بدأ العد التنازلي للاقتراع الرئاسي المقرر في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل بالجزائر، وسط ما يشبه معركة تكسير عظام بين داعمي هذا الخيار كمَخرج للأزمة ومن يرونه حلاً متسرعاً قد يعمقها، في ظل عدم توافر ظروف ملائمة لإجرائه.
وبحلول شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، دخلت الجزائر الشهر السادس من المرحلة الانتقالية التي تعيشها منذ استقالة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة في 2 أبريل/نيسان الماضي، تحت ضغط انتفاضة شعبية لقيت دعماً من قيادة الجيش.
تياران متناحران
وظلت البلاد خلال هذه الفترة يتجاذبها تياران: الأول تمثله المؤسسة العسكرية وجانب من الحراك الشعبي والأحزاب والشخصيات الإسلامية والمحافِظة ويعد الأكبر في البلاد، والذي يَعتبر تنظيم انتخابات في أقرب الآجال المَخرج الأنسب للأزمة.
لكنَّ خلافاً وقع بين مكونات هذا التيار حول طبيعة الضمانات اللازمة قبل الذهاب للانتخابات، ففي الوقت الذي تعتبر فيه قيادة الجيش تعديل قانون الانتخاب واستحداث لجنة عليا للانتخابات خطوتين كافيتين، يرى البعض أن البلاد تحتاج إجراءات تهدئة أخرى.
مقابل ذلك، هناك تيار ثانٍ تقوده أحزاب ومنظمات أغلبها علمانية ويسارية، تنضوي تحت لواء تحالف يسمى "قوى البديل الديمقراطي"، تنتقد خيار تنظيم الانتخابات، بدعوى أنها طريقة لإعادة إنتاج النظام السابق نفسه.
ويطالب هذا التحالف بمرحلة انتقالية تبدأ بإلغاء العمل بالدستور، وانتخاب مجلس تأسيسي توكل إليه مهمة وضع دستور جديد قبل الذهاب نحو انتخابات رئاسية وبرلمانية.
انطلاق السباق
ووسط هذا الجدل تواصل حراك الشارع الذي بدأ في 22 فبراير/شباط الماضي، حيث يدخل الجمعة القادم أسبوعه الـ 34 بمطالب تكاد تكون ثابتة، وهي ضرورة القطيعة مع العهد السابق وممارساته مع تأكيد حتمية رحيل رموز نظام بوتفليقة .
وفي 15 سبتمبر/أيلول، أعلن الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح تحديد 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، موعداً للاستحقاق الرئاسي، وذلك بعد فشل انتخاب خليفة لبوتفليقة في اقتراع 4 يوليو/تموز، الذي ألغي بسبب عزوف الشارع والسياسيين عنه.
ومنذ تحديد تاريخ الانتخابات دخلت البلاد في جدل يشبه "معركة تكسير عظام" بين داعمي هذا الخيار ومعارضيه، وهو وضع مرشح للاستمرار إلى غاية يوم الانتخابات.
وكرر قائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، في خطابات متتالية، خلال الأسابيع الأخيرة، أن خيار الانتخابات هو المَخرج الآمن من الأزمة الحالية، وشدد على أن غالبية الشعب يدعمه.
وغيرت الجزائر نظامها الانتخابي بالكامل، إذ نزعت جميع صلاحيات تنظيم الانتخابات من الإدارات العمومية (وزارات الداخلية والعدل والخارجية)، ومنحتها للسلطة المستقلة للانتخابات المستحدثة مؤخراً، وزكَّى أعضاء السلطة (الهيئة) وعددهم 50، وزير العدل الأسبق محمد شرفي (73 عاماً) رئيساً لها.
أكثر من 100 إعلان ترشح
وشرعت هذه الهيئة في استقبال الراغبين في الترشح والذين فاق عددهم 100 شخصية في ظرف أسبوعين، وأبرزهم رئيسا الوزراء السابقان علي بن فليس وعبد المجيد تبون؛ ورئيس حركة البناء الوطني (إسلامية) الوزير الأسبق عبدالقادر بن قرينة.
وأعلن أكبر حزب إسلامي في الجزائر (حركة مجتمع السِّلم) عدم الدفع بمرشحه في السباق، لعدم وجود ضمانات كافية لذلك، لكن رئيسه عبدالرزاق مقري أعلن أن سبر آراء لحزبه عبر مدن البلاد أظهر أن غالبية المواطنين مع هذه الانتخابات.
وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي في الجزائر مسرحاً لصراع بين مؤيدي ومعارضي الانتخابات، وسط انتشار كبير للإشاعات والأخبار المزيفة حول الترشيحات.
قيادة الجيش تحذر
وفي ظل هذه الأجواء شرعت سلطة الانتخابات في "تطهير" سجلات الناخبين، وأطلقت حملة تدعو فيها المواطنين إلى التسجيل لهذا الموعد.
ومقابل ذلك، أعلن رؤساء بلديات ينتمون إلى أحزاب رافضة للانتخاب، اعتراضهم على عملية التحضير للاقتراع الرئاسي، في حين قال الناطق باسم "السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات"، علي ذراع، لـ "الأناضول" في مقابلة سابقة، إن القانون الجديد يمنع رؤساء البلديات من التدخل في العملية.
من جهته، حذر قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح من يعترض التحضير للانتخابات بالقول: "إن من يقف أمام هذا المسار فقد ظلم نفسه"، لأن أصحاب هذا الطرح بحسبه أقلية تريد فرض رأيها على غالبية الشعب.
حل وسط
ووسط هذا الوضع تدعو أطراف إلى حل وسط لتجاوز الاحتقان، مثل رحيل حكومة نور الدين بدوي وإطلاق سراح نشطاء اعتُقلوا خلال الحراك كطريقة لتهيئة الأجواء للانتخابات.
ودعا تنظيم جديد يسمى "أنصار المشروع الوطني" يضم شخصيات أكاديمية وسياسية من عدة تيارات، "إلى تعزيز إجراءات بناء الثقة، وإلى إجراءات تطمينيّة ملموسة تستجيب لمطالب الشعب".
في المقابل، طالب التنظيم السلطة المستقلة للانتخابات بـ "تمكين الكفاءات النزيهة وغير المتحزّبة من عضوية المندوبيات الولائية والبلدية، وإبعاد كل عضو من شأنه أن يتسبب في عزوف الناخبين".