ثورة ضد النفوذ الإماراتي تشهدها جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها دولياً تطوّرت إلى عمل مسلَّح، يُهدِّد بتقسيم البلاد المنفصلة أصلاً عن جمهورية الصومال الفيدرالية.
فقد انشقَّ عناصر وأفراد في الجيش التابع لحكومة أرض الصومال، وأعلنوا عن تأسيس مجموعات انفصالية في عدد من الإقاليم (في شرق وجنوب أرض الصومال) تحت مسمى الجيش الحر.
توسع النفوذ الإماراتي في بلادهم، وخاصة الاتفاق الذي منح أبوظبي حقّ استغلال ميناء بربرة الحيوي هو أحد أسباب الثورة، حسبما قال عدد من قيادات التمرد.
ويعارض المتمرِّدون الذين يهدِّدون بانفصال مناطقهم توجهات الحكومة الحالية لأرض الصومال، والتي يقودها الرئيس موسى بيهي، المدعوم بشكل سياسي واقتصادي من حكومة أبوظبي.
وأكثر ما يغضبهم هو الاتفاق الثلاثي الذي تم توقيعه بين أرض الصومال وشركة موانئ دبي العالمية وإثيوبيا، بشأن ميناء بربرة في مارس/آذار 2018.
وكان مسلحان قد قتلا في فبراير/شباط 2019 رئيس عمليات شركة موانئ بي آند أو المملوكة لحكومة دبي في منطقة بلاد بنط شبه المستقلة بالصومال الاثنين.
تجدر الإشارة إلى أن مناطق شمال الصومال استقلت عن المستعمر البريطاني في 26 يونيو/حزيران 1960، لتعلن بعد أربعة أيام مناطق جنوب الصومال استقلالها أيضاً عن المستعمر الإيطالي، واندمجا في يوليو/تموز من العام نفسه ليكونا جمهورية الصومال الديمقراطية برئاسة آدم عبدالله حسن.
وبعد انهيار جمهورية الصومال المركزية عام 1991، إثر سقوط نظام سياد بري سارعت مناطق شمال الصومال إلى بناء كيان سياسي مستقل في ظلِّ غياب الاستقرار في الجنوب الذي تتواجد به العاصمة مقديشو.
ومنذ ذلك أعلنت جمهورية أرض الصومال الاستقلال، ومازالت تصر عليه رغم استقرار الأوضاع نسبياً في الجنوب.
ما هو عدد المتمردين وما الذي استفزهم لهذا الحد؟
تقدّر المجموعات الانفصالية في منطقة صوماليلاند، التي تتحرك تحت مسمى "الجيش الحر" بعشرة آلاف جندي، حسبما قالت مصادر مطلعة على الأزمة لـ "عربي بوست" .
وانشقَّ قسم كبير منهم عن الجيش الرسمي لحكومة أرض الصومال، مؤسسين ما يُعرف بـ "الجيش الحر" .
وأعلن آخرون من خارج الجيش الانضمام له، احتجاجاً على ما وصفوه بـ "التوجهات المشبوهة" التي تمارسها حكومة البلاد، خاصة فيما يتعلق بإدخال شركة ميناء دبي إلى ميناء بربرة وخطة الإمارات لتأسيس ميناء بديل لميناء بربرة، بالإضافة إلى معسكر ومطار يخدم أبوظبي في تلك المنطقة، ويبعد عن ميناء بربرة الرسمي 25 كم.
ويخشى المتمرّدون من أن الصلاحيات الممنوحة للإمارات تمثل انتهاكاً لسيادة البلاد، حسبما قالت سعيد هيبة القيادي بالتمرد.
كما أنهم يشكون من أنه تم استبعاد الصوماليين من إدارة الميناء والعمل به، وجلب الهنود بدلاً منهم.
كما يخشى الثوار من نفوذ إسرائيلي سرّي في منطقتهم، في ظلِّ العلاقات المتنامية بين الإمارات وإسرائيل.
إنهم يتفقون لأول مرة مع الحكومة الشرعية
وطالبت المجموعات الانفصالية في أرض الصومال الحكومة التي تسيطر على البلاد بإيقاف تمدد نفوذ حكومة الإمارات، والذي أثار غضب الكثير من العسكريين داخل الجيش التابع لأرض الصومال.
ويثير هذا النفوذ الإماراتي المتزايد حفيظة الكثيرين في أرض الصومال، معتبرين أنّ هذه الاتفاقية الأخيرة تنتهك سيادة بلادهم، حسبما يقول سعيد هيبة أحد قيادات الجيش الحر المتمرد.
بدورها اعتبرت حكومة مقديشو (المعترف بها دولياً)، الاتفاقية باطلة، وانتهاكاً لوحدة أراضيها.
وأعلنت حكومة مقديشو رفض هذا الاتفاق الثلاثي بين دولة الإمارات وحكومة أرض الصومال والحكومة الإثيوبية، باعتبارها اتفاقية "غير شرعية"، حيث لم تبرم عبر الإجراءات والطرق القانونية.
واعتبرت حكومة الصومال أنّ أي اتفاقية من هذا النوع لا بدّ أن تكون عبر الحكومة الاتحادية الصومالية، مؤكداً بطلانها لكونها أبرمت خارج الهيئات المعنية.
وقالت مصادر مطلعة لـ "عربي بوست"، إن التشابه بين مواقف المتمردين في أرض الصومال، والحكومة المركزية في مقديشيو لا يعني أن المتمردين يريدون توحيد أرض الصومال مع جمهورية الصومال الفيدرالية، فهم يتفقون معها في رفضهم للنفوذ الإماراتي فقط.
وكانت شركة "موانئ دبي العالمية" الإماراتية قد أعلنت أنَّ الاتفاقية الثلاثية بين حكومة أرض الصومال وإثيوبيا لتطوير ميناء بربرة (شمال)، قانونية ولا تمس السيادة لدولة الصومال.
لماذا يكتسب اتفاق مدينة بربرة كل هذه الأهمية؟
بربرة مدينة ساحلية منسية تطل على خليج عدن.
إلا أنَّ كل شيء في المدينة قد تغير أثر الاتفاق الأخير مع شركة موانئ دبي العالمية، الذي كرّس من جمهورية أرض الصومال عنصراً أساسياً في لعبة التنافس الاقتصادي القائمة على الضفة الإفريقية من البحر الأحمر.
فموقع مرفأ المدينة عند مدخل مضيق باب المندب أحد أهم المعابر البحرية العالمية التي تمر عبرها تجارة الطاقة، يفتح الباب أمام الكثير من الأحلام خصوصاً.
ويمنح الاتفاق 51% لشركات مواني دبي و30% لأرض الصومال و19% لإثيوبيا.
ومنذ حصول الاتفاق تضاعف حجم الحاويات التي تعبر ميناء بربرة، ومع انتهاء الأشغال من المتوقع أن يتضاعف الحجم خمس مرات، ليصل عندها إلى مستوى حجم الحاويات التي تمر بموانئ جيبوتي.
ولم تتم الاستجابة لمحاولات مراسل عربي بوست الحصول على رد من حكومة أرض الصومال.
أين يتركز التمرد؟
معارك وجبهات قتال ضارية تجري بين الجيش التابع لحكومة أرض الصومال وبين المعارضين الذين يقودهم الجنرال محمد أوتوم، ويسانده الجنرال سعيد جامع، الذي يعدّ أحد أبرز القيادات البارزة للانفصاليين.
ويقول سعيد هيبة إن الانفصاليين ينشطون في ثلاثة أقاليم مهمة هي:
- إقليم سناج (Sanaag): وعاصته مدينة عيريجابو، ويعدّ هذا الإقليم هو الإقليم الأهم لقوات المعارضة وما يعرف بـ "الجيش الحر" في البلاد.
- الإقليم الثاني هو إقليم توجطير (Togdheer) وعاصمته هي مدينة بورعو وتعدّ العاصمة الثانية للبلاد.
- الإقليم الثالث هو إقليم صول (Sool): وعاصمته مدينة لاس عانود.
ستة شروط للمتمردين
الجيش الحر حدَّد ستة مطالب وشروط أساسية، حسبما قال لـ "عربي بوست" القيادي المتمرد سعيد هيبة، الذي انفصل مؤخراً عن الجيش التابع لحكومة لأرض الصومال.
ويضيف قائلاً: على حكومة أرض الصومال الحالية الموالية للإمارات تنفيذ هذه الشروط والعمل بها.
وهي تتمثل في الآتي:
1- تقاسم السلطة بين المعارضة "الانفصاليين" والحكومة الحالية.
2- تقاسم النفوذ والثروة الاقتصادية للبلاد بين الانفصاليين والحكومة
3- طرد الشركات الإماراتية خارج البلاد وعلى رأسها شركة موانئ دبي العالمية من إقليم أرض الصومال.
4- منع أي تدخل خارجي أو أجنبي مستقبلي في شؤون وإدارة البلاد.
5- توفير العدالة والمساواة بين جميع فئات الشعب.
6- حرية الرأي والتعبير وعدم التعرّض للصحافة وكتّاب الرأي.
ويشير هيبة في سياق آخر إلى أنّ هناك معارك مستمرة ضارية تجري بشكل يومي بين القوات الرسمية للبلاد والجيش الحر "الانفصالي" .
وتحدَّث عن وجود انشقاقات يومية تقدّر يومياً بعشرات الجنود في صفوف جيش حكومة أرض الصومال الوطني، وذلك لعدم رضاهم عن أداء الحكومة وعن النهج الذي تسير عليه في تبعيتها للإمارات.
يقولون إن الإمارات ساعدته في تزوير الانتخابات
وقال إنَّ الكثير من أفراد الجيش الرسمي باتوا متأكدين يوماً بعد يوم أنّه لا مستقبل للحكومة الحالية بقيادة موسى بيهي عبدي، وهو الرئيس الخامس والحالي لدولة صوماليلاند، غير المُعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وأحد الاتهامات التي تغضب المتمردين ضد الإمارات، هو تزويرها للانتخابات التي أدت إلى وصول بيهي للرئاسة.
إذ يقول هيبة "إنّ الرئيس الحالي موسى بيهي كان قد وصل إلى الرئاسة، في 13 ديسمبر/كانون الأول 2017، في انتخابات مزورة وغير نزيهة، وقامت بمساعدته في ذلك حكومة أبوظبي عبر إرسال بطاقات انتخابية مزورة تمّ طبعها في شركة الغرير للطباعة والنشر بدبي"، حسب قوله.
ويضيف هيبة قائلاً: "بعد وصول موسى هيبة إلى الرئاسة، عملت حكومته على زيادة النفوذ الإماراتي في أرض الصومال، وقامت الحكومة الحالية بتوقيع اتفاقية جديدة مع شركة "موانئ" بالإضافة إلى دولة إثيوبيا، وذلك في مطلع مارس/آذار العام الماضي 2018، لتشغيل ميناء "بربرة" الصومالي.
وقال القيادي المتمرد إن "الأمر الذي أجَّج من الأوضاع في إقليم أرض الصومال، وزاد من وتيرة الاحتجاجات، خاصة في صفوف الجيش الوطني في الإقليم، وأدى ذلك إلى تكوين ميليشيات انفصالية ناصبت العداء لحكومة أرض الصومال وتوجهاتها الحالية" .
وكشف سعيد هيبة أنّ الإمارات قامت بتأسيس مطار عسكري وميناء بديل آخر عن ميناء بربرة تحسباً لأي ظروف، بالإضافة إلى قاعدة عسكرية تضم عناصر إماراتية، وذلك بالقرب من ميناء بربرة، حيث تبعد عنها 25 كم.
وأكدت مصادر خاصة لـ "عربي بوست"، رفضت الكشف عن اسمها، صحة المعلومات بشأن المطار الذي أسسته الإمارات.
سر إصرار أبوظبي على إيجاد موطئ قدم في الصومال رغم كل الصعوبات
وعلى الرغم من كل هذه الاعتراضات، سواء من قبل الحكومة المركزية أو المعارضة في أرض الصومال مازال ميناء بربرة الحالي يعمل تحت إدارة شركة "موانئ دبي"، وفي ظل أوضاع أمنية الصعبة تواجهها حكومة أرض الصومال.
ولا تزال حكومة أرض الصومال غير المعترف بها دولياً تصرّ على تمرير الاتفاقية واستمرارها مع الجانب الإماراتي، وذلك باعتبار أبوظبي حليفاً وأكبر داعم لها.
وتسعى أبوظبي إلى زيادة نفوذها في الصومال، متخذة من الشمال الصومالي "صومالاند" محطة أساسية لمزاحمة النفوذ القطري-التركي في جنوب الصومال، كما تسعى أبوظبي لإيجاد موطئ قدم لها وترسيخ وجودها في القرن الإفريقي، في ظل التنافس الحاد من الأطراف الإقليمية.
ومن المعروف أنَّ أرض الصومال تحتل موقعاً استراتيجياً في منطقة القرن الإفريقي، وتحظى بأهمية خاصة لشركات النفط العالمية، بسبب قربها من منابع بترول الخليج، ولأنها قريبة من المدخل الجنوبي للبحر الأحمر شريان التجارة البحرية العالمي، ومن ثم فإن من له نفوذ بها يتحكم في طريق التجارة العالمي، خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج، والمتوجهة إلى أوروبا، والولايات المتحدة.
كما أنها تُعد ممراً مهماً لأي تحركات عسكرية، قادمة من أوروبا، أو الولايات المتحدة، في اتجاه منطقة الخليج العربي، ولا تقتصر أهمية القرن الإفريقي على اعتبارات الموقع فحسب، وإنما تتعداها للموارد الطبيعية، خاصة النفط والأراضي الزراعية الخصبة والثروة الحيوانية الهائلة.
يقول المحلل السياسي الصومال يحيى يوسف لـ "عربي بوست"، إنّ أبوظبي استغلت حكومة أرض الصومال للدخول للمنطقة، وذلك في ظل تزايد النفوذ التركي في الصومال، الذي تبلور في افتتاح أكبر مركز عسكري تركي في العاصمة مقديشو (مقر الحكومة المعترف بها دولياً)، وذلك في 30 من سبتمبر/أيلول 2017، والتي تسعى عبره أنقرة إلى تدريب أكثر من 10 آلاف جندي صومالي على يد 200 ضابط تركي، حسب قوله.
وتسعى أبوظبي في مواجهة المعادلة التي فرضتها أنقرة على الأرض إلى اللعب على جانب التوترات السياسية القائمة بين حكومة الصومال الفيدرالية وبين حكومة أرض الصومال بالشمال، خاصة بعد الاتفاقية الأخيرة المتعلقة بميناء بربرة في الشمال الصومالي.
كما تدعم الإمارات إثيوبيا، المنافس التاريخي للصومال.
إذ يقول يحيى يوسف إن أبوظبي تعهدت بتقديم ثلاثة مليارات دولار على شكل مساعدات واستثمارات إلى إثيوبيا، في إظهار لدعم كبير لرئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبي أحمد علي.
نفط الصومال فتح شهية أبوظبي
ويؤكدّ يوسف أنّ أبوظبي يمَّمت قبلتها نحو الصومال، وزادت من شهيتها نحوه، وذلك بعد ظهور تقارير دولية بوجود كميات كبيرة من النفط في مناطق وأقاليم الصومال، حيث تشير المسوحات ذات الأبعاد الثلاثية (السيزمية) التي أجرتها شركتا "سوما أويل" و "اسبكترام جيو" البريطانيتان إلى وجود ثروة نفطية واعدة في المياه الصومالية، تقدر بـ100 مليار برميل، حسب قوله.
وكانت شركة "جينل إنرجي" النفطية التي يتركز نشاطها في كردستان العراق قد أعلنت العام الماضي 2018 نيتها بدء عمليات الحفر في أرض الصومال لاستكشاف النفط.
وقال مدير الشركة "في الأمد الطويل، أنا معجب فعلياً بالأصول الاستكشافية (التابعة للشركة) في أرض الصومال، فهي تعطيني شعوراً مماثلاً، لما أعطته كردستان قبل 15 عاماً".
ومنذ أكثر من 12 عاماً تحدثت صحيفة الاتحاد الإماراتية عن احتياطات الغاز الضخمة في الصومال.