يُعَد ردع الخصوم عن تهديد إيران هو الهدف الرئيسي الذي دفع طهران لتجميع أكبر قوة صواريخ باليستية في الشرق الأوسط. فقد بدأ برنامج الصواريخ في الحقيقة إبَّان حكم الشاه، لكنَّه تسارع أثناء الحرب العراقية الإيرانية بغرض تهديد صدام حسين بضرباتٍ في عمق الأراضي العراقية.
ومنذ ذلك الحين، عملت إيران مع بلدان مثل ليبيا وكوريا الشمالية والصين لتطوير ترسانة كبيرة ومتنوعة من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، التي تُشكِّل أحد أضلاع مثلث استراتيجية الردع الإيرانية. ومع استخدام إيران الصواريخ الآن في الصراع، فمن الجدير إلقاء نظرة أقرب على الأسلحة الموجودة بالترسانة الإيرانية.
سلسلة صواريخ شهاب الإيرانية
تقول مجلة The National Interest الأمريكية المختصة بالشؤون العسكرية والدفاعية، إن سلسلة شهاب تمثِّل العمود الفقري لمنظومة الصواريخ الإيرانية، وتعمل بالوقود السائل. وهناك ثلاثة أنواع من الصاروخ: شهاب 1، وشهاب 2، وشهاب 3. كان شهاب 1 هو أول صاروخ تحصل عليه إيران، وهو قائم على نموذج صاروخ سكود-بي السوفيتي.
وأفادت تقارير بأنَّ إيران اشترت تلك الصواريخ في بادئ الأمر من ليبيا وربما سوريا، لكن كوريا الشمالية كانت هي المُورِّد الرئيسي لها. وتشير تقارير إلى أنَّ مدى صاروخ شهاب 1 يبلغ 285 إلى 330 كيلومتراً، ويمكنه حمل رأس حربي يزن قرابة ألف كيلوغرام. ويُعتَقَد أنَّ إيران لديها 300 صاروخ من طراز شهاب 1.
حصلت إيران لاحقاً على صواريخ شهاب 2، على الأرجح من كوريا الشمالية. ويقوم هذا الصاروخ على أساس نموذج صاروخ سكود سي، وله مدى يصل إلى 500 كيلومتر وقدرة على حمل شحنة متفجرة تصل إلى 770 كيلوغراماً. بدأت إيران اختبار صاروخ شهاب 2 لأول مرة عام 1998، ودخل الخدمة منذ عام 2004 على الأقل.
وكما هو الحال مع شهاب 1، فإنَّ صاروخ شهاب 2 محمول على منصة متحركة، لكنَّ دائرة الأبحاث في الكونغرس أشارت إلى: "تُظهِر التجارب في أوقات الحروب، كما في العراق، أنَّ تلك الصواريخ تميل إلى العمل في نطاق دائرة نصف قطرها 100 كيلومتر تقريباً أو أقل من قواعدها، بسبب الحاجة لضمان الأمن العملياتي، وحتى تستطيع الإبقاء على الدعم اللوجيستي الرئيسي". ولم تشترِ طهران إلا ما بين 100 إلى 170 صاروخاً من طراز شهاب 2 من كوريا الشمالية، لكن بات يمكنها الآن إنتاجها محلياً (ولو أنَّها تعتمد على مكونات مستوردة).
الأهم من ذلك هو صاروخ شهاب 3، وهو أيضاً صاروخ محمول على منصة متحركة ويعمل بالوقود السائل. يُعَد صاروخ شهاب 3 أول صاروخ باليستي متوسط المدى تحصل عليه إيران، ويُرجَّح أن يبلغ مداه ما بين 1000 إلى 1300 كيلومتر، حسب حجم حمولته من الشحنة المتفجرة.
ويُقال إنَّ الشحنة المتفجرة ذاتها تزن ما بين 760 إلى 1200 كيلوغرام. ويُعتَقَد على نطاق واسع أنَّ صاروخ شهاب 3 يقوم على أساس نموذج صاروخ No Dong-1 الكوري الشمالي، والذي يُرجَّح أن يكون هو بدوره معتمداً بصورة كبيرة على التكنولوجيا السوفيتية. وبعكس الطرازين الآخرىن من صاروخ شهاب، يُعَد شهاب 3 صاروخاً ذا مرحلتين مع محرك ومنصة إعادة دخول (إلى الغلاف الجوي) منفصلين. أُطلِقَت أول نسخة إيرانية من الصاروخ للاختبار عام 1998. ولم يكن هذا الاختبار ناجحاً، وفشلت كذلك عدة تجارب لاحقة. وبالتالي، لم يدخل شهاب 3 الخدمة حتى عام 2003.
وليس معروفاً عدد صواريخ شهاب 3 التي تملكها إيران، وذلك جزئياً بسبب ما يبدو أنَّه اعتماد إيران في الغالب على عدد من التنويعات المختلفة للصاروخ، والتي تحمل أسماء مختلفة مثل "عماد" و "قدر". وهذه الإصدارات اللاحقة من الصاروخ تتضمَّن تكنولوجيا باكستانية، ولديها مركبة إعادة دخول مُعَاد تصميمها، وأنظمة ملاحة وتوجيه مُحسَّنة. ومن الممكن، لكن المستبعد، أنَّ بعض تلك الإصدارات تستخدم الوقود الصلب. ولديها بالفعل مدى مُحسَّن يبلغ ما بين 1500 إلى 1800 كيلومتر، وربما تبلغ ارتفاعات تصل إلى 2500 كيلومتر.
سلسلة صواريخ فاتح الإيرانية
تُعَد سلسلة صواريخ فاتح هي النظائر العاملة بالوقود الصلب لصواريخ شهاب. وكما هو الحال مع صاروخي شهاب 1 وشهاب 2، فإنَّ صاروخي فاتح 110 وفاتح 331 هي صواريخ قصيرة المدى ومحمولة على منصة متحركة. وفاتح 110 هو صاروخ أحادي المرحلة يصل مداه إلى 210 كيلومترات.
ويُرجَّح أنَّه أدق من بعض الإصدارات السابقة من صاروخ شهاب، وتشير بعض التقديرات أنَّ نطاق الخطأ الدائري المحتمل للصاروخ هو 100 متر فقط. بدأت إيران تطوير فاتح 110 في عام 1995، وجرى أول اختبار في مايو/أيار 2001. ودخل الصاروخ الخدمة عام 2004، يزيد صاروخ فاتح 313 مدى صاروخ فاتح 110 ويصل إلى ما يقارب 500 كيلومتر، ولديه تحسينات أخرى كذلك مثل تمتُّعه بدقة أعلى. ويُعتَقَد أنَّه دخل الخدمة عام 2015. واتهمت وزارة الخزانة الأمريكية الشركات الصينية بالمساعدة في تطوير سلسلة صواريخ فاتح الإيرانية.
والعام الماضي، كشفت إيران عن فرد جديد ضمن عائلة فاتح، يُدعى "ذو الفقار". حين كشفت إيران عن الصاروخ لأول مرة، ادَّعى وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان أنَّ مداه يصل إلى 700 كيلومتر. ووفقاً لشركة HIS Jane's البريطانية المهتمة بالشؤون العسكرية "يبدو أنَّ ذو الفقار له نفس شكل وحجم صواريخ فاتح 110، لكن أُعِيد تصميم نظام التوجيه، على ما يبدو ليصبح أقرب إلى الرأس المخروطي.
وربما أدَّى هذا إلى إفساح مساحة أكبر لإضافة محرك أكبر يعمل بالوقود الصلب، لكنَّه جاء على حساب حجم الشحنة المتفجرة، الذي تقلَّص بشكل واضح". وأفادت وكالة فارس للأنباء، المقربة من الحرس الثوري الإيراني، بأنَّ صاروخ ذو الفقار "قادر على حمل مركبة إعادة دخول ذات رؤوس متعددة للشحنات المتفجرة"، ولو أنَّ هذا يبدو مستبعداً. وتدَّعي إيران أنَّها استخدمت صواريخ ذو الفقار لمهاجمة أهداف في سوريا عام 2017، لكنَّ الاستخبارات الإسرائيلية تعتقد أنَّها في الحقيقة استخدمت صواريخ شهاب 3.
صواريخ سجيل الإيرانية
يُعَد صاروخ سجيل الباليستي متوسط المدى هو النظير العامل بالوقود الصلب لصاروخ شهاب 3، العامل بالوقود السائل، والذي تناولناه سابقاً. ووفقاً لمشروع الصواريخ الدفاعية التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإنَّ صاروخ سجيل له حجم ووزن ومدى مماثل لشهاب 3.
وعلى وجه التحديد، يصل مدى الصاروخ ذي المرحلتين إلى ألفي كيلومتر، ويمكنه حمل رأس حربي يزن ما بين 500 إلى 1500 كيلوغرام. وتفيد تقارير بأنَّ عملية تطوير الصاروخ بدأت في أواخر التسعينيات، لكنَّ أول اختبار لم يجرِ حتى عام 2008. وأثناء عملية اختبار عام 2009، حلَّق الصاروخ نحو 1900 كيلومتر.
ومع أنَّ صاروخ سجيل يستخدم تصميماً إيرانياً، يُرجَّح أنَّه استفاد بمساعدة صينية، ويقارنه بعض المُعلِّقين بصاروخي DF-11 وDF-15 الصينيين. ادَّعت إيران أنَّها طورت إصدارات متنوعة من الصاروخ، بما في ذلك صاروخ سجيل 3، الذي يعتقد بعض المحللين أنَّ أقصى مدى له سيصل إلى 4 آلاف كيلومتر.
صواريخ "خليج فارس" الإيرانية
أخيراً وليس آخراً، طوَّرت إيران صاروخاً باليستياً مضاداً للسفن لتعزيز استراتيجيتها بحرمان الجيش الأمريكي من دخول منطقة "عدم الدخول" في مياه الخليج. ومن الدال بما فيه الكفاية أنَّ إيران سمت هذا الصاروخ "خليج فارس".
اختُبِر صاروخ خليج فارس، القائم على أساس نموذج صاروخ فاتح 110، للمرة الأولى في مطلع 2011، وتزامن مع إعلان إيران الانتهاء من رادار سلبي طويل المدى يغطي دائرة نصف قطرها 1100 كيلومتر. وأعلنت إيران في وقتٍ لاحق أنَّ الصاروخ قد دخل مرحلة الإنتاج الواسع.
وادَّعت إيران في الاختبارات منذ ذلك الحين، وبشكلٍ لا يُصدَّق، أنَّ الصاروخ سجل نسبة نجاح 100% في إصابة المنصات الشبيهة بالسفن المتمركزة في مياه الخليج. ووفقاً لوسائل الإعلام الإيرانية، فإنَّ "المقذوف الأسرع من الصوت، والذي يحمل رأساً متفجراً يزن 650 كيلوغراماً، مُحصنٌ ضد الاعتراض ويملك أنظمة عالية الدقة". وتباهى أحد الجنرالات الإيرانيين عام 2013 قائلاً: "اليوم، بات لدى إيران صاروخٌ يمكنه سحق السفن الحربية الأمريكية، كما لو كانت علبة من الصفيح، وإغراقها في المياه العميقة". كشفت إيران كذلك عن نوعين مختلفين من صاروخ خليج فارس: صاروخ هرمز 1 المُوجَّه بالرادار السلبي، وهرمز 2 الموجه بالرادار النشط.
هناك المزيد أيضاً
أخيراً، هذه ليست قائمة شاملة بترسانة الصواريخ الإيرانية، التي تتضمَّن كذلك عدداً من صواريخ كروز. مع ذلك، فإنَّها تقدم للقرَّاء نظرة عامة أساسية لواحدٍ من أوجه القدرة الفتاكة للحرس الثوري الإيراني. وتُعَد الصواريخ الباليستية أيضاً هي الشق الأكثر بروزاً في استراتيجية الردع الإيرانية، التي تتضمن كذلك استخدام الوكلاء والحرب البحرية غير المتماثلة.
مع ذلك، من المؤكد أنَّ هذه القوة الصاروخية من الأمور التي لا بد أن تضع القيادة المركزية بالجيش الأمريكي خططاً للتعامل معها، لاسيما في ظل اقتراب إيران والولايات المتحدة من التقاتل بصورة مباشرة في الحرب الأهلية السورية، كما تقول المجلة الأمريكية.