ناقش مقال لجورجيو كافيرو مؤسس شركة Gulf State Analytics للاستشارات المعنية بالشأن الخليجي في موقع Lobe Log الأمريكي الدور المصري في ليبيا وكيف تحدت القاهرة الكثيرين من أجل خليفة حفتر في بداية انقلابه على الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس، ومن ثم مستمرة في دعمه رغم يقينها بأنه لن يحقق انتصاراً على حكومة طرابلس.
وبحسب المقال اضطلعت مصر طوال الحرب الأهلية الليبية بدورٍ نافذ، وإن كان متناقضاً. فحين حاول حفتر القيام بانقلابٍ في طرابلس في فبراير/شباط 2014، كان الكثيرون في أنحاء ليبيا وعبر المنطقة رافضين للقائد. لكنَّ القيادة المصرية احترمت حفتر في هذه المرحلة وأخذته على محمل الجد. وبحلول النصف الأول من عام 2014، كان المسؤولون في القاهرة قد توصلوا إلى استنتاجٍ بأنَّ شرقي ليبيا أصبح مجمعاً للميليشيات الإسلامية وأنَّ هناك حاجة لتطهيره. ووفقاً لوجهة نظر القيادة المصرية تجاه الوضع، كان حفتر هو القائد الليبي الذي يمكنه أن يحارب المجموعات "الإرهابية".
وبحسب هذه الرواية المصرية، يُمثِّل حفتر وجيشه الحصن الوحيد في وجه التطرُّف في ليبيا. ويُعَد الدعم السياسي القوي للقائد الليبي، الذي يُعَد مسؤولاً سابقاً في نظام القذافي ومواطناً ليبياً-أمريكياً ثنائي الجنسية، الذي حصل عليه من المواطنين المحليين في بنغازي وأطراف أخرى في شرق ليبيا نابعاً من تصوراتٍ مشتركة بأنَّ حفتر وقوات الجيش الوطني الليبي التابعة له تستحق أن يُنسَب لها الفضل في التعامل مع الفصائل الإسلامية العاملة في الشرق. وبالمثل، دعم المسؤولون في القاهرة حفتر بقوة لنفس السبب تقريباً.
عملية الكرامة
في مايو/أيار 2014، أطلق حفتر "عملية الكرامة"، وكانت مصر أول دولة تدعمه بصورة كاملة. لكن لم يكن لدى المصريين أي نية لإنفاق مواردهم المحدودة على تمويل الحملة، لذا سعوا للحصول على داعمين إضافيين. أول هؤلاء الداعمين كان الإمارات العربية المتحدة، التي يمكن أن تُوفِّر أموالها الكبيرة نسبياً دعماً أكبر بكثير. وبعد شهرين إلى ثلاثة أشهر من بدء عملية الكرامة، كانت الإمارات قد أصبحت بالفعل المُموِّل الرئيس لجيش حفتر.
وبحلول أغسطس/آب 2014، كان المصريون والإماراتيون يتدخلون مباشرةً في ليبيا. فكما أوضح أحد الخبراء الليبيين، كانت القاهرة سعيدة للسماح للدول الداعمة لحفتر باستخدام غربي مصر كنقطة انطلاق، خصوصاً في ظل تحمُّل أبوظبي معظم فاتورة أسلحة الجيش الوطني الليبي.
وفي فبراير/شباط 2015، أقنعت مصر روسيا عملياً بأنَّ حفتر يستحق الحصول على فرصة، وبأنَّ الكرملين عليه أن يفكر جدياً في المنافع المتأتية من دعم القائد الشرقي. والعام الماضي، صعَّدت فرنسا مستوى دعمها لحفتر، وهو ما عُزي إلى حدٍ كبير إلى الجهود المصرية/الإمارتية لإقناع باريس بأنَّ دعم جيش حفتر هو السبيل الأكثر حكمة لمعالجة الحرب الأهلية الليبية والتهديد الذي شكَّلته على الأمن الأوروبي.
مع ذلك، وعلى الرغم من أنَّ القاهرة جلبت العديد من الأطراف الفاعلة النافذة للاصطفاف خلف حفتر، فإنَّ المسؤولين المصريين ليسوا غافلين عن نقاط قوة وضعف جيش حفتر. إذ تعتقد القاهرة أنَّ حفتر من الناحية الواقعية ليس في موضعٍ يسمح له بتحقيق انتصارٍ عسكري على حكومة الوفاق الوطني والفصائل المتحالفة معها.
وينظر المسؤولون المصريون إلى جيش حفتر باعتباره مظلة جامعة غير منضبطة تضم تحتها العديد من الفصائل، مثل قوى السلفيين المتشددة، يُفضِّلون ألا تكون جزءاً من أي حكومة ليبية مستقبلية. وفي حين كانت القيادات المصرية ستُفضِّل سيطرة قوات حفتر على كامل ليبيا، فإنَّها بدأت بحلول أواخر عام 2018 تدفع حفتر باتجاه إيجاد تسوية سياسية للحرب الأهلية الليبية. وفي الوقت نفسه، كان المسؤولون في أبوظبي والرياض يشجعون حفتر على شن حملة شاملة لانتزاع السيطرة على طرابلس ومصراتة ومناطق أخرى من ليبيا لم تكن تحت سيطرة الجيش الوطني.
مصر لا تزال مهتمة بغرب ليبيا
تدرك القاهرة أنَّ الإمارات تُركِّز على الحرب وستواصل دعم قوات حفتر مالياً. لكنَّ مصر لا تتوقع أن يعيد الإماراتيون إعمار ليبيا بمجرد تسوية الحرب الأهلية. وفي المقابل، ترى مصر أنَّها ستضطلع بمعظم هذا الدور. ونتيجة لذلك، كان هناك تباينٌ واضح في الأولويات بين القاهرة وأبوظبي في ما يتعلَّق بغرب ليبيا. ففي نهاية المطاف، لا يُمثِّل شرق ليبيا إلا ثلث سكان ليبيا، في حين يستضيف غرب البلاد مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط وغيرهما، وقد تتاح للعمال المغتربين المصريين فرص حقيقية بمجرد انقشاع غبار الحرب. لذا، لدى مصر حافز لتثبيط أي استراتيجية من شأنها "التخلي" عن غرب ليبيا والتركيز حصراً على بنغازي ومناطق البلاد الأخرى التي باتت تحت سيطرة قوات حفتر.
ولهذا، ترى القاهرة أنَّ حفتر كان عليه تجنُّب "عملية تحرير طرابلس" الجارية، وانتهاج السبل الدبلوماسية بدلاً من ذلك لتحقيق السيطرة على طرابلس.
لكن على الرغم من المخاوف المصرية حيال هجوم قوات حفتر على طرابلس، والذي بدأ يوم 4 أبريل/نيسان الماضي، ظنَّت القاهرة أنَّه ما من خيارٍ أمامها إلا دعم هذا المسعى. ويتمثَّل أحد المخاوف الرئيسية لدى القيادات المصرية في أنَّ قبضة حفتر على السلطة شرقي ليبيا ربما تضعف نتيجةً لحملته الممتدة في الغرب، وهو الأمر الذي قد يخلق فراغاتٍ جديدة في السلطة يمكن أن تهدد الأمن المصري. عملت القاهرة ضد عقوبات الأمم المتحدة وواصلت القاهرة إمداد الجيش الوطني الليبي بالمعلومات الاستخباراتية والدعم العسكري على أمل تجنُّب تلك النتيجة.
وعلى الرغم من التكهُّنات بأنَّ الحكومة المصرية ستتخلى عن حفتر بسبب إحباطها من القائد الليبي، تشير المخاوف الأمنية والاقتصادية إلى أنَّ القاهرة ستواصل رعاية قواته في ظل استمرار الحرب الأهلية الليبية. ووفقاً لوجهة نظر القادة المصريين تجاه الحرب الأهلية الليبية، فإنَّ حفتر هو الفاعل الوحيد الذي يمكنه إرساء الاستقرار في ليبيا، وأثبت قدرته على القضاء على المجموعات الإسلامية في المناطق الحيوية على الصعيد الاستراتيجي.
إنَّ صعود حفتر للسلطة يشبه صعود الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ويتشاطر الرجلان أهدافاً سياسية مشتركة وإيماناً بضرورة وجود جيشٍ قوي لغرض تحقيق تلك الأهداف. وقد اتخذ الرجلان موقفاً متشدداً من الإسلام السياسي، على الأقل علانيةً، ولدى كليهما رؤية لتخليص ليبيا ومصر من الإخوان المسلمين بصورة دائمة. ومع خلفيتيهما وأجندتيهما المشتركتين، فإنَّ السيسي وحفتر شريكان طبيعيان في ما يُصوِّرانه على أنَّه كفاحهما ضد التطرف.