«الحشد الشعبي» في العراق.. دمجه في الجيش يبدو حلماً بعيد المنال

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/08/15 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/08/15 الساعة 16:26 بتوقيت غرينتش
مسلحون تابعون لقوات الحشد الشعبي الشيعية في العراق والممولة من إيران - رويترز

انتهت المهلة التي حددها رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي لوحدات الحشد الشعبي كي تندمج في الجيش الرسمي وقوات الأمن دون أن يحدث ذلك، بل وظهرت أصوات تطالب بحل الجيش واعتماد قوات الحشد بشكل رسمي مكانه، فما القصة، وماذا ينتظر العراق؟

موقع المونيتور الأمريكي تناول مسألة ميليشيات الحشد الشعبي في العراق والتي يدين معظمها بالولاء لإيران، وذلك في تقرير بعنوان: "الفصائل العسكرية الشيعية ما زال أمامها طريقٌ طويل للاندماج في الجيش النظامي العراقي".

مهلة عبدالمهدي انتهت في 31 يوليو/تموز الماضي، لكن المهمة نفسها لم تتم وما يزال هناك طريق طويل أمام تحقيقها.

قرار على الورق

إذ أصدر عبدالمهدي قراراً في الشهر الماضي يوليو/تموز يمنح وحدات الحشد الشعبي مهلةً حتى 31 من الشهر نفسه للاندماج الكامل في قوات الأمن العراقية، أو تسليم أسلحتها إلى الدولة.

رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي – رويترز

لكن بعد زيارته التي أجراها إلى العاصمة الإيرانية طهران في أواخر الشهر الماضي، غيَّر عبدالمهدي لهجته. وقال إنَّ دمج وحدات الحشد الشعبي في الدولة "سيستغرق وقتاً طويلاً. ولن يكون سهلاً كذلك".

وفي تناقضٍ مع تصريحاته السابقة، قال إنَّ وحدات الحشد الشعبي لن تُدمَج في الجيش العراقي والشرطة المحلية العراقية، بل ستعمل قوةً منفصلة تحت سيطرة الحكومة. وقال كذلك إنَّه  ينوي حل وحدات الحشد الشعبي أو إضعافها.

ترحيب أمريكي بالقرار

كان ماثيو تولر، السفير الأمريكي لدى العراق، رحَّب في اجتماعٍ مع بعض الصحفيين العراقيين يوم 3 أغسطس/آب الجاري بقرار المُهلة الذي أصدره عبد المهدي، قائلاً إنَّ العديد من العراقيين انضموا إلى وحدات الحشد الشعبي لطرد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من العراق، "لكنَّ بعضها يرتكب الآن أفعالاً لا تخدم مصلحة العراق"، على حد وصفه.

هذا وقدَّم فالح الفياض قائد وحدات الحشد الشعبي تقريراً إلى عبد المهدي في 31 يوليو/تموز حول التقدم المُحرَز في تنفيذ قرار الدمج.

وقال فياض: "أرسلت أوامر إلى جميع فصائل وحدات الحشد الشعبي بإغلاق مكاتبها الاقتصادية في جميع أنحاء العراق وقد تم ذلك بالفعل"، مضيفاً أنَّ دمج فصائل وحدات الحشد الشعبي في قوات الأمن الحكومية الرسمية سيستغرق مزيداً من الوقت.

يُذكَر أنَّ عبدالمهدي قال في مؤتمره الصحفي الأسبوعي الذي عُقِد يوم 23 يوليو/تموز الماضي إنَّ تنفيذ قراره قد بدأ، وإنَّ المرحلة الأولى منه ستشهد نقل جميع قواعد وحدات الحشد الشعبي بعيداً عن المناطق السكنية. لكنَّ موقع المونيتورلاحظ أنَّ العديد من القواعد والمكاتب العسكرية التابعة لوحدات الحشد الشعبي ما زالت تعمل في مناطق سكنية في بغداد ومدنٍ أخرى.

المكاتب الاقتصادية

وفي السياق نفسه، تُمثِّل المكاتب الاقتصادية التابعة لوحدات الحشد الشعبي مشكلةً أخرى يصعب حلها على المدى القصير، على الرغم من تصريح فياض بأنَّها أغلقت. إذ تشارك وحدات الحشد الشعبي في العديد من المشروعات التجارية في جميع أنحاء العراق، لذا سيستغرق إنهاء أنشطتها الاقتصادية واسعة النطاق بعض الوقت. 

ففي أوائل العام الجاري، ذكرت وكالة رويترز أنَّ فصائل وحدات الحشد الشعبي المدعومة من إيران تشارك في سوق الخردة المعدنية في العراق. فضلاً عن أنَّ كارثة غرق العبَّارة التي وقعت في مارس/آذار في مدينة الموصل رفعت الوعي العام بشأن الأنشطة الاقتصادية لوحدات الحشد الشعبي، إذ إن العبارة كانت تابعةً لشركةٍ مرتبطة بأحد فصائل وحدات الحشد الشعبي.  

إسرائيل تحارب الحشد؟

ويأتي هذا بالتزامن مع وقوع انفجارين في قاعدتينٍ عسكريتين تابعتين لوحدات الحشد الشعبي في محافظتي ديالى وصلاح الدين العراقيتين في الشهر الماضي. إذ وقع الانفجار الأول في مدينة آمرلي في منتصف الشهر، فيما وقع الثاني في معسكر أشرف في 28 من الشهر. ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" على لسان مصادر دبلوماسية غربية أنَّ إسرائيل شنَّت غاراتٍ جوية على القاعدتين العسكريتين. فيما نفت وحدات الحشد الشعبي وقوع غاراتٍ جوية، وأكَّدت أنَّ سبب الانفجارين هو مشكلاتٌ تقنية تتعلق بتخزين الأسلحة. وكذلك أنكرت الولايات المتحدة تورطها في ما حدث.

نتنياهو – رويترز

لكنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حذَّر إيران في العام الماضي 2018 من أنَّ  المصالح الإيرانية في العراق ستُضرَب إذا اعتُبرت أنَّها تُشكِّل تهديداً على إسرائيل. إذ قال في كلمةٍ ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول: "سنواصل اتخاذ إجراءاتٍ ضدكم في سوريا، وفي لبنان، وفي العراق. سنتخذ إجراءاتٍ ضدكم كلما وأينما تحتَّم علينا ذلك للدفاع عن دولتنا والدفاع عن شعبنا"، فيما التزمت الحكومة العراقية الصمت حيال الانفجارين.

عقوبات أمريكية

من ناحيةٍ أخرى، فإنَّ العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية الأخيرة على بعض قادة وحدات الحشد الشعبي وضعت هؤلاء القادة في مأزق. إذ انتقدت منظمة بدر بقيادة هادي العامري الإجراءات التي اتخذتها وزارة الخزانة الأمريكية، وطالبت الحكومة والبرلمان العراقيين بالوقوف أمام الولايات المتحدة، ومنع فرض مزيدٍ من العقوبات على وحدات الحشد الشعبي.

ومن جهته، أيَّد ماثيو تولر العقوبات التي فرضتها بلاده على أربعة أشخاصٍ عراقيين، قائلاً إن "هذه العقوبات ستعزز سيادة العراق".

ويرى بعض الساسة العراقيين أنَّ العقوبات الأمريكية تُعد جزءاً من قانون منع زعزعة استقرار العراق، وهو مشروع قانون طُرِح مراراً في مجلس النواب الأمريكي، لكنَّه لم يجتاز مجلسي الكونغرس قَط. وأُحيلت أحدث نسخةٍ من مشروع القانون، التي قُدِّمَت في يناير/كانون الثاني الماضي، إلى اللجنة القضائية الفرعية التابعة لمجلس النواب والمعنية بالهجرة والمواطنة في فبراير/شباط الماضي. 

وصحيحٌ أنَّ إقرار مشروع القانون الأمريكي لم يخرج من المجلس بعد، لكنَّه ما زال يثير الفزع في العراق. إذ أعرب تحالف البناء، الذي يعد جزءاً من تحالف الفتح التابع لوحدات الحشد الشعبي، عن اعتراضه على مشروع القانون في 30 يوليو/تموز، واصفاً إيَّاه بأنَّه تدخلٌ واضح في الشؤون العراقية.

ويخشى بعض الساسة العراقيين من أن تفرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوباتٍ على مزيدٍ من القياديين البارزين في وحدات الحشد الشعبي وبعض الشخصيات البارزة التابعة لها. وكذلك قال بهاء الأعرجي، نائب رئيس الوزراء العراقي سابقاً، إنَّه يعتقد أنَّ مشروع قانون مجلس النواب الأمريكي، في حال إقراره، من شأنه أن يردع الفصائل المسلحة التي تتعاون مع إيران عن تنفيذ أعمالٍ ضد الولايات المتحدة. 

ضرورة وجود دعم دولي

وعلى الجانب الآخر، التزمت فصائل وحدات الحشد الشعبي غير المُقرَّبة من إيران الصمت حيال العقوبات والإجراءات الأمريكية الأخرى ضد الأطراف المدعومة من إيران في العراق.

وكل هذا يُظهِر أنَّ الضغط على الأطراف المدعومة من إيران في العراق يبدو أنَّه يُجدي بعض النفع. وهناك كذلك خوفٌ متزايد من أنَّ اتخاذ إجراءاتٍ أشد صرامةً ضد قادة وحدات الحشد الشعبي يأتي في وقتٍ لا يحظى فيه هؤلاء القادة بدعمٍ من الحكومة العراقية ولا الشعب العراقي. وبغض النظر عمَّا سيحدث، ستظل مسألة القوات المدعومة من إيران قضيةً مهمة للغاية للحكومة العراقية، التي لن يتمكن مسؤولوها على الأرجح من التعامل بفعالية مع هذا الأمر دون دعم دولي.

تحميل المزيد