صحيح أنهما ينبغي أن يكونا في المدرسة، لكن مثل آلاف الأطفال الآخرين في محافظة إدلب بسوريا التي مزقتها الحرب، الأَخَوان جواد ويزَن مجبران على العمل يومياً لدعم عائلتهما.
ومع ذلك، فهذه ليست وظيفة عادية؛ إذ يعمل الصَّبِيّان البالغان من العمر 8 و15 عاماً، في حفر القبور في واحدة من أكثر البقاع المميتة في العالم.
"الله يرحمهم ويرحمنا"
يقول جواد، وهو الأصغر بين الاثنين، لصحيفة The Independent البريطانية: "أساعد والدي حين يأتي شخص بحاجة لدفن أحد؛ لذا نحفر القبر معه، ثم نملأه بالتراب وننظفه ونفعل كل ما يلزم. وكذلك نسقي الأشجار والزهور، ونفعل كل ما يطلبه منّا والدنا".
وأضاف جواد: "لا أخشى العمل هنا لأنَّهم ميتون، الله يرحمهم ويرحمنا نحن أيضاً".
ويعمل الطفلان مع والدهما غسان في المقبرة الواقعة على مشارف إدلب، وقُتِل ما يزيد على 500 شخص، من بينهم 130 طفلاً، خلال الشهرين الماضيين في هجوم شنَّه النظام السوري وروسيا على محافظة إدلب، آخر معاقل المعارضة.
وأفرغت الغارات الجوية مدناً وقرى بالمحافظة من سكانها، ودُمِّرت الكثير من المدارس، سواء نتيجة القتال الدائر أو لاستخدامها بمثابة ملاذات. أما المدارس المفتوحة والعاملة فتقول المنظمة غير الحكومية إنها لا تسع إلا لـ300 ألف طالب من بين 650 ألف طفل في عمر الدراسة.
"حياة كارثية"
وتأتي عائلة غسان ضمن أكثر من مليون عائلة نازحة من مناطق أخرى في إدلب. وكانت عائلة غسان تسكن بالأساس في حلب، ثم فرت من الحملة التي شنتها الحكومة لاستعادة السيطرة على المدينة، التي دُمِّر خلالها منزلها. والآن تعيش في سكن بالإيجار.
وبالرغم من صغر عمرهما، عاصر الطفلان الكثير بالفعل، إذ عاشت العائلة لفترة قصيرة تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وهي ذكرى لا تزال تؤرقهما.
إذ يقول يزَن: "إبّان الحرب، بدأنا نرى جثثاً معلقة في ميادين (عامة)، بعضها مقطوع الرأس. وهناك امرأة أخرى قُتِلَت رجماً، ورجل أُلقي من أعلى مبنى. هذا ما أصبحت عليه الحياة: كارثة".
وأضاف: "أصعب شيء هو رؤية الجثث على الأرض، ووجوه القتلى الأبرياء، رؤية رجل قُطِّع أشلاءً وحُمِل في أجولة، هذا هو أصعب ما شهدناه".
عمل ممل ولا يكاد يكفيهم
والعمل الذي يقومان به صعب وممل، ولا يجنيان سوى القليل من زائري القبور، الذي بالكاد يكفيهم.
"لا ألعب بأي شيء هنا. كل ما أفعله هو الجلوس مع والدي، وإذا جاء أحدهم أحضر له الماء وأساعده، لكن إذا لم يأتِ أي أحد، أو لم يعطونا نقوداً، نسألهم أن يدفعوا لنا بقشيشاً. فإن لم يعطونا (بقشيشاً)، كيف نعيش؟".
من جانبه، يود غسان أن يرسل ولديّه للمدرسة، لكنه لديه 6 أطفال يرعاهم، ولا يستطيع تحمل تكلفة الملابس ومستلزمات الدراسة التي يحتاجون إليها.
ويقول: "وضعنا لا يسمح (بالتحاقهما) بالمدرسة أو ما شابه. فإذا جاءا اليوم وطلبا نقوداً لشراء كراسة سأقول لهما ليس معي. من أين لي بالمال؟ أشقاؤهما الأصغر بحاجة للطعام والشراب".
"من المؤسف أن يضطرا للعمل في هذه الحرارة، فهما يأتيان معي منذ السادسة صباحاً وحتى السابعة أو الثامنة مساءً، مسكينان ما ذنبهما!".