جاء قرر ترامب، الأحد 6 أكتوبر/تشرين الأول، بالانسحاب من شمال سوريا والسماح للقوات التركية بالدخول إلى المنطقة، ليلقي على الفور ظلال الشك حول مصير الأكراد هناك، الذين كانوا أقرب حلفاء الولايات المتحدة في قتالها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والذين عملوا على تحقيق درجة من الحكم الذاتي في تلك المنطقة في سوريا، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
والآن، طُرح فجأة مرة أخرى تساؤلٌ حول مَن يؤدي دور الرادع طويل الأمد للمصالح الإيرانية والروسية في المنطقة ويسهم في ضمان عدم نهوض داعش في سوريا.
ماذا بشأن حلفاء أمريكا الآن؟
تسبب احتمال دفع الجيش التركي إلى شمال سوريا في إثارة خوف عميق في المناطق الكردية هناك، فضلاً عن شعور ملتهب لدى الأكراد بأنهم تعرضوا للخيانة من الولايات المتحدة بعد سنوات من الشراكة في ميدان المعركة.
وجهت قوات سوريا الديمقراطية -وهو تحالف فضفاض من الميليشيات تحت قيادة مقاتلين أكراد سوريين تجمعت بهدف واضح من أجل محاربة داعش بعون وتدريب ودعم جوي أمريكي- اتهامات للولايات المتحدة أمس الإثنين 7 أكتوبر/تشرين الأول بعدم الوفاء بالتزاماتها مما مهَّد الطريق أمام تركيا لتغزو المنطقة.
وحذرت قوات سوريا الديمقراطية أيضاً من أن التوغل التركي من شأنه تقويض المكاسب التي تحققت ضد داعش.
وصرحت في بيان لها قائلة: "سيكون لتلك العملية العسكرية في شمال شرق سوريا تأثير سلبي كبير على حربنا ضد تنظيم داعش، وستقضي على كل ما حققناه فيما يتعلق بالاستقرار على مدار السنوات الماضية"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقالت: "لن نتردد لحظة واحدة في الدفاع عن أنفسنا"، ودعت أهالي المنطقة إلى "الدفاع عن وطننا ضد العدوان التركي".
لم يتضح حتى الثلاثاء 8 أكتوبر/تشرين الأول متى وأين ستعبر القوات التركية في سوريا، لكن الشعور بخيانة الولايات المتحدة كان واضحاً بين الأكراد السوريين.
الأكراد يشعرون بالخيانة الأمريكية!
كتب مصطفى بالي، المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية، في تغريدة على تويتر أمس الإثنين 7 أكتوبر/تشرين الأول: "أظهرت لنا القوات الأمريكية على الأرض أن تلك ليست الطريقة التي تُقدّر بها الصداقة والتحالف"، مضيفاً أن قرار ترامب كان "على وشك تدمير الثقة والتعاون بين قوات سوريا الديمقراطية والولايات المتحدة".
وبرغم ذلك، لا يزال لدى الأكراد عدد قليل من المؤيدين الآخرين للجوء إليهم.
في داخل سوريا، يحصل معظم ما تبقى من المعارضة المسلحة في البلاد على دعم من تركيا، ويناهضون قوات سوريا الديمقراطية، وعلاقتهم سيئة مع نظام بشار الأسد.
ويتوقع بعض المحللين أن الأكراد سيضطرون إلى التودد إلى حكومة الأسد للحصول على الحماية.
ما الدور الذي يؤديه الأكراد في سوريا؟
يُعد الأكراد هم الطرف المحرك لقوات سوريا الديمقراطية، التي تجمعت لمساعدة الولايات المتحدة في قتال جهاديي داعش.
تلقى مقاتلو هذا التحالف دعماً جوياً وتدريباً من الولايات المتحدة وقاتلوا معاً على الأرض مع قوات العمليات الخاصة الأمريكية ضد الجهاديين، ما أدى إلى فقد الآلاف من المقاتلين.
وقد كفل ذلك لقوات سوريا الديمقراطية ثناءً من مجموعة من كبار المسؤولين في الولايات المتحدة، وبعد ثماني سنوات من الحرب في سوريا، تظل قوات سوريا الديمقراطية هي الجماعة المسلحة المهمة الوحيدة التي لا تزال متحالفة مع واشنطن، في نفس الوقت تتهم أنقرة بالوقوف وراء حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا تنظيماً إرهابياً.
في حين أن الكثير من مقاتلي الجماعة ومعظم قاداتها من الأكراد، تضم قوات سوريا الديمقراطية أيضاً عرباً وأعضاء الأقليات الدينية والعرقية الأخرى في سوريا.
وقد منحت الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية دعماً عسكرياً سخياً. بيد أنها لم تدعم المشروع السياسي لها، ويُعزى جزء من هذا إلى منع مزيد من تنفير تركيا.
منذ القضاء رسمياً على خلافة داعش المزعومة في مطلع العام الجاري 2019، واصلت قوات سوريا الديمقراطية ملاحقة فلول داعش بالتعاون مع قوات الولايات المتحدة، مع السعي لتعزيز شبكة من المجالس المحلية التي تأسست لحكم المناطق التي تحررت من الجهاديين.
وصارت القوات الكردية كذلك هي الوصي بحكم الواقع على عشرات الآلاف من سكان المناطق التي كانت تقع تحت سيطرة تنظيم داعش قبل ذلك، واعتقلت المقاتلين في شمال سوريا، فيما لا تتلقى إلا مساعدات محدودة لفعل ذلك.
إذا اندلع نزاع جديد في المنطقة، فسوف يصير السؤال المتعلق بما سيحل بأسرى داعش وأفراد عائلاتهم سؤالاً ملحاً.
لماذا ترغب تركيا في الدخول؟
أثار التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية غضب تركيا، وهي أحد حلفاء الولايات المتحدة في حزب الناتو. وتتهم تركيا المقاتلين الأكراد بأنهم إرهابيون وعلى صلة وثيقة بحزب العمال الكردستاني، وهي منظمة حرب عصابات شنت تمرداً دموياً دام لعقود ضد الدولة التركية.
تنظر كل من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية إلى حزب العمال الكردستاني بوصفه جماعة إرهابية. لكنَّ المسؤولين الأمريكيين حاولوا علانية التقليل من أهمية العلاقات التي تجمع بين تلك المجموعة وقوات سوريا الديمقراطية. في حين اعترفت سراً بوجود هذه العلاقات.
وبسبب وجود أمثلة واضحة لهجمات يشنها مسلحون ضد تركيا وتنطلق من الأراضي التي تخضع لحكم قوات سوريا الديمقراطية، راقبت تركيا نمو الحكم الذاتي الكردي عبر حدودها الجنوبية بقلق متزايد خشية أن يشكل ذلك تهديداً على الأمن القومي.
طالما أثارت تركيا تلك المخاوف مع الولايات المتحدة. وفي الأسابيع الأخيرة، سعى المسؤولون الأمريكيون إلى تخفيف التوترات بين الجانبين عن طريق التوسط في الترتيبات الأمنية بالقرب من الحدود السورية-التركية.
بيد أن تلك الإجراءات فشلت في إرضاء المسؤولين الأتراك، مما دفع رئيس البلاد رجب طيب أردوغان إلى إبلاغ ترامب في مكالمة هاتفية أمس الأول الأحد 6 أكتوبر/تشرين الأول بأنه يعتزم إرسال قواته إلى سوريا لاجتثاث القوات الكردية من الأراضي.