تراجعت الليرة اللبنانية إلى مستوى وُصف بالمرعب خلال الأيام الأخيرة، وسط خلافات بين اللبنانيين بشأن المتسبب في أزمة الليرة.
وتعاني البلاد من تذبذب في وفرة النقد الأجنبي، في ظل أزمة اقتصادية أثرت على سعر صرف الدولار مقابل الليرة في الأسواق العادية خارج المصارف.
وسجل سعر صرف الدولار لدى بعض الصرافين، أسعاراً وصفها البعض بأنها "مرعبة" لامست 1630 و1700 ليرة للدولار الواحد، بينما كان سعر الصرف الرسمي يُقدر بـ 1507 ليرة للدولار.
اقتصاد قائم على الخدمات المالية
ويكتسب ثبات سعر العملة العادية أهمية خاصة في لبنان أكثر من الدول العادية، نظراً لأن الاقتصاد اللبناني يعتمد على الخدمات المالية ولاسيما المصرفية التي تقوم بشكل كبير على تحويلات العاملين اللبنانيين في الخارج وكذلك اعتبار لبنان ملاذاً مصرفياً آمناً يتميز بسعر عملة ثابت نسبياً وفائدة مرتفعة.
في المقابل، فإن حجم التصدير في لبنان محدود مقابل الاستيراد، كما أن السياحة تضررت بشدة جراء الأزمة السورية وخلاف حزب الله مع دول الخليج.
والجمعة الماضية، قال الرئيس اللبناني ميشيل عون، إنه لن يترك لبنان يسقط، "ولا بد من تعاون الجميع لمعالجة الأوضاع القائمة".
العقوبات الأمريكية هي السبب
وعزا رئيس مجلس النواب نبيه بري الأزمة إلى العقوبات الأمريكية التي "أخافت المودعين من تدهور الأوضاع في البلاد، وولّدت خشية لدى المغتربين من تحويل أموال إلى لبنان للسبب عينه".
وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على مصرف "جمال ترست بنك" والشركات التابعة له في 29 أغسطس/آب الماضي بتهمة تسهيله الأنشطة المالية لـ "حزب الله".
وأصدر حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، الأسبوع الماضي، بياناً أعلن عن نيته إصدار تعميم غداً الثلاثاء، ينظم فيه تمويل استيراد القمح والدواء والبنزين بالدولار الأمريكي.
وقال وزير الاقتصاد السابق رائد خوري إنه سيتم "ضخ سيولة لعمليات التجارة والاستهلاك الأساسية، أي تأمين العملة الصعبة في الأسواق لمن يحتاجها من التجار".
وذكر خوري في تصريح للأناضول أن إجراء تنظيم تمويل شراء السلع الاستراتيجية "سيحل 70% من الأزمة، ما سيعيد تخفيض سعر صرف الدولار مجدداً في الأسواق".
وأوضح أن "سبب الأزمة، يتمثل في سعي المصرف المركزي للحد من المضاربة القائمة على الليرة، لأنها تؤدي إلى تقلص احتياطي البنك المركزي بالعملة الأجنبية، وذلك عبر عدة إجراءات".
ومن بين أبرز الإجراءات بحسب الوزير السابق، وقف القروض السكنية، لأن عمليات البناء تتطلب استيراد مواد وسلع من الخارج.
ومن الإجراءات الأخرى تعاميم عدة أطلقها مصرف لبنان، منها منع المصارف من إقراض أكثر من نسبة 25% من ودائعها بالليرة اللبنانية للقطاع الخاص، وتقييد عمليات الاستيراد.
وقال: "ما يحدث ليس بوادر انهيار لليرة.. المركزي قادر على أن يتدخل، وهو محصّن بالعملة الصعبة، لكنه لم يفعل ذلك لأنه يحاول ضبط عمليات المضاربة".
وكان حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، أعلن أن "إجمالي احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي يبلغ 38.5 مليار دولار".
شبكة مقربة للنظام تهرب الدولارات
وكثرت السيناريوهات التي أدت الى أزمة تذبذب وفرة الدولار في لبنان، من بينها ما كشفته وكالة الأنباء المركزية اللبنانية، عن أن "شبكة منظمة مؤلفة من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين وجنسيات أخرى مقربة من النظام السوري، تُقدم على عمليات غير سليمة.
وذكرت الوكالة أن تلك الشبكة تسحب عملة الدولار من أجهزة الصراف الآلي (ATM) الموزعة في الشوارع، من أجل تحويلها الى سوريا.
وذكرت وسائل إعلام لبنانية أنه بعد تعقبات لعمليات السحب النقدي المشبوهة في فترات متقاربة، منعت جمعية المصارف أي مودع من سحب الدولار من أي مصرف لا يتعامل معه، وإنما يسمح له بالليرة اللبنانية فقط.
حزب الله يمارس تهريباً ممنهجاً إلى سوريا
بدوره، أكد النائب هادي أبوالحسن الربط بين أزمة شح الدولار والتهريب عبر المعابر غير الشرعية من وإلى سوريا.
وقال للأناضول: "يبدو أن عملاً ممنهجاً من الداخل والخارج، لعمليات التهريب من سوريا إلى لبنان، ويُدفع البدل بالدولار، ويبدو أيضاً أن هناك تهريباً معاكساً".
وكشف أن هناك بعض التقارير والملاحظات بشأن التهريب، باتت بحوزة المعنيين، وبناءً عليها ستُتحذ الإجراءات الضرورية من البنك المركزي، الأسبوع المقبل".
وزاد: "لا أريد ذكر أسماء في قضايا التهريب، الجهة التي لها مصالح مع سوريا وتقوم بالتهريب معروفة، وهي من تحتاج اليوم للسيولة النقدية"، في إشارة إلى حزب الله.
والبعض يرجع الأزمة إلى أسباب اقتصادية بحتة
من جهته، أكد عضو لجنة المال والموازنة في البرلمان اللبناني، نقولا نحاس، أن "الوضع الاقتصادي صعب، ولا يمكن مقارنته بالسنوات السابقة".
وأرجع السبب الرئيس في أزمة تذبذب وفرة الدولار إلى عجز ميزان المدفوعات، والعجز في الميزان التجاري.
وتابع: "الدولار موجود لكن التوازن بين الموجودات والالتزامات مفقود، نستطيع الاستمرار لكن شرط البدء بحل اقتصادي متكامل".
وسجّل ميزان المدفوعات في لبنان في الأشهر الستة الأولى من 2019، بحسب تقارير اقتصادية، عجزاً بلغ 5.39 مليار دولار. وهو العجز الذي يزيد من الضغط على احتياطات مصرف لبنان".
وكانت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني، أبقت تصنيف لبنان على ما هو B- مع نظرة سلبية، فيما خفّضت وكالة "فيتش" تصنيفها مرتبة واحدة من B- إلى CCC.
كما خفّضت "فيتش" في 14 سبتمبر/أيلول الجاري، تصنيف المصدر الائتماني طويل الأجل (IDR) لكل من مصرفي عودة وبيبلوس من درجة -B إلى CCC، وتصنيف الجدوى إلى ccc من –b.