6% من إنتاج العالم من النفط قد توقف إثر الهجوم الأخير على منشآت أرامكو السعودية، والسبب مجموعة من الطائرات المسيرة التي لم يحسم حتى الآن من أين جاءت بعد.
إسرائيل لديها أسباب أخرى للقلق من هجوم أرامكو، إضافة إلى ارتفاع أسعار النفط، إذ يعد هذا الهجوم بمثابة تدريب إيراني على استخدام الطائرات المسيرة ضدها.
وشهد استخدام الطائرات بدون طيار في أغراض عدوانية زيادةً ملحوظة في السنوات الأخيرة، لا سيما في الشرق الأوسط الذي كان صاحب النصيب الأكبر من هذه الحوادث.
وبينما تسعى أغلب الدول العربية لشراء هذه الطائرات من الدول الكبرى، فإن إيران وحلفاءها وحركات المقاومة الفلسطينية حماس والجهاد أصبحوا ينتجون هذه الطائرات بأنفسهم، وهو الأمر الذي يسبب قلقاً بالغاً لإسرائيل.
رائدة لتكنولوجيا الطائرات المسيرة
تعد إسرائيل أحد رواد تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، وهي أحد المصدرين الرئيسيين للطائرات بدون طيار، خاصة غير المسلحة.
وقد باعت طائراتٍ استطلاعية بدون طيار لعدة دول، من بينها روسيا.
وتستخدم إسرائيل أسطولاً متنوعاً من الطائرات بدون طيار لجمع المعلومات الاستخبارية والمراقبة والهجمات.
ولكن إسرائيل التي تتفاخر بكونها رائدة عالمية في صناعة الطائرات المسيرة، ترى اليوم في هذه الطائرات خطراً استراتيجياً يمتلكه أيضاً من يناصبونها العداء في المنطقة.
حرب من أجل الطائرات المسيرة
وكادت إسرائيل تدخل مع حزب الله اللبناني في مواجهة عسكرية مطلع سبتمبر/أيلول الحالي في أعقاب قتل الجيش الإسرائيلي عنصرين من الحزب في بلدة عقربا جنوب العاصمة السورية دمشق في 24 من أغسطس/آب الماضي.
الجيش الإسرائيلي قال إن المستهدفين كانا يعدان لشن هجوم بالطائرات المسيرة على أهداف إسرائيلية.
في اليوم ذاته شنت إسرائيل هجوماً ثانياً على الضاحية الجنوبية بطائرتين مسيرتين على موقع قالت إنه مستودع لأجهزة إيرانية تستخدم في زيادة دقة الصواريخ التي يمتلكها حزب الله. الحزب قال إن الهجوم استهدف المكتب الإعلامي للحزب.
هذا الهجوم حسب إعلان الجيش الإسرائيلي استهدف مخططاً إيرانياً لشن هجمات بالطائرات المسيرة من الأراضي السورية، ونشر الجيش الإسرائيلي صوراً لعنصري حزب الله وهما في زيارة لإيران، قال إنهما تلقيا خلالها تدريبات على شن هجمات بالطائرات المسيرة.
المواجهة المحدودة عبر الحدود اللبنانية بعد رد حزب الله على قتل عنصريه انتهت خلال أقل من ساعتين دون وقوع إصابات على جانبي الحدود، لكنها لفتت النظر من جديد إلى عنصر الطائرات المسيرة التي ترى فيها إسرائيل تهديداً استراتيجياً لأمنها.
ويعتبر فرانتزمان أن ثلاثة عناصر اجتمعت في الضربة الإسرائيلية جنوب دمشق: قوة جاهزة لاستهداف إسرائيل، وهي قوة حليفة لإيران، ومزودة بتكنولوجيا إيرانية هجومية، هذه العناصر تشكل حسب الكاتب "استراتيجية إيران لتهديد إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة، كالإمارات والسعودية التي تعرضت لضربات الحوثيين المزودين بالتكنولوجيا الإيرانية".
هجوم أرامكو يقلق إسرائيل أكثر من غيرها
بصرف النظر عمن استخدم الطائرات المسيرة في هجوم أرامكو الذي وقع مطلع الأسبوع الماضي، هل هو إيران أم الحوثيون من اليمن أو الحشد الشعبي من العراق، فإن الهجوم يشير إلى تطور قدرات إيران أو حلفائها بشكل كبير في مجال الطائرات بدون طيار.
وهو أمر ظهر واضحاً في سلسلة من الهجمات السابقة.
ففي اليمن، استهدف هجوم حوثي بطائرة دون طيار منتصف يناير/كانون الثاني الماضي عرضاً عسكرياً في قاعدة العند الجوية جنوب البلاد، ما أدى إلى مقتل رئيس الاستخبارات العسكرية في القوات اليمنية الموالية للحكومة محمد صالح طماح، متأثراً بجروحه.
وعلى حدود قطاع غزة أيضاً، هوجمت مركبة عسكرية إسرائيلية بطائرة مسيرة صغيرة في السابع من سبتمبر/أيلول الحالي ألقيت منها عبوة ناسفة مخلفة أضراراً في المركبة دون وقوع إصابات، حسب بيان للجيش.
الإيرانيون يتدربون على السعودية لمهاجمة إسرائيل
مركز أبحاث إسرائيلي لفت النظر إلى إمكانية استخدام إيران الطائرات دون طيار لاستهداف إسرائيل، مشيراً إلى أن إيران قد تستخدم الهجمات الحوثية ضد السعودية والإمارات، كتدريب ربما لاستهداف إسرائيل.
اللفتنانت كولونيل احتياط في الجيش الإسرائيلي ميكي سيغال، وترأس فرع الأبحاث حول إيران في شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) والباحث في "مركز القدس للشؤون العامة" (JCPA) قال للإذاعة العبرية بعد الهجوم على العرض العسكري في اليمن، إن "إيران تستخدم هذه التكنولوجيا في اليمن كتدريب لشن هجمات مستقبلية على إسرائيل".
وقد تنقل التكنولوجيا لحماس أو تحاول صنع قوارب انتحارية
سيغال أضاف أن إيران قد تنقل هذه التكنولوجيا إلى حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة، وقد تلجأ أيضاً إلى تطوير قوارب مفخخة مبرمجة مسبقاً عبر نظام تحديد المواقع العالمي "GPS" لاستهداف مواقع بحرية مثل منصات النفط والشواطئ الإسرائيلية.
وفي مقال آخر لسيغال نفسه نشره مركز (JCPA)، حذر من أن هذه الهجمات التي ينفذها حلفاء إيران يجب أن تقلق إسرائيل بشكل جدي، لأنها قد تجد طريقها إليها.
في ظل ضعف قوتها الجوية إيران تركز على هذا السلاح
المركز الإسرائيلي ذاته نشر، يونيو/حزيران الماضي، خبراً عن قيام الجيش الإيراني بتدشين أكاديمية عسكرية للتدريب على الطائرات دون طيار بنوعيها الكبيرة والصغيرة في قاعدة "قم الجوية"، المركز الإسرائيلي أشار إلى تخصيص طهران موارد مالية ضخمة لهذه الأكاديمية.
إذ يبدو أن إيران تراهن على الطائرات بدون طيار في ظل أنها تمتلك واحدة من أضعف القوات الجوية بين دول المنطقة الرئيسية ومع تزايد انتشار الأنظمة الصاروخية المضادة للصواريخ الباليستية.
وحماس قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال بعدما يئست من الأنفاق
ليست إيران هي العدو الوحيد الذي يسعى لتطوير طائرات مسيرة تستهدف إسرائيل.
فحماس اكتشفت أن خيار الأنفاق لم يعد مجدياً بعد أن طورت إسرائيل أساليب لاكتشافه والتصدي له، والقبة الحديدية تزداد فاعليتها ضد الصواريخ، لذا تستثمر حماس في تطوير الطائرات المسيرة بشكل كبير.
ومنذ عدة أشهر استخدمت حماس "الحوَّامة قاذفة القنابل" كسلاح جديد، للتغلب على قبة إسرائيل الحديدية.
القناة السابعة العبرية وصفت السلاح الجديد بأنه طائرة من دون طيار تحمل صاروخاً ذا رأس متفجر ضد الدبابات، مضيفةً أن فكرة هذا السلاح تُظهر تقدماً ملحوظاً في تطور صناعات السلاح لدى "حماس"
وتقول حماس إن لديها 3 أنواع من الطائرات من دون طيار لأغراض مختلفة:
A1A لجمع المعلومات الاستخباراتية.
A1B للهجمات.
A1C للمهام الهجومية "الانتحارية" بالطائرة.
وبشكل عام، فإن حماس تؤمن بأنها قادرة على تطوير "قوات جوية" من الطائرات ذاتية القيادة، بالإضافة إلى "أسطول" مجهز بسفن هجومية، ومفاجأة إسرائيل من الجو والبحر في الصراع القادم.
لكن كيف ستستخدم حماس هذه الطائرات؟
الطائرات من دون طيار تحمل عبوات ناسفة بدائية ستكون بمثابة طائرات انتحارية لها 3 طرق أساسية للاستخدام:
1- ضرب أهداف عسكرية بدقة.
2- إطلاق العبوات الناسفة على المجتمعات الإسرائيلية على طول حدود غزة لردع إسرائيل عن استهداف المدنيين في القطاع.
3- السيناريو الآخر المحتمل هو أن طائرة من دون طيار ستطير فوق موقع قناص إسرائيلي وتُسقط متفجرات صغيرة، مثل قنبلة يدوية، رداً على نيران القناصة على المحتجين الفلسطينيين.
استراتيجية حماس الخاصة بالطائرات بدون طيار هي استراتيجية طويلة الأمد لتجاوز استراتيجية الأنفاق، وقد لا تظهر آثارها قريباً.
ماذا تفعل إسرائيل في مواجهة سيل الطائرات المسيرة بالمنطقة؟
رداً على إمكانية تعرض إسرائيل لهجمات بطائرات مسيرة، طورت مؤسسة "أنظمة رافائيل الدفاعية المتقدمة" (هيئة تطوير السلاح سابقاً) منظومة "القبة الحديدية" المضادة للصواريخ أساساً، لتكون قادرة على اعتراض هذا النوع من الطائرات منذ عام 2015.
كما ذكرت مجلة "Israel Defence" المختصة بالشؤون العسكرية في العام نفسه، ونشرت المجلة مقطع فيديو يظهر إحدى تجارب الجيش لاعتراض طائرة مسيرة بصاروخ أطلقته القبة الحديدية.
قبة من أجل الطائرات المسيرة
وعملت إسرائيل على تطوير منظومة لرصد واعتراض الطائرات المسيرة الصغيرة، وحسب "أنظمة رافائيل الدفاعية المتقدمة" فقد تم تطوير منظومة "Drone Dome" (قبة الطائرة المسيرة) على غرار القبة الحديدية.
وذكرت رفائيل على موقعها الإلكتروني أن الطائرات المسيرة الصغيرة "باتت تشكل خطراً أمنياً يستوجب إيجاد حلول لمواجهته".
وحسب بيانها، تقول "رفائيل" إن النظام قادر على رصد الطائرات المسيرة الصغيرة وإسقاطها بأشعة الليزر.
المحلل الاستراتيجي سيث جي. فرانتزمان يرى أن الطائرات المسيرة تأتي على رأس قائمة التهديدات التي تواجهها إسرائيل في ظل صراعها مع إيران.
وعن قدرات إيران استراتيجياً للرد على هذه الهجمات، يقول الخبير اللواء الركن المتقاعد واصف عريقات لوكالة الأناضول: مسرح العمليات رغم أنه متسع، لكن هناك حلول للمسافات والعوائق التي تواجه هذا السلاح.
وأضاف أن إيران لها نفوذ ممتد عبر العراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى الحدود مع فلسطين، وهذا مسرح عمليات يمكن لإيران أن تعمل فيه أو أن تستفيد منه عبر حلفائها، ويتيح لها أكثر من خيار في المجالات البرية والبحرية والجوية، فهامش السقف المتاح لإيران وحلفائها أعلى بكثير من المتاح لإسرائيل، وفي إسرائيل نفسها يدركون ذلك.