أعلنت حركة النهضة فوزها بالانتخابات التشريعية التونسية، لتنطلق بذلك في مسار تشكيل الحكومة، وهو المسار الذي سيكون صعباً وعسيراً، خصوصاً أن الأرقام الأولية التي تحصلت عليها لا تمنحها أغلبية مريحة لمنحها الثقة في البرلمان.
وفي انتظار الإعلان الرسمي عن النتائج من قبل هيئة الانتخابات، أعلنت أكبر شركة لسبر الآراء "سيغما كونساي" فوز حركة النهضة بالانتخابات التشريعية، في مفاجأة جديدة كذبت كل التوقعات التي منحت الأفضلية خلال الأشهر الماضية لحزب "قلب تونس".
أغلبية غير مريحة
وأعلنت شركة "سيغما كونساي" التي يعتد بأرقامها والنتائج التي تقدمها في تونس، فوز حركة النهضة بنسبة 17.5% من الأصوات، يليها حزب قلب تونس في المركز الثاني بـ 15.6%، وحزب الدستوري الحر بالمركز الثالث بـ 6.8%، وقائمة ائتلاف الكرامة في المركز الرابع بـ 6.1%، والتيار الديمقراطي بـ 5.1%.
وستمنح هذه النتائج حركة النهضة 40 مقعداً، يليها حزب قلب تونس بـ 33 مقعداً، وائتلاف الكرامة بـ 18 مقعداً وحزب تحيا تونس بـ 16 مقعداً، وحركة الشعب بـ 15 مقعداً، ثم الحزب الدستوري والتيار الديمقراطي 14 مقعداً لكل منهما.
مأزق تشكيل الحكومة
فوز حركة النهضة بالانتخابات التشريعية، وإن كان سيمنحها الحق في اختيار رئيس الحكومة وفريقه الوزاري وفق ما ينص عليه الدستور التونسي، فإن تمريرها ومنحها الثقة (الحكومة) في مجلس نواب الشعب، سيكون عسيراً جداً.
يأتي هذا في ظل الأغلبية غير المريحة التي حصدتها الحركة، وأمام ضرورة حصولها على أغلبية 109 أصوات من أصل 217 نائباً في البرلمان.
وفي ظل هذه الوضعية الصعبة والمأزق الجديد، أصبحت حركة النهضة في سباق مع الوقت لحشد أكبر كم ممكن من التحالفات لتشكيل الحكومة، وتمريرها على مجلس نواب الشعب.
وينص الفصل 89 من الدستور التونسي: "يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي الحاصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، بتشكيل الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة".
وفي حال فشل الحكومة بنيل ثقة أغلبية أعضاء البرلمان يكلف الرئيس شخصية أخرى بتشكيل الحكومة، بالتوافق مع القوى السياسية في البلاد، وإذا مرت 4 أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه 45 يوماً وأقصاه تسعون يوماً ذ.
وتأزم موقف حركة النهضة أكثر بعد إعلان 4 أحزاب من بين الستة أحزاب الفائزة بالمراكز الأولى أنها لن تتحالف مع النهضة.
ففي حين اعتبر حزب قلب تونس (صاحب المركز الثاني)، والحزب الحر الدستوري (صاحب المركز الثالث) أن التحالف مع النهضة خط أحمر، أعلن التيار الديمقراطي الفائز بالمركز الخامس أنه سيكون في صفوف المعارضة ولن يتحالف مع الحزب الفائز، حاله كحال حركة الشعب صاحبة المركز السادس، والتي أعلنت بدورها أنها لن تدخل في أي تحالف حكومي مع النهضة.
انتخابات مبكرة
سياق النتائج الأولية وتفاعلات الأحزاب معها عزز سيناريو إمكانية اللجوء لانتخابات تشريعية مبكرة، حيث بات واضحاً أن جبهة المعارضة لحركة النهضة في البرلمان أكبر بكثير من حلفائها المتوقعين والذين قد لا يمنحونها نظرياً الأغلبية الكافية لتمرير الحكومة.
واشار المحلل السياسي بسام حمدي، في حديثه لـ "عربي بوست"، إلى أن نتائج انتخابات البرلمان كشفت تقلص الميزان السياسي لحركة النهضة نظراً لذوبان خزانها الانتخابي، مشدداً على أن النتائج الأولية "تظهر أن حركة النهضة لن تقدر بمفردها على تشكيل أغلبية برلمانية يتم على ضوئها تشكيل الحكومة".
وأضاف: "لم يعد للنهضة وزن برلماني كبير تستطيع من خلاله مجاراة مشاورات تشكيل الحكومة بأريحية. يمكن للنهضة أن تصبح ذات وزن سياسي ثقيل في صورة تحالفها مع إسلاميي ائتلاف الكرامة الذي يرأسه سيف الدين مخلوف، وتتقرب من حزب التيار الديمقراطي لتصبح قادرة على تسيير مشاورات تشكيل الحكومة".
المستقلون.. طوق نجاة النهضة؟
قوة جبهة المعارضة، وعامل الوقت سيجبران حركة النهضة للبحث سريعاً عن حلفاء جدد في البرلمان، لحشد أغلبية تمكنها من تمرير تشكيلتها الحكومية في البرلمان.
وفي حين أعلن ائتلاف الكرامة أنه لا مانع لديه في التحالف مع النهضة، يتوقع مراقبون انضمام أحزاب أخرى للائتلاف البرلماني "الحاكم" على غرار حزب تحيا تونس وحزب البديل التونسي.
فيما من المنتظر أن يكون النواب المستقلون والنواب الفائزون عن قوائم ائتلافية طوق نجاة لحركة النهضة
وإذا ما تمكنت النهضة من استمالة هؤلاء، فمن المتوقع أن يمنحوها ثقلاَ برلمانياً قد يصل بها في نهاية المطاف لأغلبية الـ 109 أصوات، خاصة في حال تمكنت الحركة من التوصل لصيغة لمنح الثقة للحكومة مع أحد الأحزاب الفائزة بعدد مهم من المقاعد دون الدخول في تحالف حكومي معلن معها، على غرار التيار الديمقراطي.
تحديات العلاقة مع قصر قرطاج
ومن التحديات الأخرى التي تنتظر حركة النهضة في الحكم خلال السنوات الخمس المقبلة، في حالة عدم اللجوء إلى انتخابات تشريعية مبكرة، علاقتها برئيس الجمهورية وقصر قرطاج في انتظار أن تبوح صناديق الاقتراع يوم الأحد 13 أكتوبر/تشرين الأول بهوية الرئيس بين أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد ورئيس حزب قلب تونس نبيل القروي.
وإن كانت النهضة ستجد سهولة في التعاطي مع قيس سعيد في حالة فوزه بالانتخابات، خاصة أنها أعلنت دعمه في الانتخابات الرئاسية في دورها الثاني، ستكون الحركة أمام قطيعة منتظرة مع نبيل القروي كرئيس للجمهورية في حال فوزه طبعاً بالانتخابات الرئاسية.
يأتي هذا في وقت يتهم فيه حزب قلب تونس حركة النهضة صراحة باستعمال القضاء كأداة لتصفية خصومها السياسيين، وإبقاء نبيل القروي في السجن، وأمام رفض الحزب التحالف مع النهضة.
وفي هذا السياق، أوضح المحلل السياسي عمر التيس لـ "عربي بوست" أنه في كلتا الحالتين ستحاول النهضة تفادي التصادم مع رئاسة الجمهورية على الأقل في المرحلة الأولى لتشكيلها لائتلاف حكومي لو نجحت في تشكيله.
وأضاف أن الحركة وإن أعلنت صراحة دعمها لسعيد، فهذا لا يخفي توجسها من طروحات الرجل، خصوصاً فيما يتعلق بلا مركزية الحكم.
وأوضح: "لكنها ستحاول ألا يكون طرفاً معطلاً لماكينة الحكم، خاصة أن أي ائتلاف حكومي محتمل سيكون مجابهاً بجبهة معارضة واسعة في البرلمان".
وتابع التيس: "فوز القروي قد يضع حركة النهضة في حرج أكبر، خاصة في ظل توالي التصريحات المعادية من الجانبين، ولكن حتمية التعامل في مؤسسات الدولة ستخفف الاحتقان".
وتنتظر حركة النهضة النتائج الرسمية للانتخابات التشريعية، حيث من المنتظر أن تؤكد أرقام هيئة الانتخابات فوزها، قبل أن تبدأ في البحث عن تحالفات تمكنها من تشكيل حكومة يجمع المراقبون على أن ولادتها ستكون عسيرة إن كُتب لها رؤية النور.