انتقادات حادة وجهت إلى دعوة قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح إلى إجراء انتخابات رئاسية عاجلة.
وكان صالح قد جدد دعوتهىد لإجراء انتخابات بشكل عاجل وذلك خلال زيارته الأربعاء 4 سبتمبر/أيلول 2019 للمنطقة العسكرية ببسكرة بجنوب شرق الجزائر.
واعتبر صالح أن تنظيم الانتخابات قبل نهاية العام الجاري 2019، يعد الحل الأمثل للخروج بالجزائر من الأزمة التي تعيشها، مع غلق الأبواب أمام المترصدين للوضع.
وقال القايد صالح في كلمته " فيما يخص الانتخابات الرئاسية، فالوضع لا يحتمل المزيد من التأخير، بل يقتضي إجراء هذه الإنتخابات المصيرية في حياة البلاد ومستقبلها في الآجال التي أشرت إليها في مداخلتي السابقة (استدعاء الهيئة الناخبة في 15 سبتمبر/أيلول 2019)".
وأضاف " آجال تنظيم الانتخابات الرئاسية معقولة ومقبولة تعكس مطلبا شعبيا ملحا كفيل بإرساء دولة الحق والقانون، ومن شأنها أن ترسو بالجزائر إلى بر الأمان والاستقرار، وغلق الأبواب أمام المتلاعبين بمصير الدولة".
تصريحات الفريق أحمد قايد صالح ببسكرة، تأتي لتأكيد ما دعا إليه في زيارته لمركز قيادات للناحية العسكرية الرابعة بورقلة (جنوب شرق الجزائر) في 2سبتمبر/أيلول 2019، والتي دعا فيها لتنظيم انتخابات رئاسية قبل نهاية العام الجاري، مع الانطلاق في استدعاء الهيئة الناخبة منتصف الشهر الحالي.
الجيش يتحدث باسم الشعب
قيادة أركان الجيش في الجزائر بقيادة الفريق أحمد قايد صالح، أكدت من خلال الكلمة والبيانات المنشورة بالموقع الرسمي لوزارة الدفاع الجزائرية، بأن الوضع في الجزائر يتطلب التعجيل في تنظيم الانتخابات.
وقال أحمد قايد صالح "ان الانتخابات مطلب شعبي، بالنظر إلى الوضع السياسي الذي تعيشه البلاد، ولا يمكن في كل الأحوال تأخير إجراءات تنظيم الانتخابات أكثر، وآجال استدعاء الهيئة الناخبة في 15 سبتمبر/أيلول 2019، هي آجال معقولة جدا".
وأضاف القايد صالح "الجيش سيظل متمسكا بالحل الدستوري للأزمة، ويعمل على مرافقة الشعب الجزائري الأبي الذي يطالب بإلحاح بالتعجيل في إجراء الانتخابات الرئاسية، هذا الشعب ، والذي التف بقوة حول جميع المبادرات الخيرة التي قدمتها المؤسسة العسكرية".
ووجهت قيادة الأركان رسالة للذين يستهدفون المؤسسة العسكرية قائلة" اتركوا الجزائر لأبنائها الأوفياء فهم جديرون بها وقادرون على بنائها وحمايتها.
وأضاف أن هذا الشعب، الذي يضرب به المثل في حب الوطن والإخلاص، أيد وبارك مساعي المؤسسة العسكرية".
"لا انتخابات مع العصابات"
رد جزء من الشارع الجزائري بسرعة على نداءات القايد صالح بتنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال، واعتبر الكثيرون أن الوضع الذي تعيشه البلاد، وطبيعة الحكومة والوزراء تتطلب تأجيل عملية الانتخابات إلى حين.
عبدون محمد البشير مواطن من ولاية سطيف شرق الجزائر، يرى بأن الانتخابات في ظل بقاء رئيس الدولة الحالي عبد القادر بن صالح، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي مستحيلة.
وقال لعربي بوست "لا يخفى على أحد ضلوع الوزير الأول نور الدين بدوي في أكبر عملية تزوير في تاريخ الجزائر، بجمع 7 ملايين استمارة موقعة لصالح الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، فكيف للشعب أن يثق في انتخابات يؤطرها".
جميلة باباس مواطنة من نفس الولاية تؤكد نفس الكلام لعربي بوست بالقول "رددنا في كل المسيرات بأنه لا وجود للانتخابات إلا برحيل العصابات، ونقصد بذلك كل من تورط في النظام السابق وسانده من قريب ومن بعيد.
وتردف " على مؤسسة الجيش أن تؤجل تفكيرها في الانتخابات، لان الجميع في الجزائر مؤمن بأن العملية الديمقراطية والنزيهة لاختيار الرئيس القادم للجزائر هو الحل الأمثل، لكن ليس في الوقت الراهن".
وكان الطلبة قد ردوا على دعوة القايد صالح أمام لجنة الوساطة والحوار الوطني، من خلال وقفة رفضت فيها الانتخابات في ظل بقاء رموز النظام السابق.
لهذه الأسباب إجراء الانتخابات يكاد يكون مستحيلا
يرى الإعلامي الجزائري ياسين بودهان أن تنظيم الانتخابات في الوقت الذي أعلنه قايد صالح والذي سيكون منتصف ديسمبر/كانون الأول القادم أمر تعترضه الكثير من التحديات.
وقال بودهان ل"عربي بوست" :وحتى إذا نجحت السلطة في فرص هذه الانتخابات فإن خطر العزوف سيضرب بمصداقية هذا الاستحقاق الهام في تاريخ البلاد.
واستدرك قائلا "الكلفة الاقتصادية لعدم الاستقرار السياسي الذي تشهده البلاد منذ بداية الحراك الشعبي يجعل من مسألة تنظيم الانتخابات الرئاسية مسألة ملحة، لكن بالمقابل ينبغي النظر إلى فرص نجاح تنظيم هذا الاستحقاق".
يجب إزاحة الرئيس
ومع عودة المسيرات السلمية بقوة مع بداية سبتمبر/ايلول 2019 وتمسك المشاركون في الحراك بضرورة رحيل حكومة بدوي واستبدالها بحكومة كفاءات وطنية في نظل بودهان يجعل تنظيم الانتخابات شبه مستحيلا في هذه الظروف.
ويضيف محدثنا " لا جدوى من المشاركة في انتخابات بنفس الآليات التي كانت تنظم بها سابقا خلال ما أطلق عليه بحكم العصابات، وبقاء شخصيات منبوذة شعبيا على رأس الحكم بمن فيهم رئيس الوزراء ورئيس الدولة".
وبقاء بدوي كرئيس للوزراء في رأي سامر كريم أستاذ العلوم السياسية بجامعة قسنطينة سيجعل من تنظيم الانتخابات أمرا مستبعدا جدا.
إذ يقول ل-"عربي بوست": لا يؤمن بحل سياسي في ظل بقاء أسماء محسوبة على النظام السابق بالسلطة وعلى رأسها الوزير الأول نور الدين بدوي".
ويضيف قائلا : وعلى المؤسسة العسكرية "أن تفكر في طريقة لإزاحة رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي قبل التفكير في أي خطوة لأي حل سياسي".
المؤسسة العسكرية تجاوزت صلاحياتها
سفيان جيلالي رئيس حزب جيل جديد، يرى بأن الكلام عن الانتخابات السياسية والقرارات الخاصة لالحل السياسي عامة ليس من مهام المؤسسة العسكرية.
ويقول جيلالي في تصريح لعربي بوست "الرئاسة هي الجهاز الوحيد المخول للحديث عن الانتخابات الرئاسية ومواعيدها معتبرا أن ما قامت به المؤسسة العسكرية هو تداخل في الصلاحيات والمهام".
رئيس حزب جيل جديد لا يرفض متابعة الجيش للحل السياسي وتنظيم الانتخابات فهذا من مهامه الدستورية والأخلاقية،حسبما يرى.
لكنه قال أن يصدر منه قرار تنظيم الانتخابات من عدمه أو تحديد مواعيد لذلك فهذا غير مقبول".
من جهته انتقد رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله، قرار مؤسسة الجيش، واعتبرته متعجلا جدا، ولا يمكن أن يتماشى مع الوضع الراهن للجزائر خاصة من الناحية السياسية.
ويؤكد جاب الله في حديثه لعربي بوست، "بأن إعادة بيت الوضع السياسي، وبناء حوار جاد بشخصيات توافقية، مع هيكلة لجنة وطنية لتنظيم الانتخابات، تكون مستقلة وبعيدة عن قرارات الإدارة، أولى في الظرف الراهن من الحديث عن الانتخابات".
مؤسسة الجيش تعجلت كثيرا في كلامها الأخير عن الانتخابات، وهي تعي حسب جاب الله "بأن الشعب سيرفض الانتخابات كليا في وجود الوزير الأول نور الدين بدوي ورئيس الدولة عبد القادر بن صالح".
الحزب الحاكم يرحب ويثير الشكوك
سارعت جبهة التحرير الوطني الحزب الحاكم للجزائر منذ الاستقلال 1962، لإصدار بيان ثمن فيها دعوة القايد صالح لاستدعاء الهيئة الناخبة، واعتبرت الخطوة مهمة جدا لإخراج الجزائر من الأزمة السياسية التي تعيشها.
وقال البيان " الاقتراحات التي جاءت بها المؤسسة العسكرية جاءت استجابة للمطالب الشعبية بالإسراع في تنظيم انتخابات رئاسية، وهي مقترحات تنسجم مع مبادئ الحزب الذي يؤكد بإستمرار على ضرورة إجراء انتخابات رئاسية في اقرب الاجال".
وجدد حزب جبهة التحرير الوطني استعداده للمساهمة الفعالة وتجنيد كل مناضليه ومحبيه من أجل المشاركة القوية في الاستحقاق الرئاسي ومرافقة مؤسسة الجيش في الحلول التي تنادي اليها
أستاذ العلوم السياسية بجامعة قسنطينة سامر كريم، يعتبر مسارعة حزب جبهة التحرير الوطني في مساندة قرارات الجيش، بمثابة عامل إضافي لتنفير الناس من قرارات ومقترحات المؤسسة العسكرية.
ويقول لعربي بوست "حزب الآفلان (جبهة التحرير ) على رأس الأحزاب التي طالب الحراك الشعبي بحلها، لأنها في نظر الشعب سبب بلاء الجزائر وأزمتها، وكل مقترح أو مبادرة تقف الجبهة في صفها يرفضها الشعب"، حسب قوله.
"الانتخابات"تمويه من الجيش.. مخاوف من السيناريو القاتم
يرى البعض بأن دعوة المؤسسة العسكرية لإجراء انتخابات منصف ديسمبر/كانون الأول 2019 ما هو إلا تمويه لخلط الحسابات بين التيارات المتصارعة على رأس الهرم، بين المؤسسة العسكرية ومؤسسة الرئاسة.
فقائد الأركان أحمد قايد صالح ومن ورائه المؤسسة العسكرية متأكد بأن الانتخابات مستحيلة في المواعيد التي تكلم عنها، ولكنه متمسك به كحل، حسبما يقول يرى المحلل السياسي عبد الحليم محنان.
ويقول محنان لـ "عربي بوست "أسلوب التعجيل بتنظيم انتخابات رئاسية كما أشارت إليه هيئة الأركان، أسلوب تمويهي، يراد من ورائه الوصول الى حل دستوري بطريقة ذكية".
و يضيف "كلنا يعلم، كما يعلم الجيش ومنه القايد صالح، بأن الشعب سيرفض الانتخابات بوجود أسماء كبدوي وحكومته ورئيس الدولة، وستفشل كل الحلول الدستورية المرتقبة، غير أن هناك مخرج وهو ما تفكر فيه المؤسسة العسكرية".
الحل يضيف المتحدث "هو حل دستوري بدعم المؤسسة العسكرية، لبلوغ مرحلة تسيير المجلس الأعلى للأمن لأمور البلاد،
ومربط الفرس بحسب محنان "هو حل لحكومة نور الدين بدوي ، ورحيل الأسماء التي كانت وراء تعقيد الوضع السياسي ليتم التفكير بعدها بانتخابات شفافة نزيهة، كما يطالب الجميع".
ولا يستبعد المحلل السياسي تعالى أصوات لاحقا لرفض هذه الحلول خاصة وأن الانتخابات التي دعا اليها القياد صالح مرفوضة من الآن، وبالتالي "فمرحلة الوصول إلى تسيير المجلس الأعلى للأمن قادمة لا محالة".