العلاقة الروسية – الإيرانية.. هل تتحول لزواج «مصلحة» كاثوليكي لا طلاق فيه؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/09/07 الساعة 15:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/16 الساعة 16:23 بتوقيت غرينتش
الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الروسي فلاديمير بوتين/ الرئاسة الإيرانية

في الوقت الذي لا تزال فيه خطة الاتحاد الأوروبي إلى إنشاء "كيان لأغراض خاصة" لحماية التجارة الإيرانية من العقوبات الأمريكية تطغى على القيادة الإيرانية، فإن الحكومة الروسية اتخذت خطوة حاسمة لمساعدة إيران في الالتفاف على العقوبات من خلال السماح لطهران بنقل النفط الخام الخاص بها عبر موانئ القرم. 

روسيا.. الحصن المنيع دون عزل إيران

وليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تتصرف فيها روسيا باعتبارها "حصناً منيعاً" يحول دون ترك إيران في عزلة سياسية واقتصادية، بعد أن سلحتها في الماضي بأنظمة أسلحة وتقنيات عسكرية متقدمة. تخرج روسيا باستمرار عن أي إجراء عقابي يُتخذ ضد إيران، إذ استخدمت حق الفيتو ضد قرارات مجلس الأمن التي اعتبرتها لا تصب في صالح إيران (ولا يخرج عن هذا النمط سوى فترة وجيزة إبان رئاسة دميتري ميدفيديف، حين حاول هو والرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما "إعادة ضبط" العلاقات الروسية الأمريكية).

وبالحديث عن آخر محاولة للتوسع في التعاون الروسي -الإيراني، أعلن رئيس وزراء القرم جورجي مورادوف أن إيران يمكنها استخدام موانئ إقليم القرم المتنازع عليه لنقل النفط. 

تأتي هذه الأخبار بعد شهرين من إعلان موسكو وطهران أنهما ستجريان تدريبات بحرية مشتركة في مضيق هرمز الذي يحمل أهمية خاصة في منطقة الخليج، ويعد المضيق أهم شريان استراتيجي لنقل النفط والمكان الذي احتجزت إيران فيه ثلاثة صهاريج نفط حتى الآن خلال العام الجاري. وقد اكتسب زواج المصلحة القائم بين روسيا وإيران دفعة قوية بفعل الجهود الروسية لمساعدة إيران في الالتفاف حول العقوبات وتوسعة التعاون العسكري بين البلدين إلى درجة غير مسبوقة، حتى وإن كانت دفعة رمزية. تقول غونشة تازميني، الباحثة في مركز الدراسات الإيرانية بجامعة لندن، في مقالة منشورة بموقع Lebelog الأمريكي

كيف يمكن توصيف العلاقة الروسية الإيرانية؟

تقول تازميني، ظهرت الإشارة الأولى على تزايد التنسيق العسكري بين موسكو وطهران عام 2016، حين أطلقت روسيا أسطولاً من القنابل المخصصة للاستخدام في الحرب الدائرة في سوريا من قاعدة عسكرية إيرانية. وهذه هي المرة الأولى التي عمل فيها جيش أجنبي من داخل الأراضي الإيرانية منذ حوالي 100 عام. 

إذ إن المادة 146 من الدستور الإيراني تحرم بشكل قاطع دخول قوات أجنبية إلى الأراضي الإيرانية حتى ولو لأغراض سلمية. لذلك، فإن تلك المناورات كانت رمزية بطبيعتها، وشاهداً على تقارب متنامٍ في المصالح بين إيران وروسيا. وكذلك فإن التفاعل بين هاتين الدولتين لا يعني بالضرورة دخولهما في حالة "تحالف"؛ إذ لا يزال من غير الواضح، على سبيل المثال، إلى أي مدى يمكن لروسيا أن تبسط وجودها عسكرياً في حالة حدوث هجوم على إيران، أو بخلاف ذلك؛ وبالتالي فإن أفضل ما يصف الشراكة بين روسيا وإيران هو أنها "اصطفاف" إلى جانب بعضهما البعض.

وبسبب اختلاف الروايات التاريخية والخلفيات الأيديولوجية، فإن حالة الانسجام بين موسكو وطهران تعد بالفعل غريبة. لذلك فإن الاصطفاف بين الدولتين الذي يوصف أحياناً بأنه "شراكة عشوائية" وأحياناً بأنه "تحالف ظرفي"، يشوبه الغموض. 

وقد ظهرت المناورات التي تلعبها روسيا على إيران في عدة صور، تراوحت بين التعاون والنزاع. ثمة تكهن بأن الكرملين يتحرك في المقام الأول حسبما تمليه السياسة الواقعية، وأنه سيتخلى عن إيران إذا ظهرت أمامه عقود عسكرية ودفاعية مغرية مع "خصوم إيران الإقليميين" مثيل السعودية والإمارات. 

ظاهر الأمر أن موسكو منحت إسرائيل "الضوء الأخضر" لشن الهجمات على أهداف إيرانية في سوريا، في حين أنها رفضت رفع مستوى منظومة صواريخ الدفاع الجوي الإيرانية إلى منظومة S-400. كما يتضح أن روسيا قد تجاهلت عضوية إيران في منظمة شانغهاي للتعاون (رغم أن اللوم ينبغي أن يُلقى هنا على الصين) وحصلت كذلك من إيران على تريليونات الدولارات بموجب المعاهدة المعيبة التي وقعت في أغسطس/آب 2018، وحملت عنوان "معاهدة الوضع القانوني لبحر قزوين".

هل تراوغ موسكو في علاقتها مع طهران؟

تقول تازميني، ثمة أمور يشيع تداولها لإظهار أن موسكو تراوغ في التزاماتها تجاه طهران. غير أن الجنرال علي شمخاني -الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني- قد يختلف مع أصحاب هذا الرأي: في اجتماع مع مسؤولين روس في طهران في يوليو/تموز 2019، أكد شمخاني على المسار الإيجابي الذي يسير فيه التعاون الروسي الإيراني. وعبر عن امتنانه لمواقف روسيا "الحاسمة والمحايدة" فيما يتعلق بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، والوجود الإيراني في سوريا، وانتهاك طائرة تجسس أمريكية للمجال الجوي الإيراني، واحتجاز بريطانيا لحاوية النفط الإيرانية قرب ساحل جبل الطارق.

وفي موسكو، في 2 سبتمبر/أيلول، كرر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في اجتماع مع نظيره الإيراني جواد ظريف، موقف الكرملين الذي يتهم فيه الولايات المتحدة بالسعي بشكل صريح وبدعم من بعض حلفائها الإقليميين لاستفزاز إيران". وأثنى لافروف على الجهود التي تبذلها فرنسا مؤخراً لمحاولة للخروج من المأزق وإقناع الولايات المتحدة بتخفيف بعض العقوبات المفروضة على إيران.

وثمة رأي آخر مفاده أن درجة التوسع أو التقلص التي يشهدها التعاون الإيراني الروسي تتوقف في المقام الأول على ما إذا كانت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا ودية أو عدائية في ذلك الوقت. 

تقول تازميني هناك شيء من الحقيقة في هذا الرأي؛ ذلك أننا إذا نظرنا إلى الوراء في فترة رئاسة ميدفيديف، حين صوتت روسيا لصالح كافة القرارات الستة ذات الصلة بإيران التي مررها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بين عامي 2006 و2010. ومع ذلك، فإن روسيا لن تتخلَّى عن إيران لصالح الولايات المتحدة في الأجواء الحالية، ذلك بسبب وجود انفصام جوهري بين التصور الأمريكي والتصور الروسي للنظام العالمي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. وبذلك فإن أي ميل دائم وجوهري تجاه الولايات المتحدة سيتطلب إعادة تشكيل السياسة الخارجية تجاه الكرملين على أساس تقديم تنازلات وفق الأولويات والشواغل الروسية الرئيسية. 

وسيشمل هذا، على أقل تقدير، أن تتخلَّى واشنطن إلى الأبد عن توسيع حلف الناتو شرقاً، والتخلي عن التطلعات الجيوسياسية الروسية في المساحة التي كان يشغلها الاتحاد السوفيتي سابقاً؛ وهذا سيناريو مستبعد. يستند الاصطفاف الروسي الإيراني إلى قياس دقيق للأولويات الاستراتيجية والجيوسياسية المستمدة في تصورات مشابهة للنظام العالمي. 

نقاط الالتقاء الروسية الإيرانية

وبحسب تازميني، فإن النظام العالمي لمرحلة ما بعد الحرب الباردة، والذي شهد هيمنة الولايات المتحدة، جعل من اصطفاف طهران وروسيا معاً أمراً حتمياً. إذ إن هناك حالة من الاصطفاف الجوهري بين روسيا وإيران -إن لم تكن حالة تحالف- فيما يخص أنهما معارضتان للهيمنة الأمريكية، وأن كليهما ضد فكرة تمركز القدرة على فرض الأعراف وهياكل القوى في يد دولة واحدة أو مجموعة من الدول، لا سيما إذا كان هذا الفرض بالقوة. 

وبالتالي، فإن كلتا الدولتين توليان أهمية كبيرة لسيادة الدول، وكلاهما تدينان النهج التدخلي الغربي، وكلتاهما تزعجهما ثورات الأقليات أو الثورات التي تنادي بالديمقراطية، وتنظران إليها باعتبارها طريقة لترويج منظومة السلطة الأطلسية والإيديولوجية لمصالح الدول الغربية. 

وتتشارك نخبة الثورة الإيرانية مع نظرائها في الكرملين في الاعتقاد الراسخ بأن الأعراف الدولية الشائعة تستند على معايير مزدوجة مصممة لاستبقاء هيمنة الدول الغربية إلى الأبد. وبالتالي فإن ثقافة مناهضة الإمبريالية هي التي تملي على نخبة الثورة تفضيلاتها الاستراتيجية، وبالتالي، علاقاتها الثنائية مع دول مثل روسيا.

"اصطفاف ضد الهيمنة"

على الجانب الروسي، يُنظر إلى إيران باعتبارها لاعباً أساسياً في سعي موسكو لاصطفاف ضد الهيمنة، والذي تأمل أن يؤدي إلى ظهور تركيبة بديلة للشؤون العالمية، كما يظهر في كيانات من قبيل الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي، ومنظمة شانغهاي للتعاون، والبريكس، وتعميق التعاون مع رابطة دول الآسيان (ASEAN). ويرى البروفيسور ريتشارد ساكوا أن نمط النظام العالمي آخذٌ في التغير، وأن فترة "السلام البارد" بين روسيا والغرب -وهي فترة اتسمت في إخفاق المنظمات الأمنية الغربية في السمو بمؤسسات الحرب الباردة وعاداتها في وقت أبدت فيه روسيا انفتاحاً على التأقلم مع الأعراف والمؤسسات الغربية؛ وأن هذا التحول يسمح بتقليص المواجهة ثنائية القطب بين النظام العالمي الليبرالي ومقاومة بعض الدول، من بينها روسيا وإيران. ويفسر هذا نمط التعاون الأعمق والأوسع بين الدولتين.

وبالتالي، وبالرغم من تضارب المصالح والتصادم المستمر بين المسارات الجيوستراتيجية، فإن روسيا وإيران تتشاركان نفس المنظور الجيوسياسي للعالم الذي تحدده تلك المعايير المستمرة، ويشكله الإرث التاريخي والمفاهيمي، والمزايا الثقافية-الحضارية، والقيم العرفية، ومنظور غير متسق مشبه فيما يتعلق بالغرب. 

وتجب الإشارة هنا إلى أن شبكة معقدة من العلاقات "داخل النظام" العالمي هي ما ستحدد شخصية العالم القادمة "متعددة الأنظمة". وبالتالي فإن روسيا وإيران مستكينتان بشكل كامل في مرحلة التعاون "داخل النظام". والفكرة هنا لا تتمثل في اجتثاث النظام العالمي، وإنما في إفساح المجال لدول مثل روسيا وإيران التي لا تتناسب بشكل كامل داخل المنظومة القائمة، كما تقول تازميني.

تحميل المزيد