قالت مجلة The Diplomat اليابانية إن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، وضع في موضع جدل يوم الإثنين الماضي 23 أيلول/سبتمبر، عندما تحدث عن دور باكستان في تدريب الجهاديين في أواخر الثمانينيات والبقاء على تواصل معهم. فقد أدلى خان بالملاحظات التالية خلال حديثه في أحد مراكز الأبحاث في نيويورك، قائلاً: "دائماً ما كان ثمة روابط بينهم [أجهزة الأمن الباكستانية والجماعات الجهادية]، وذلك أمر حتمي لأنها [أجهزة الأمن] هي من دربتهم".
وفي حين قد يواجه خان انتقادات بشأن تصريحاته، فإن من المحتمل أن تؤدي تلك التعليقات في النهاية إلى مساعدة قضية باكستان في محافل مختلفة على الصعيد الدولي.
إقرار بأخطاء الماضي؟
يقول عمير جمال، مراسل مجلة The Diplomat في باكستان، من المهم الإشارة إلى أن مسألة كون باكستان قاعدة دعم مزعومة للجماعات المتشددة تعتبر قضية حساسة على مستوى الدولة، ومن ثم تفضل كل حكومة باكستانية منتخبة تجاهلها وتجنب الحديث عنها. ومع ذلك، فإن التعليقات الأخيرة ليست المناسبة الوحيدة التي تحدث فيها خان عن صلات الجماعات المتطرفة بالدولة الباكستانية في سياق الجهاد الأفغاني.
فقد أعرب خان، في يوليو/تموز الماضي، عن حزنه بشأن التكلفة البشرية والمادية الهائلة للتحالف مع الولايات المتحدة لهزيمة السوفييت في أفغانستان. وذكر خان حينها أن العمليات التي قامت على تنفيذها باكستان في إطار تحالفها مع واشنطن، بما في ذلك تدريب الجهاديين، كلفت البلاد كثيراً.
ومما يظل مثيراً للاهتمام أيضاً أنه حتى بعد أن كرر خان حديثه عن دعم باكستان لمثل هذه المجموعات بالتحالف مع الولايات المتحدة، فإن الحكومة الحالية لم تواجه أي ضغط من المؤسسات الأمنية في باكستان. وأحد التصريحات غير المسبوقة التي تثبت أن هذه التوكيدات والإشارات ليست تعبيرات عرضية، كان تصريحه فيما يتعلق بدور الجهاديين في جامو وكشمير.
فقد قال خان في تصريح له مؤخراً إن "أي شخص يفكر في عبور الحدود للانضمام إلى الكشميريين (للقتال دفاعاً عن حقوقهم) هو عدو كبير لهم ولباكستان". وتصريح بهذا الحجم يبطل عقوداً من الرواية الرسمية القديمة المتعلقة بـ"الجهاد في كشمير" لا يمكن اعتباره تصريحاً غير ذي أهمية.
احتواء الجماعات الجهادية
بحسب الصحفي عمير جمال، من المحتمل أن تكون تصريحات خان التي ترمي إلى إقرار باكستان بأخطائها السابقة فيما يتعلق بدور البلاد في زرع الفصائل المتطرفة محاولة مركزة لتحقيق هدف آخر مهم. وعلى عكس الرأي القائل بأن تصريح خان يثبت أن باكستان مسؤولة عن مشكلة التطرف في المنطقة، فإن الواقع أن تلك الرؤية تدعم صورة إسلام آباد بعدة طرق.
فأولاً، عقب تصريح خان بشان كشمير، لم ترفع جماعة دينية واحدة تقع في باكستان وتركز سياساتها على إظهار كشمير بوصفها قضية جهادية، صوتها معارضةً للحكومة. وهذا يدل على أن الحكومة تحاول فعلياً احتواء الجماعات التي ربما كانت تعمل في جامو وكشمير في الماضي.
وثانياً، لا تدعم تعليقات خان جهودَ باكستان الأخيرة الهادفة إلى التخلص من وصمة رعايتها للإرهاب فحسب، بل تبيّن أيضاً أن ثمة سياسة جديدة ترفض وجود مثل هذه الجماعات. علاوة على أن إظهار خان لخلافه مع هذا النهج يحسّن من وضعه عندما يتعلق الأمر بإبطال جهود نيودلهي لتصنيف باكستان بأنها دولة ترسل متشددين إلى جامو وكشمير.
وثالثاً، وثمة تطور آخر قد يندرج أيضاً ضمن هذه السياسة العريضة المحتملة. فطلب إسلام آباد الأخير إلى لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي بالسماح لرئيس "جماعة الدعوة" (JuD) حافظ سعيد بالوصول إلى حسابه البنكي يشير إلى جدية البلاد في مساعيها لتظهر للعالم أن باكستان ملتزمة بالتعامل مع جميع أشكال الإرهاب.
إذ يمكن القول إن الغرض من طلب السماح لسعيد بأن يكون قادراً على الوصول إلى حسابه، ليس تسهيل الأنشطة المالية لجماعة الدعوة، بل إرسال رسالة مفادها أن إسلام آباد تبذل كل ما في وسعها لاحتواء شبكات المتطرفين المالية، وخاصة تلك التي تركز عليها الهند، إذ منها تتلقى باكستان معظم الضغط الواقع عليها فيما يخص هذا الشأن.
دعم باكستان في الولايات المتحدة
يقول عمير جمال، من المتوقع أن تساعد تصريحات خان التي تشير إلى إخلاص باكستان والتزامها بمعالجة مشكلة الإرهاب في التحسين من موقف باكستان فيما يخص خطة عمل منظمة "مجموعة العمل المالي" (FATF) لمكافحة غسيل الأموال.
علاوة على ذلك، فإن موقف خان سيعزز أيضاً من قاعدة دعم باكستان في الولايات المتحدة، التي يرغب كثيرون فيها في رؤية باكستان تفعل المزيد لتخفيف الضغط الواقع على بعض الأوساط المرتبطة بها.
وقالت أليس ويلز، نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون جنوب ووسط آسيا، "إننا نحيي بيان الرئيس خان الصريح والمهم بأن المسلحين من باكستان الذين يقومون بأعمال عنف في كشمير هم أعداء لكل من كشمير وباكستان".
لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت التصريحات الصادرة من أعلى مستوى في الحكومة الباكستانية تعكس بالفعل تغييراً في السياسة أم تهدف فقط ردَّ الضغط الذي تواجهه البلاد فيما يتعلق بقضية الإرهاب. غير أنه في كل الأحوال، فإن هذا التطور مشجع.