في المسرحية السورية "كاسك يا وطن"، يقول غوار، بطل المسرحية، لشبح والده إنَّ العالم العربي يزداد انقساماً "لتزداد أصواتنا في الجمعية العامة للأمم المتحدة". وهذه المزحة ترثي غياب الوحدة العربية، وحقيقة أنه حتى مع ارتفاع عدد الأصوات العربية تظل قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة غير مُلزِّمة.
ومع ذلك، فعلى الرغم من سلطتها المحدودة، تستمر الجمعية العامة في جمع قادة دول العالم الـ193 المعترف بها دولياً؛ ما يجعلها أكثر أذرع الأمم المتحدة شمولية. واعتادت الاجتماعات السنوية للجمعية أن تكون مسرحاً للحظات تاريخية، وأحياناً فكاهية.
ومع اجتماع القادة مرة أخرى في مدينة نيويورك الأمريكية لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الأسبوع الجاري، يستعيد موقع Middle East Eye البريطاني 6 لحظات مهمة حدثت على منصة الأمم المتحدة:
1- معمر القذافي يتحدث لـ100 دقيقة متواصلة
في خطابه الأول والأوحد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، استطاع الراحل معمر القذافي التعويض عن الوقت الذي ضيَّعه سابقاً. إذ كسر القذافي في 2009 حاجز الزمن المسموح به لإلقاء كلمة وهو 15 دقيقة، حين ألقى خطبة عنيفة لمدة 100 دقيقة أدان فيها مجلس الأمن الدولي، ودافع عن القراصنة الصوماليين، واتهم "الشركات الرأسمالية" بإنتاج الفيروسات لبيع الأدوية.
وطالب كذلك القذافي الأمم المتحدة بتأسيس قسم للتحقيقات للتدقيق في حوادث اغتيال شخصيات تاريخية، بما في ذلك الزعيم الكونغولي المستقل باتريس لومومبا والرئيس الأمريكي جون كينيدي وأيقونة حركة الحقوق المدنية الأمريكية مارتن لوثر كينغ.
ثم انتقل الزعيم الليبي للترويج لحل الدولة الواحدة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وهي الفكرة التي أوجزها في دليل أصدره عام 2000 باسم "الكتاب الأبيض".
وقال القذافي: "هذا الصراع يسمم العالم، وهذا الكتاب الأبيض فيه الحل، وهو معي الآن"، ولوّح بالكتاب قبل أن يقذفه باتجاه الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون. وأضاف: "إسراطين هي الحل. العرب ليست لديهم عداوة ولا كراهية تجاه اليهود".
واشتمل خطاب القذافي على الكثير من الانتقادات، إلا أنَّ العقيد ادخر أقساها لمجلس الأمن الدولي؛ إذ حمَّله مسؤولية اندلاع عشرات الحروب منذ تأسيس الأمم المتحدة، التي أسفرت عن مقتل الملايين.
وقال القذافي إنَّ مجلس الأمن مستبدٌّ بطبيعته لأنه يمنح الدول الخمس المتمتعة بحق الفيتو تأثيراً هائلاً على الشؤون العالمية. واقترح الزعيم الليبي أيضاً نقل صلاحيات مجلس الأمن للجمعية العامة الأكثر شمولية في تمثيل الدول.
وتابع: "في الوقت الحالي، مجلس الأمن هو إقطاعية أمنية، وإقطاعية سياسية للدول دائمة العضوية.. لا يجب أن يكون اسمه مجلس الأمن بل مجلس الإرهاب".
وخلال فترة إقامته في نيويورك، نصب القذافي خيمته الشهيرة -التي اعتاد المكوث فيها مع طاقم حراسته المكون بالكامل من السيدات- في أرض مملوكة لدونالد ترامب في إحدى ضواحي مدينة بيدفورد الأمريكية. لكن عقب الخطاب الذي ألقاه أمام الجمعية العامة، طلب ترامب، وكان وقتها رجل أعمال في نيويورك، من القذافي مغادرة ملكيته. إلى جانب ذلك، حاول القذافي نقل خيمته إلى سنترال بارك في نيويورك، لكن طلبه قوبل بالرفض.
2- الدبلوماسيون يغادرون خلال خطاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد
على مدار 8 سنوات هي فترة رئاسته، كان الرئيس الإيراني محور العديد من الجدالات التي تصدرت عناوين الصحف دولياً. ولم يُستثنَ من ذلك أول خطاباته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2005 الذي أكد فيه أحمدي نجاد أحقية جميع الدول، بما في ذلك إيران، في امتلاك طاقة نووية.
وقال الرئيس الإيراني آنذاك: "نعتقد أنه يحق لجميع الدول والأمم تحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي في جميع المجالات، وبالأخص تكنولوجيا إنتاج الوقود النووي للاستخدامات السلمية. ولا يمكن قصر الوصول لهذه الطاقة على قلة فقط".
ورسم خطاب 2005 نغمة جريئة أصبحت بعدها السمة المميزة لمشاركات الرئيس الإيراني في اجتماعات الجمعية العامة، التي دفعات اثنتان منها إلى مغادرة بعض الحضور.
وفي حين كانت خطاباته تنتقد عدم المساواة في الاقتصاد العالمي وروَّجت لإيران باعتبارها ديمقراطية حقيقية، في عام 2007 أثار أحمدي نجاد إدانات عالمية ضده لتشكيكه في ما حدث خلال الهولوكست وكذلك في صحة رواية الولايات المتحدة حول هجمات 11 سبتمبر/أيلول.
ففي كلمة ألقاها في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، على هامش مشاركته في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في ذلك العام، أثار الرئيس الإيراني تساؤلات حول حملة الإبادة الجماعية التي شنَّها النازيون ضد اليهود وأسفرت عن مقتل مليوني شخص خلال الحرب العالمية الثانية.
وأضاف: "أنا لا أقول إنها لم تحدث قط. هذا ليس الحكم الذي أرغب في التعبير عنه هنا. فلنقل إنَّ هذا حدث، ما علاقة ذلك بالشعب الفلسطيني؟".
وفي الخطاب ذاته، أصبح أحمدي نجاد مثاراً للسخرية بعد أن قال إنه لا يوجد مثليون جنسياً في إيران. وخلال تواجده في نيويورك، مُنِع من وضع إكليل زهور في منطقة "جراوند زيرو"، حيث كان يقف مركز التجارة العالمي الذي دمرته هجمات 11 سبتمبر/أيلول.
وفي عام 2010، غادر دبلوماسيون أمريكيون وأوروبيون، بينما كان يدلي أحمدي نجاد خطابه أمام الجمعية العامة، بعد أن طرح نظرية مؤامرة تقول إنَّ "بعض القطاعات داخل الإدارة الأمريكية هي التي دبرت هجمات (11 سبتمبر/أيلول)".
وبعدها بعام، غادرت وفود بعض الدول مرة أخرى بينما كان يلقي أحمدي نجاد خطابه بعد أن كرر شكوكه حول هجمات 11 سبتمبر/أيلول والهولوكوست. وقال أحمدي نجاد آنذاك: "مستخدمين شبكتهم الإعلامية الإمبريالية، التي تخضع أيضاً لتأثير الكولونيالية، يهددون كل من يشكك في الهولوكوست وأحداث 11 سبتمبر/أيلول بفرض عقوبات والتحرك عسكرياً ضده".
3- قلم بنيامين نتنياهو الأحمر
على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2012، رسم رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو حرفياً خطاً أحمر على برنامج إيران النووي باستخدام قلم تحديد. وحمل نتنياهو لافتة عليها رسمة كارتونية لقنبلة بفتيل، وقال إنَّ طهران ربما تكون على بعد أشهر -إن لم تكن أسابيع- من بناء سلاح نووي إذا سُمِح لها بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم.
وقال نتنياهو: "يجب رسم الخط الأحمر هنا"، وأصدر قلمه صريراً بينما كان يحركه ذهاباً وإياباً قرب خط أشار إلى 90%، "قبل أن تكمل إيران المرحلة الثانية من تخصيب اليورانيوم والضرورية لصنع قنبلة نووية، وقبل أن تصل لنقطة تصبح فيها على بعد أشهر وربما أسابيع قليلة من تكديس ما يكفي من اليورانيوم المُخصَّب لصنع قنبلة نووية". واعتُبِرَت تصرفات نتنياهو أيضاً انتقاداً للرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما، الذي رفض وضع "خط أحمر" لإيران بخصوص برنامجها النووي من شأنه أن يُسفِر عن شن هجمات عسكرية ضدها إذا تجاوزته.
وعقب ذلك بثلاث سنوات، أثار أوباما فزع إسرائيل بعد أن أبرم، ومعه عدة زعماء دوليين، اتفاقية مع إيران لتقويض برنامجها النووي في مقابل رفع العقوبات الدولية على اقتصادها. وعلى الرغم من أنَّ دونالد ترامب أعلن انسحاب بلاده من الاتفاقية في مايو/أيار 2018، واصل نتنياهو دقّ ناقوس الخطر حول برنامج إيران النووي.
وفي وقت مبكر من الشهر الجاري، اتهم نتنياهو إيران بتدمير موقع نووي قال إنها كانت تبني فيه قنبلة ذرية، واستخدم مرة أخرى وسائل مساعدة بصرية لإيصال رسالته. وفي خطاب مُتلَّفز، قال نيتنياهو بينما يقف أمام صورة مشوشة على شاشة عرض تظهر بها مباني محاطة بتلال: "في هذا الموقع، أجرت إيران تجارب لتطوير أسلحة نووية".
لكن لن يصل نتنياهو وملصقاته إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام؛ إذ ألغى رحلته إلى نيويورك لمتابعة المأزق السياسي الذي أعقب الانتخابات التشريعية الإسرائيلية، التي لم تنتهِ بتحديد فائز واضح لرئاسة الحكومة.
4- جورج بوش الابن يحاول حشد تأييد لحربه على العراق
في عام 2002، وتحديداً في اليوم التالي للذكرى الأولى لهجمات 11 سبتمبر/أيلول في نيويورك، ركز الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الابن غالبية خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة على توبيخ العراق. وشدد بوش على صحة، ما تبيَّن لاحقاً أنها أكاذيب، امتلاك صدام حسين ترسانة من أسلحة الدمار الشامل وصلاته بتنظيم "القاعدة"، وحث الدول الأخرى على "الانتفاض" للدفاع عن الأمن العالمي.
وحذَّر بوش من أنَّ الفشل في التحرك ضد صدام حسين سيؤدي إلى "أهوال أبشع بكثير" من أحداث 11 سبتمبر/أيلول، متهماً بغداد بتطوير "أسلحة مروعة" قد تزود بها "حلفاءها الإرهابيين". وذهب بوش إلى حد القول إنَّ العراق ليس بعيداً عن القدرة على صنع قنبلة نووية.
وقال: "العراق يوظف علماء وفنيون نوويون أكفاء. ويمتلك البنية التحتية المادية اللازمة لصنع سلاح نووي. إضافة إلى أنه قام بعدة محاولات لشراء أنابيب ألومنيوم عالية القوة تُستخدَم لتخصيب اليورانيوم بغرض صناعة أسلحة نووية. إذا امتلك العراق مواد انشطارية، فسيصبح قادراً على صنع سلاح نووي في غضون عام".
وفي سعيه لإدانة صدام حسين، أشار بوش أيضاً إلى حرب العراق على إيران بدعم من الولايات المتحدة في الثمانينيات باعتبارها واحدة من العديد من النزاعات التي بدأها الزعيم العراقي.
وعقب أقل من عامٍ واحد، بدأ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق، وأُسقِط صدام حسين، ودُمِر تمثاله في ساحة الفردوس بالعاصمة بغداد بعد أن غطته القوات الأمريكية بعلم الولايات المتحدة. لكن في ظل نزيف الدم الطائفي على نطاق واسع والفساد المستشري وصعود المليشيات المسلحة، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فإنَّ مستقبل العراق ما بعد صدام حسين أبعد ما يكون عن الصورة الوردية التي رسمها بوش في خطابه عام 2002.
وقال بوش وقتها: "إذا أوفينا بالتزاماتنا، وتغلبنا على هذا الخطر، سننجح في الوصول لمستقبل مختلف تماماً. وسيتمكن الشعب العراقي من التحرر من أسره.. ومن ثم سيُلهِّم العالم الإسلامي بأكمله لتبني إصلاحات".
5- تشافيز يبدي أسفه إزاء التدمير الذي تسبب به "الشيطان" في الشرق الأوسط
حين صعد الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز إلى منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2006، تحدث عن الرائحة العفنة التي خلفها "الشيطان" الذي كان يقف أمام المنصة نفسها في اليوم السابق.
لم يكن يعني بالشيطان لوسيفر أو أي ملاك عاصٍ آخر؛ ولكن تشافيز، الذي كان منتقداً لإسرائيل ومنحازاً إلى حكومة كوبا وإيران، كان يشير إلى الرئيس الأمريكي حينذاك، جورج بوش الابن.
وقال تشافيز: "بالأمس، جاء الشيطان إلى هنا، هنا في هذا المكان بالضبط"، ثم رسم الصليب على صدره وضم يديه أمام وجهه ليتلو بعض الصلوات. وقال: "وما زالت الرائحة العفنة عالقة فيها حتى اليوم، في هذه المنصة التي أقف أمامها الآن".
وواصل تشافيز هجومه على السياسة الخارجية الأمريكية، متهماً بوش بأنه يتحدث كما لو كان "مالك العالم" الذي يحاول ترسيخ نظام ديكتاتوري عالمي.
وركز في حديثه على سياسات الولايات المتحدة في فلسطين والعراق ولبنان على وجه الخصوص. ويُذكر أنه قبل أسابيع فقط من خطابه، شن الجيش الإسرائيلي هجوماً عسكرياً على لبنان، خلَّف في غضون ما يزيد قليلاً عن شهر أكثر من ألف قتيل من المدنيين، وأباد قرى ودمر بنى تحتية رئيسية.
وقال تشافيز على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر/أيلول من ذلك العام: "حكومة الولايات المتحدة لا تريد السلام. إنها تريد استغلال نظامها القائم على الاستغلال والنهب والهيمنة من خلال الحرب. هي تريد السلام، ولكن ماذا يحدث في العراق؟ ماذا حدث في لبنان؟ وفلسطين؟ ماذا يحدث؟".
وأضاف: "ماذا حدث على مدار المائة عام الماضية في أمريكا اللاتينية والعالم؟ والآن تهدد فنزويلا. ثمة تهديدات جديدة ضد فنزويلا وضد إيران".
6- العالم يضحك على ترامب، وهو يهاجم إيران
غالباً ما يدعو القادة في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى التعاون وإنهاء النزاعات، أو يتناولون المشاكل العالمية، أو يبرزون دور دولهم في العالم. ولكن في الملاحظات الافتتاحية للخطاب الثاني الذي ألقاه ترامب أمام المنظمة العالمية عام 2018، وجد أنه من المناسب التباهي بإنجازاته الداخلية.
إذ قال ترامب مثيراً ضحك رؤساء الدول والدبلوماسيين الذين ملأوا القاعة: "في أقل من عامين، أنجزت إدارتي أكثر مما أنجزته أي إدارة تقريباً في تاريخ بلدنا. إن أمريكا.. هذا صحيح". ثم ضحك الرئيس الأمريكي. وقال: "لم أتوقع رد الفعل هذا، ولكن لا بأس"، وهو ما أثار المزيد من الضحك.
ومضى ترامب في حديثه مهاجماً العولمة ومؤكداً نهج "أمريكا أولاً" الذي يتبناه، والذي يقول منتقدون إنه يعزز إحجام البيت الأبيض عن مهاجمة انتهاكات حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم. وقال ترامب: "أمريكا يحكمها أمريكيون. نحن نرفض أيديولوجية العولمة، ونعتنق مبدأ الوطنية".
ورغم دعمه لنهج سياسي عالمي تتمتع فيه الدول بحرية متابعة مصالحها الخاصة والتعامل مع شؤونها الداخلية دون تدخل دولي، انتقد ترامب إيران بحرية، واصفاً إياها بدولة "ديكتاتورية".
وقال: "الشعب الإيراني غاضب ومعه الحق في ذلك لأن قادته اختلسوا مليارات الدولارات من خزانة إيران، واستولوا على قطاعات مهمة من الاقتصاد، ونهبوا الأوقاف الدينية المملوكة للشعب، وكل ذلك ليملأوا جيوبهم ويبعثوا وكلاءهم لشن الحرب".