بعد ما يقرب من تسعة أشهر من العنف والجدل، اقترب السودان خطوة من تشكيل حكومة مدنية يوم السبت 17 أغسطس/آب، حين وقَّع زعماء المعارضة وجنرالات الجيش اتفاقاً لتقاسم السلطة، ولكن ما زالت هناك تحديات أمام انتقال السودان للديمقراطية.
إذ إن اختيار قائد عسكري مخيف للانضمام إلى طاولة التوقيع، وغياب نساء اضطلعن بدور حيوي في حركة الاحتجاج، يدلان على أن العقبات لا تزال قائمة في طريق السودان نحو الديمقراطية الكاملة، حسبما ورد في تقرير لموقع شبكة CNN الأمريكية.
تحديات أمام انتقال السودان للديمقراطية
وكان من المقرر أن يُحَل المجلس العسكري الانتقالي أمس الأحد 18 أغسطس/آب ويحل محله مجلس سيادي جديد، كان سيجتمع للمرة الأولى اليوم الإثنين 19 أغسطس/آب، ولكن خلافاً نشب داخل قوى إعلان قوى الحرية والتغيير، أرجأ إعلان تشكيل المجلس السيادي 48 ساعة.
ويُظهر هذا التأجيل احتمالات استفادة العسكريين من خلافات قوى الحراك من أجل البقاء في السلطة.
ويأتي الاتفاق بعد احتجاجات أطاحت الديكتاتور عمر البشير البالغ من العمر 75 عاماً، وأنهت حكمه الذي دام 30 عاماً للدولة الواقعة في شمال شرقي إفريقيا.
وتحت قبضة البشير الحديدية، نشأ جيل كامل في ظلال الحرب، حين لم يكونوا بمنأى عن تهديد التعذيب في "بيوت الأشباح" سيئة السمعة على الإطلاق، وكانت حرية الصحافة غائبة بالكامل.
وبعد إطاحة البشير، تدخل المجلس العسكري الانتقالي، وأعلن عزمه على وضع فترة انتقالية.
لكن المتظاهرين واصلوا مطالبتهم بالحكم المدني، ويوم السبت 17 أغسطس/آب، تدفق الآلاف إلى العاصمة للاحتفال بالتوقيع التاريخي.
تناقضات هائلة بين الموقِّعين على الاتفاق
وكان اختيار الموقعين في اتفاق تقاسم السلطة مليئاً بالرمزية.
إذ قدمت المعارضة- تجمُّع المهنيين السودانيين- أحمد ربيع، وهو معلِّم في مدرسة ويحصل على ما يعادل نحو 33 دولاراً شهرياً، ويرمز إلى المصاعب الاقتصادية التي يواجهها المهنيون وسط الفساد المؤسسي في السودان.
وفي الوقت نفسه، قدّم المجلس العسكري الانتقالي قائد قوات الدعم السريع شبه النظامية، الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي.
وقد أشرف هذا القائد المخيف، الذي كان الذراع اليمنى السابقة للبشير بالصراع الدامي في دارفور، على عديد من حملات قمع المتظاهرين، مثل تلك التي وقعت يوم 3 يونيو/حزيران حين قُتل أكثر من 100 شخص خارج مقر الجيش في العاصمة.
ماذا قال المتظاهرون لحميدتي؟
وحين خرج حميدتي من اجتماع التوقيع على وثيقة تقاسم السلطة، كان محاطاً بالمتظاهرين الذين أخذوا يهتفون: "الدم بالدم. لن نقبل أموالاً تعوضنا عن الدماء"، حسبما ماقاله شهود العيان لشبكة CNN.
وأمد حميدتي أيضاً التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن بقوات سودانية.
ويشير حضور وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، في اجتماع توقيع الوثيقة، إلى أن هذه الدولة الخليجية ستدعم حميدتي في بلده الأم.
في الواقع، كانت المملكة العربية السعودية، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة، من أوائل الدول التي اعترفت بحكم المجلس العسكري الانتقالي، إذ قدمتا تبرعات بقيمة مليار دولار لدعم الجيش حتى في ظل استمرار الاحتجاجات.
النساء غائبات رغم ما تعرضن له من فظائع
وما ميَّز اجتماع التوقيع الذي طال انتظاره أيضاً من كان غائباً عنه.
إذ اضطلعت النساء السودانيات بدور محوري في الحركة الاحتجاجية، حيث تشير بعض التقديرات إلى أنهن كن يمثلن ما يصل إلى 70% من المتظاهرين، ومع ذلك، تغيبن عن توقيع الاتفاق.
وكشف تحقيق أجرته شبكة CNN أن هذه كانت محاولة منهجية من الجنود لاستهداف المُتظاهِرات، اللائي كن يُؤخذن إلى أماكن احتجاز سرية، ويصُوَّرن عاريات، وفي بعض الحالات كن يُغتصبن.
هل يستطيع السودانيون محاسبة القتلة ومغتصبي النساء؟
تعهد المتظاهرون بمواصلة نضالهم لتحقيق العدالة.
إذ قال محمد ناجي الأصم، وهو طبيب يبلغ من العمر 29 عاماً ومتحدث باسم حزب قوى الحرية والتغيير المعارض، إن لجنة مستقلة ستحقق في الفظائع التي ارتُكبت في حق السودانيين منذ عهد البشير.
وقال في اجتماع التوقيع: "الانتقام ليس هو طريق هذا البلد الوطني. ولكن حان الوقت لمساءلة جميع من قمعوا الشعب السوداني".
ولكن هل تسمح تركيبة السلطة في المرحلة الانتقالية بمحاسبة المسؤولين الذين تورطوا في انتهاكات؟
مخاوف من تفاصيل الاتفاق
وينص الاتفاق، على تشكيل حكومة تكنوقراط بقيادةٍ مدنية ومجلسٍ سيادي، سيعملان بصفتهما مجلساً رئاسياً مشتركاً يضم خمسة أعضاء من المجلس العسكري الانتقالي وخمسة أعضاء من قوى إعلان الحرية والتغيير. ويُضاف إلى هؤلاء العشرة شخصيةٌ مدنية يقع عليها الاختيار بالتوافق بين الطرفين.
وسيقود الجيش رئاسة مجلس السيادة المقترح طوال الأشهر الـ21 الأولى، ثم تنتقل رئاسته إلى أحد الأعضاء المدنيين طوال الأشهر الـ18 المتبقية. وسيُحدِّد المرسوم الدستوري النهائي صلاحيات مجلس السيادة المقترح ووظائفه ومسؤولياته.
ونص الاتفاق كذلك، على أنَّ تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير سيختار رئيس وزراء مدنياً، ليُشكِّل حكومةً مدنية لا يزيد عدد وزرائها على 20 وزيراً، عدا وزيري الدفاع والداخلية اللذين يُعيِّنهما الأعضاء العسكريون في مجلس السيادة.
وسيُحدِّد المرسوم الدستوري المستقبلي صلاحيات مجلس الوزراء وسلطاته. وهناك بندٌ آخر في الاتفاق ينص على تشكيل مجلسٍ تشريعي بعد تشكيل مجلسي السيادة والوزراء.
وسيُسيطر تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير على ثلثي هذا المجلس، في حين سيخصَّص الثلث المتبقي للقوى الأخرى في المجتمع التي لم تشارك في توقيع الاتفاقية. وأخيراً، نصَّ الاتفاق، على تشكيل لجنة تحقيق للتحقيق في أحداث 3 يونيو/حزيران التي وقعت أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم.
ولكن هناك شكوك حول فاعلية هذه اللجنة إلى جانب تأثير سيطرة العسكريين على الجيش وقوات الدعم السريع.
ورشحت قوى الحرية والتغيير، يوم الخميس 15 أغسطس/آب، عبدالله حمدوك رئيساً للوزراء في الحكومة الانتقالية بالبلاد.
وكان حمدوك مسؤولاً بوزارة المالية السودانية في الثمانينيات، قبل تولي البشير السلطة.
وسيكون منصب رئيس الوزراء للفترة الانتقالية التي ستمتد ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، من اختيار قوى إعلان قوى الحرية والتغيير، على أن يتم إقراره من المجلس السيادي الذي ستكون رئاسته للعسكريين خلال المرحلة الأولى للفترة الانتقالية.
ومن المتوقع تعيين حمدوك رئيساً للوزراء رسمياً يوم 20 أغسطس/آب، وأن يؤدي القَسم في اليوم التالي.
ورغم هذا الحدث التاريخي لا يزال الطريق إلى الديمقراطية الكاملة طويلاً بالنسبة للسودانيين.