في استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة Syria Relief، أكبر مؤسسة خيرية تعمل لأجل سوريا في المملكة المتحدة، مع شركة يوجوف البريطانية، وجد أن قرابة واحد من كل أربعة أشخاص في المملكة المتحدة لا يعلم أن الصراع السوري لا يزال قائماً أو كان يعتقد أنه قد انتهى. يقول الرئيس التنفيذي لـ Syria Relief عثمان مقبل: "هذه اللامبالاة تجاه الصراع هي مأساة؛ لأننا بحاجة إلى اهتمام العالم بشأن سوريا الآن مثل أي وقت مضى".
إدلب مغيّبة عن العالم
يقول مقبل في مقالة نشرها بصحيفة The Independent البريطانية: رأيت مؤخراً تقريراً عن غارة جوية استهدفت منشأة طبية في محافظة إدلب السورية وأسفرت عن مقتل مسعف وسائق سيارة إسعاف. هذا ليس هدفاً عسكرياً مباحاً، بل منشأة طبية. وبعد فترة وجيزة، استهدفت غارة جوية المنشأة مجدداً. ووصف الباحث البريطاني بمعهد الشرق الأوسط، تشارلز ليستر، هذه الغارة بأنها "ضربة مزدوجة مصممة خصيصاً لاستهداف عمال الإنقاذ". ثم تفقدت الأخبار للاطلاع على ردود الفعل الغاضبة تجاه الأمر، لكن لم يكن هناك أي منها. تصفحت مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تكن هناك أي ردود فعل أيضاً.
كانت محافظة إدلب هدفاً لإحدى الحملات العسكرية منذ 30 أبريل/نيسان الماضي. كانت هناك أكثر من 800 حالة وفاة، من بينها 200 طفل، وهو الأمر الذي حذر البريطاني مارك لوكوك منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة من أنه قد يخلق "أسوأ كارثة إنسانية في القرن". يتعرض المدنيون ومدارسهم ومستشفياتهم ومنازلهم بوتيرة متزايدة للعنف. وتعرضت أربع من المدارس الثلاثة والخمسين التي نديرها في سوريا لضربات جوية في غضون ثلاثة شهور ونصف منذ بداية الحملة العسكرية على إدلب.
يتساءل مقبل: لذا، ورغم هذه المذبحة المحتدمة في إدلب التي أدت إلى نزوح 450 ألف شخص، لماذا تتجاهل المملكة المتحدة هذا الصراع أكثر من أي وقت مضى؟ لماذا لا يعلم 20% منَّا ما إذا كان الصراع السوري مستمراً أم لا، ولماذا يعتقد 3% منَّا أنه قد انتهى؟
الكل مشغول بأزماته.. ونسوا سوريا
يقول مقبل إن اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، وغيره من الاضطرابات السياسية الداخلية تستحوذ على حيز كبير من اهتمام الرأي العام الوطني بحيث لا يجري التركيز على القضايا الأخرى.
كذلك هناك قضايا أخرى بجانب سوريا، مثل اليمن وإيران والروهينغا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأزمة وباء الإيبولا، بالإضافة إلى القضايا المتعلقة بالولايات المتحدة وروسيا والصين. يضيف مقبل: عادةً ما يقود التيار اليساري البريطاني الاهتمام بالشؤون الخارجية، لكن سوريا كانت قضية يتردد اليسار في تناولها نسبياً، مع حيرة الشخصيات البارزة في التيار حول أي صف يأخذون النظام السوري أم المعارضة؟
يقول مقبل الرئيس التنفيذي لـSyria Relief: وجدنا أن الوعي بالصراع السوري كان في أعلى مستوياته خلال أزمة اللاجئين عام 2015، في أعقاب المشاهد المفجعة لجثة الطفل السوري ذي الثلاث سنوات إيلان كردي التي ظهرت على أحد الشواطئ التركية، وفي الوقت الذي كانت هناك مناقشة وجودية بالمملكة المتحدة حول كيفية استقبال اللاجئين وما إذا كان ينبغي استقبالهم، بالنظر إلى أن أحد أعراض هذا الصراع كان يصل إلى أعتابنا.
كان الوعي بالصراع السوري في أعلى مستوياته أيضاً عندما كان هو القضية الأهم في السياسة الخارجية آنذاك، أي حين إجراء التصويت على التدخل العسكري في سوريا عامي 2013 و2015، عندما كان علينا أن نسأل أنفسنا بوصفنا دولة ما إذا كنَّا نرغب في إرسال قوات إلى سوريا. الآن لا نجري هذه المحادثات في الداخل حول سوريا.
القضاء على داعش دفع الكثيرين لتجاهل سوريا
يردف مقبل: مع ذلك لم تحظ محنة السوريين بوصفها أزمة عالمية بالقدر ذاته من الاهتمام الذي حظيت به قضايا أخرى في التاريخ الحديث، مثل معارضة حرب العراق أو الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أو الاستجابة للمجاعة الإثيوبية.
يُعتبَّر العدو الأكبر للمملكة المتحدة في الصراع السوري هو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). فمنذ إعلان "هزيمته" في مارس/آذار الماضي، نرى القليل من أعمالهم الدعائية لفرض الخلافة العالمية التي يروجون لها. الآن خفت حدة الخوف من "داعش"، ما دفع البعض لتجاهل الوضع في سوريا.
الوضع في سوريا معقد للغاية بالنسبة للبعض. لديك "داعش" والنظام السوري والحكومة السورية المؤقتة والمعارضة. لديك قوات البيشمركة الكردية وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وقوات سوريا الديمقراطية. ثم هناك الأطراف الفاعلة الخارجية في الصراع: روسيا وإيران وحزب الله والولايات المتحدة وتركيا والعديد من الدول بما فيها نحن. وإذا تصفحت فقط أخبار الصراع السوري، قد يكون هناك أخبار أكثر من اللازم لمتابعتها؛ لذلك يتجاهل البعض متابعة الوضع كلياً.
"لن يغفر السوريون تجاهلنا لهم"
اقتربت هذه الحرب من عامها التاسع، أي أنها أطول من الحرب العالمية الثانية وضعف مدة الحرب العالمية الأولى تقريباً، لكن لا يمكننا تناسيها.
أصبحت إدلب على حافة كارثة إنسانية تتعلق بأرواح المدنيين. كل يوم تُقصَّف مدرسة أخرى ويُدمَّر مستشفى آخر ويخرج والد آخر جثة طفله من أنقاض منزله.
يختتم مقبل تدوينته بالقول: أهل إدلب بحاجة إلى اهتمامنا. إنهم بحاجة إلى المراقبة الدولية للجهات الفاعلة العسكرية في هذا الصراع، وهم بحاجة إلى سخاء هؤلاء الذين يرغبون في التبرع بالمال لتخفيف معاناتهم المتزايدة. لن يتحمل السوريون تجاهلنا لهم.