دولة تنعم بشمس مشرقة طوال العام، وشواطئ خلابة، ومواقع تاريخية قديمة، ومتنزهات وملاهٍ متطورة، وفنادق فارهة، لديها المغامرة، والاسترخاء. لماذا لا تعتبر إذاً وجهة شهيرة للسائحين؟ لأنها المملكة العربية السعودية، وحتى الآن، إن لم تكن في البلاد من أجل الحج أو العمرة في مكة أو من أجل الأعمال، لا يفضّل السيّاح زيارة البلاد، هكذا تقول شبكة CNN الأمريكية.
نقط سوداء في سجل السعودية
السمعة الدولية لحقوق الإنسان في البلاد نقطة سوداء، بالإضافة إلى قوانينها المتشددة التي تقيد حريات المرأة والتوترات الإقليمية التي أسفرت مؤخراً عن شن هجمات معادية على مرافق النفط السعودية، كل ذلك لا يسوّق للمملكة جيداً بوصفها وجهة سياحية.
لكن السعودية ترغب في تغيير كل ذلك. تفتح المملكة أبوابها على مصراعيها أمام السياحة الدولية في محاولة لإعادة تسويق نفسها لكي تصبح وجهة سياحية منافسة لجيرانها: دبي، وعمان وأبوظبي. فمنذ 27 سبتمبر/أيلول، بإمكان المسافرين من 49 دولة مختلفة دخول السعودية من خلال إصدار تأشيرة إلكترونية أو عند الوصول.
ووراء هذه الخطة، هناك خُطة طويلة الأمد تستهدف تحويل اعتماد اقتصاد البلاد بعيداً عن أموال النفط كما هو الحال منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وإذا سارت المخططات السياحية كما تأمل السعودية، سوف يأتي الملايين، ما يخلق وظائف جديدة، وثروات جديدة، وربما طريقة جديدة تماماً للحياة.
مخاوف أمنية
تطلق السعودية على تلك الخطة "رؤية 2030". خلال ما يزيد على العقد تقريباً، من المتوقع أن يصل عدد الزوار إلى 100 مليون سائح سنوياً، أي ضعف العدد الذي يزور إيطاليا حالياً كل عام، وتعزيز الاقتصاد المحلي بما يصل إلى مليارات الدولارات.
وقال عماد درماح، العضو المنتدب لمؤسسة الخدمات العقارية Colliers International في السعودية: "سوف يغيّر ذلك طبيعة مجال السياحة في السعودية تماماً، إذ كانت تعتمد في السابق فقط على السياحة الدولية الدينية أو التجارية".
هل سيأتي السياح إلى البلاد؟ هناك الكثير من العوامل التي تقف بين المملكة وحلمها بأن تصبح وجهة سياحية شهيرة، ليس أقلها سمعتها السيئة في حقوق الإنسان، خاصة بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018 في السفارة السعودية في إسطنبول.
وذكرت مجموعات حقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية، في 2018، أن "السلطات فرضت قيوداً شديدة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمعات".
وأثارت الهجمات الأخيرة بالطائرات بدون طيار وصواريخ كروز على منشآت النفط السعودية مخاوف جديدة بشأن الوضع الأمني في البلاد، وهو ما تؤكده تحذيرات السفر الحكومية، مثل تحذيرات وزارة الخارجية الأمريكية، التي تنبه الزوار إلى الإرهاب والهجوم المحتمل على أهداف مدنية.
ولم تجب السلطات السعودية على الأسئلة المباشرة المتعلقة بتلك القضايا، وفضلت التركيز على التغيير والمضيّ قدماً للأمام. وقال المتحدث باسم الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني السعودية لشبكة CNN: "السعودية تبدأ رحلتها بوصفها وجهة سياحية".
مدن ومنتجعات عملاقة
وللمساعدة في تمهيد الطريق لهذا التحوّل، قاد زعيم البلاد، ولي العهد محمد بن سلمان، سلسلة من الإصلاحات الثقافية، تقيّد سلطات الشرطة الدينية، وتسمح بإقامة حفلات موسيقية مختلطة وإصدار رخص قيادة سيارات للسيدات.
كما تنفق البلاد مبالغ ضخمة على المشروعات "العملاقة"، مثل مشروع البحر الأحمر، الذي يهدف إلى تحويل مساحة ضخمة من الساحل الغربي السعودية إلى منتجع صحراوي وساحلي وجبلي فارهٍ، به مطار خاص.
يقول جون باغانو، المدير التنفيذي لشركة تطوير البحر الأحمر التي تشرف على المشروع: "تستثمر المملكة بشكل هائل على البنية التحتية السياحية".
ويوضح باغانو أنه من المتنوع أن يخلق مشروع البحر الأحمر، المُقام على مساحة 28,000 كيلومتر مربع، 35,000 فرصة عمل مباشرة و35,000 فرصة عمل غير مباشرة، وأن تبلغ قيمة إسهامه في اقتصاد المملكة حوالي 5.8 مليار دولار سنوياً.
وهناك مشروعان عملاقان آخران يجري العمل عليهما من أجل جذب الزوّار بغرض الترفيه. سوف تمتد مدينة "نيوم" العملاقة، بتكلفة 500 مليار دولار، بين ثلاث دول، وتهدف إلى أن تكون جنة تقنية آلية ينتقل فيها الأشخاص بواسطة سيارات ذاتية القيادة وطائرات ركّاب بدون طيار.
ومن المقرر أن تكون مدينة القدية، تحت الإنشاء بالقرب من الرياض، أكبر مدينة ترفيهية في العالم. وهي مصممة بالفعل على طراز مدن Six Flags الترفيهية، ومن المقرر أن يكون بها أسرع لعبة أفعوانية (قطار الموت) على سطح الأرض.
وبإمكان السعودية أيضاً الاستفادة من معالمها التاريخية والجيولوجية الكبيرة. تمتلك السعودية خمسة مواقع ضمن التراث العالمي لليونسكو؛ ترجع إلى أكثر من 1000 عام في حائل؛ وفي الإحساء، أكبر واحة في العالم، والحجر (مدائن صالح)، موقع أثري، حي الطريف في الدرعية، ومدينة جدة التاريخية (القديمة).
كما أن لديها الخبرة في تصميم وإنشاء وسائل النقل الحديثة، مع الترقيات الأخيرة التي أدخلتها على الشبكة المصممة لخدمة رحلات الحج إلى مكة، والتي تجذب ما يفوق مليوني شخص سنوياً.
فئة راقية من السيّاح
لا مفر من عقد المقارنات بين السعودية وجارتها الإمارات، التي يُنظر إلى مدنها الآن بوصفها وجهات سياحية تناسب مختلف الميزانيات والاهتمامات، ولكن يقول الخبراء إنه بالرغم من وجود بعض التداخل، لن تستهدف السعودية بالضرورة نفس الأسواق.
يقول كيفين نيوتن، المدير التنفيذي لشركة Newton Analytical، التي تقدم تحليلات عن العالم الإسلامي: "لن تتفوق السعودية أبداً على دبي، ولا أعتقد أنها تريد ذلك. إنها تريد التركيز أكثر على الأنشطة العائلية. يساعد ذلك السعودية في الحفاظ على سمعتها المحافظة أمام العالم الإسلامي، ولكنه يُظهر أيضاً أن المملكة لديها ما هو أكثر من النفط والحج". ويقول نيوتن إن المسؤولين السعوديين يعرفون أن السوق الأوليّ لهم سيكون الدول الإسلامية الأخرى.
ويقول: "وهذا لا يعني تجاهل الغرب، أو أي شخص آخر. بفضل الحج، يتمتع العديد من السعوديين العاملين في مجال الضيافة بالمهارات اللازمة التي يمكن تطبيقها سريعاً في السياحة العامة، أهمها إتقان اللغة الإنجليزية".
ويضيف نيوتن: "عند النظر إلى المواد الترويجية لمدينة "نيوم"، تجد أنها تعرض نساء يرتدين ملابس رياضية وأزياء فارهة، ويتضح بذلك أن السعودية تسعى لجذب فئة السيّاح الراقية التي تقصد دبي بشكل متكرر".
تحديات وصعوبات كبرى في طريق السعودية
ولكن هل ستؤثر كل الخلافات السعودية الأخيرة على هدفها في أن تصبح مركزاً سياحياً؟ يقول نيوتن: "نعم، ولا". ويضيف: "من جانب، هذه السمعة المثيرة للجدل ليست جيدة للسياحة. ومن جانب آخر، تعي السعودية جيداً أن العالم يتمتع بذاكرة قصيرة الأمد".
ويقول: "حتى الآن، قرار السعودية بإدراج شركة النفط السعودية الحكومية أرامكو في قوائم الطرح العام يحظى بتغطية كبيرة تغطي على أي قصص باقية عن اغتيال خاشقجي"، بحسب وصفه. ولكن يؤكد نيوتن وجود تحديات وصعوبات كبرى في طريق السعودية.
من ضمن تلك العقبات الحظر الذي تفرضه السعودية على المشروبات الكحولية، الأمر الذي سمحت به الدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي. ويضيف نيوتن: "وأيضاً، بالرغم من تحقيق تقدم كبير خلال العامين الماضيين، لا تزال حقوق المرأة غير متكافئة مع المعايير العالمية".
ويرى نيوتن أن المحرك الرئيسي للسياحة في البداية سيكون النوع المغامر. ويقول: "لحسن الحظ سيكون لديهم قدرة أكبر على الإنفاق، ويظل أمام السعودية الكثير لتقدمه لهم بخلاف ختم آخر في جواز السفر".
"بلاد غامضة وغير مستكشفة"
لورا ألهو، مغتربة فنلندية وكاتبة محتوى عن السفر تعيش في السعودية، واحدة من هؤلاء المغامرين. انتقلت ألهو إلى السعودية في عام 2008، على الرغم من نصائح الجميع لها، حسب قولها، ألا تذهب إلى هناك.
وتقول ألهو: "لم تكن الصورة المتخيلة عن السعودية إيجابية في ذلك الوقت، لكنني قررت أن أذهب وأكتشف بنفسي كيف تبدو الحياة هناك، بدلاً من الاستماع إلى آراء الأشخاص الذي لم يذهبوا إلى هناك قط".
وأشارت إلى أن السعودية واحدة من أواخر المناطق غير المستكشفة على سطح الأرض. إذ تنعم بالتاريخ، والثقافة الفريدة، والمناظر الطبيعية المتنوعة.
وأضافت: "حقيقة أنها غامضة وغير مستكشفة كانت جذابة بالنسبة لي. من اليوم الأول لوصولي إلى السعودية بدأت الاستكشاف، ولم أتوقف حتى اليوم".
تشارك ألهو رحلاتها في السعودية على منصات التواصل الاجتماعي إلى ما يقرب من 63,000 متابع، وتقول إن فضولها تجاه السعودية يزداد بمرور الوقت. وتؤكد: "أتواصل بالفعل يومياً مع أشخاص مهتمون بالسفر إلى السعودية".
وسافر مارك نوس، مصوّر السفر المقيم في باريس وأحد المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، إلى السعودية مرتين في رحلات صحفية ممولة.
ويقول نوس، الذي شارك رحلاته مع أكثر من 100,000 متابع: "كانت لديّ أفكار نمطيّة مسبقة عن البلاد، لذا تفاجأت تماماً بما رأيت". وزار نوس صحراء العلا التاريخية وجبال السودة.
ويوضح: "كان أجمل شيء هو كرم أهل البلاد. لقد سافرت كثيراً ولكن هذه البلد من أفضل اثنتين لديّ من حيث كرم وطيبة سكانها". ويضيف نوس: "تستعد السعودية لفتح أبوابها أمام السياحة. هذا واضح تماماً. وبأمانة أعتقد أنهم سيكونون رائعون في ذلك، نظراً لما يتمتع به هذا البلد من ثروة ثقافية وتاريخية".