان دعم الولايات المتحدة لميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" مصدراً رئيسياً للتوتر مع تركيا، حليفتها في الناتو. وفي ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي 2018، أعلن ترامب أنَّه سيسحب الجنود الأمريكيين البالغ عددهم 2000 جندي من سوريا، لأنَّ تنظيم داعش قد "هُزِم"، لكنَّه تراجع عن هذا القرار تحت ضغط من البنتاغون والكونغرس وبعض الحلفاء الأوروبيين.
وحتى تركيا فوجئت بتخطيط الولايات المتحدة غير المتوقع للانسحاب، إذ كان هذا الإعلان قد مهَّد الطريق أمام أشهر من المحادثات بين المسؤولين الأتراك والأمريكيين، أسفرت في أغسطس/آب الماضي عن اتفاقٍ على آلية أمنية مشتركة لإقامة "منطقةٍ آمنة" في شمال شرقي سوريا.
وبالرغم من التوصُّل إلى هذا الاتفاق، ظلَّت الولايات المتحدة وتركيا على خلافٍ بشأن نطاق هذه "المنطقة الآمنة" وطبيعتها على المدى الطويل.
وأسفر الاتفاق عن إجراء دورياتٍ أمريكية تركية مشتركة داخل منطقة عازلة محدودة، لطمأنة مخاوف تركيا من الأكراد السوريين، ودفع "قوات سوريا الديمقراطية" إلى تفكيك دفاعاتها التي أقامتها على طول الحدود وسحب الأسلحة الثقيلة.
وكان الهدف من الاتفاق، الذي وافقت عليه "قوات سوريا الديمقراطية"، هو كسب مزيدٍ من الوقت وإرضاء تركيا. في حين، شعرت قوات سوريا الديمقراطية "بالخذلان والخيانة"، حين أعلن ترامب سحب القوات الأمريكية من الحدود.
إذ قال مصطفى بالي، المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية على تويتر يوم الإثنين: "لا نتوقع من الولايات المتحدة أن تحمي شمال شرقي سوريا، لكنَّ الناس هنا يجب أن يُقدَّم لهم تفسير بشأن اتفاق الآلية الأمنية، وتدمير التحصينات، وعدم وفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها، القوات الأمريكية لم تفِ بمسؤولياتها وبدأت في الانسحاب من الحدود، تاركةً المنطقة لتتحول إلى منطقة حرب، لكنَّ قوات سوريا الديمقراطية عازمةٌ على الدفاع عن شمال شرقي سوريا بأي ثمن".
ما الذي فعلته تركيا في الماضي؟
يُذكَر أنَّ تركيا أجرت عمليتين عسكريتين سابقتين داخل سوريا لإحباط الطموحات الميليشياوية الكردية. ففي عام 2016، أطلق الجيش التركي وحلفاؤه من قوات المعارضة السورية عملية "درع الفرات". وأسفرت هذه العملية العابرة للحدود عن طرد مقاتلي داعش من منطقةٍ تمتد من مدينة جرابلس المُطلة على نهر الفرات إلى مدينة أعزاز، الواقعة في الغرب، بالقرب من مقاطعة عفرين التي يسيطر عليها الأكراد.
وكانت هذه العملية العسكرية تهدف إلى منع أكراد سوريا من ربط الأراضي الخاضعة لسيطرتهم في الشمال الشرقي بعفرين. وعلى عكس منطقة شمال شرقي سوريا، فمنطقة درع الفرات التي تسيطر عليها تركيا تعد منطقةً عربية في الغالب. وقد أعادت تركيا توطين بعض اللاجئين السوريين في هذه المنطقة.
وفي العام الماضي 2018، بدأت تركيا عمليةً في "غصن الزيتون" في عفرين أدت إلى نزوح ما يقرب من نصف سكان المقاطعة، الذين يبلغ عددهم حوالي 300 ألف شخص. فيما تواصل "وحدات حماية الشعب" تمرُّداً ضد الجيش التركي وحلفائه من قوات المعارضة السورية.