حوادث إطلاق النار العشوائي والعبثي في الولايات المتحدة الأمريكية والتي راح ضحيتها آلاف الأبرياء دون ذنب ولا حتى معنى فتحت موضوعاً شائكاً، وهو حق الأفراد في امتلاك الأسلحة النارية، فهذا نص دستوري، فما هي أبعاد قصة ثقافة السلاح في الولايات المتحدة مقارنة بباقي دول العالم وهل يمكن تغييرها؟
شبكة سي إن إن الأمريكية تناولت القضية في تقرير لها، جاء في بدايته "الولايات المتحدة. موطن الحرية، والبحث عن السعادة وأكبر عدد من حوادث إطلاق النار العشوائي في العالم".
أصبحت علاقة أمريكا الفريدة بحيازة الأسلحة -التي تعتبر حقاً في دستورها- أيضاً نقطة مركزية في نقاش مشحون بالانفعالات ومثير للانقسام حول معنى التعديل الثاني في الدستور الأمريكي الذي يتألف من سبعة وعشرين كلمة تمنح المواطنين الأمريكيين الحق في حيازة الأسلحة وساعدت أيضاً، في نظر العديد من المنتقدين، على نشوء ثقافة تشهد مقتل مواطنين على أيدي مواطنيهم المسلحين بالأسلحة النارية أكثر من أي دولة أخرى من الدول مرتفعة الدخل.
وتقع الوفيات الناتجة عن استخدام الأسلحة النارية في حوادث مأساوية في أنحاء البلاد يومياً. لكن حوادث إطلاق النار العشوائي هي في أغلب الأحيان ما يعيد إثارة النقاش الدائر حول قوانين حيازة الأسلحة في الولايات المتحدة وهي ما تسلط الأضواء على وضع هذه الحوادث باعتبارها حالة شاذة مقارنة بدول العالم.
ثقافة السلاح الأمريكية بالمقارنة مع بقية العالم
يُقدَّر عدد الأسلحة النارية المتاحة للمدنيين الأمريكيين بأكثر من 393 مليون سلاح، وفقاً لتقرير أصدره مشروع الدراسة الاستقصائية للأسلحة الصغيرة (SAS) الكائن في سويسرا.
والهند هي موطن ثاني أكبر مخزون من الأسلحة النارية التي يستخدمها مدنيون، ويقدر عددها بنحو 71.1 مليون سلاح.
وتشير أحدث التقديرات إلى أن مخزون الأسلحة المتوفرة للمدنيين في جميع أنحاء العالم يبلغ حوالي 857 مليون سلاح، بزيادة قدرها 32% عن عقد سابق، حين قدر مشروع الدراسة الاستقصائية للأسلحة الصغيرة وجود حوالي 650 مليون سلاح ناري يحمله مدنيون.
ويستمر إنتاج الأسلحة النارية في الانتشار في مختلف أنحاء العالم، متفوقاً بكثير على التأثيرات التي قد يسببها التدمير الناتج عن استخدام الأسلحة.
وفقاً لمشروع الدراسة الاستقصائية للأسلحة الصغيرة، من المستحيل تحديد العدد الدقيق للأسلحة النارية التي يحوزها المدنيون بسبب مجموعة متنوعة من العوامل منها الأسلحة التي لم تُسجل والإتجار غير المشروع والصراع العالمي.
يحتل الأمريكيون المرتبة الأولى في معدل حيازة الفرد للأسلحة، إذ يقول حوالي أربعة من كل 10 إنهم إما يمتلكون سلاحاً أو يعيشون في منزل به أسلحة، وفقاً لدراسة أجراها مركز Pew Study عام 2017. وقال 48% من الأمريكيين إنهم نشأوا في منزل به أسلحة. وقال 72% من الأمريكيين إنهم استخدموا سلاحاً نارياً.
وفقاً للدراسة الاستقصائية للأسلحة الصغيرة، يمتلك أغلب مالكي الأسلحة من الأمريكيين (66%) العديد من الأسلحة النارية، إذ قال حوالي ثلاثة أرباع مالكي الأسلحة إنهم لا يستطيعون تخيل عدم امتلاكها.
ويتخلف اليمن، الذي يحتل المرتبة الثانية في معدل حيازة الأفراد للسلاح (والذي دخل عامه الرابع من حرب أهلية دموية ويعاني كارثة إنسانية مروعة) بدرجة كبيرة عن الولايات المتحدة في حيازة السلاح.
مجازر الأسلحة.. الولايات المتحدة حالة شاذة
إذ أن عدد حوادث إطلاق النار العشوائي في الولايات المتحدة أكبر من عدد مثيلاتها في أي دولة أخرى بالعالم، فقد قتل مسلح تعتقد الشرطة أنه نشر "بياناً" عنصرياً معادياً للهجرة على الإنترنت ما لا يقل عن 22 شخصاً وأصاب 24 آخرين في متجر وول مارت في إل باسو بولاية تكساس، في واحدة من أعنف عمليات إطلاق النار العشوائي في تاريخ الولايات المتحدة.
وبعدها بـ 13 ساعة فحسب، في منطقة تضم أماكن ترفيهية في مدينة دايتون، بولاية أوهايو، اقترب رجل مسلح يرتدي سترة واقية من الرصاص من حانة وفتح النار، مما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة 31 آخرين على الأقل في إطلاق نار استمر لأقل من دقيقة.
وفي الأسبوع السابق لهاتين الحادثتين، لقي ثلاثة أشخاص مصرعهم وأصيب 12 على الأقل بعد أن بدأ شخص يبلغ من العمر 19 عاماً في إطلاق النار في مهرجان Gilroy Garlic في شمال كاليفورنيا.
وفي فبراير/شباط الماضي، عمت البلاد حالة من الحزن بعد مقتل 17 من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في مدرسة Marjory Stoneman Douglas الثانوية في باركلاند بولاية فلوريدا بعد أن أطلق طالب سابق وابلاً من النيران على المدرسة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، فتح مسلح يبلغ من العمر 64 عاماً النار على حشود تجمعوا في مهرجان Harvest Music في لاس فيغاس، مما أسفر عن مقتل 58 شخصاً وإصابة حوالي 500 شخص. وكانت هذه الحادثة أعنف حوادث إطلاق النار العشوائي في تاريخ الولايات المتحدة الحديث.
وأسفر هجوم على ملهى Pulse الليلي في مدينة أورلاندو عام 2016 عن مقتل 49 شخصاً. وقُتل 26 طالباً وموظفاً في مدرسة Sandy Hook الابتدائية عام 2012؛ وفي عام 2007، قتل 32 شخصاً في مذبحة فرجينيا تك.
نقاشات حول قوانين حيازة السلاح
في أعقاب حادثة إطلاق النار في باركلاند، تحول بعض الطلاب إلى نشطاء وبدأوا في الدعوة إلى الإصلاح، ودعوا المشرعين إلى أن يحرصوا على ألا يتكرر ما حدث في مدرستهم مجدداً، وسُنّ 67 قانوناً جديداً بشأن الأسلحة النارية في 26 ولاية وواشنطن العاصمة، وفقاً لتقرير صدر في نهاية العام عن مركز غيفوردس القانوني لمنع العنف المسلح.
لكن حوادث إطلاق النار العشوائي تزيد من الطلب على الأسلحة. وأصبحت اللوائح الأمريكية التي تتناول بيع الأسلحة النارية أكثر تساهلاً مما كانت عليه منذ عامين.
ففي فبراير/شباط عام 2017، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مشروع قانون ألغى قانون تنظيم الأسلحة الذي صدر في عهد أوباما والذي يهدف إلى منع وصول الأسلحة إلى أيدي بعض المصابين باضطرابات عقلية حادة.
كان القانون الأصلي جزءاً من سلسلة من الخطوات التي اتخذتها إدارة أوباما لمحاولة كبح العنف المسلح بعد فشل الجهود الأخرى في تحقيق تقدم في الكونغرس.
ورداً على حادثتي إطلاق النار العشوائي اللتين وقعتا هذا الأسبوع، أشار ترامب يوم الإثنين 5 أغسطس/آب إلى أن خطته لمنع حوادث إطلاق النار العشوائي في المستقبل ستشمل تناول صور العنف في ألعاب الفيديو. لكنه لم يشر إلى إجراءات محددة من شأنها الحد من حيازة الأسلحة النارية، بخلاف قوانين "العلم الأحمر" التي من شأنها حظر حيازة الأشخاص المصابين بأمراض عقلية للأسلحة.
دول حظرت الأسلحة
في المقابل، سارعت نيوزيلندا بتقييد حيازة المدنيين للأسلحة، بعد مقتل 50 شخصاً في مذبحة كرايستشيرش في وقت سابق من هذا العام. وصوت برلمان البلاد بإجماع شبه كامل لصالح حظر الأسلحة نصف الآلية ذات الطابع العسكري. وقالت رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن لنواب البرلمان إنهم يمثلون "صوت" القتلى.
وفي بلدان أخرى، ثبت أن القوانين التي تقيد حيازة الأسلحة أحدثت فرقاً في الحد من المذابح. في أستراليا، على سبيل المثال، وقعت أربع حوادث إطلاق نار عشوائي بين عامي 1987 و1996. وانقلب الرأي العام ضد حيازة الأسلحة بعد تلك الحوادث وأصدر البرلمان قوانين أكثر صرامة بشأن حيازة الأسلحة النارية. وأصبحت حوادث إطلاق النار العشوائي نادرة الحدوث في أستراليا منذ تطبيق قوانين الرقابة الصارمة على الأسلحة.
ووفقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية، يوجد في الولايات المتحدة أحد أعلى معدلات الوفاة الناتجة عن استخدام الأسلحة النارية في العالم المتقدم.
وتشير حساباتنا المستندة إلى بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD من عام 2010 إلى أن الأمريكيين أكثر عرضة للقتل بالطلقات النارية بمقدار 51 مرة عن أقرانهم في المملكة المتحدة.
يقول معظم من يحوزون أسلحة من الأمريكيين (ثلثيهم) إن السبب الرئيسي وراء حيازتهم السلاح هو الحماية الشخصية، وفقاً لدراسة مركز Pew. ومع ذلك، تُعزى معظم الوفيات الناتجة عن استخدام الأسلحة النارية في أمريكا إلى إيذاء النفس.
إذ أن حالات الانتحار المرتبطة باستخدام الأسلحة النارية أعلى في الولايات المتحدة بثماني مرات عنها في الدول الأخرى ذات الدخل المرتفع.
على الصعيد العالمي، تشهد الولايات المتحدة عدداً أقل من جرائم القتل المرتبطة بالأسلحة النارية مقارنة بالعديد من جاراتها في أمريكا الجنوبية.
فوفقاً لبيانات مشروع الدراسة الاستقصائية للأسلحة الصغيرة، تعد فنزويلا حالياً موطن أغلب عمليات القتل المرتبطة بالأسلحة النارية في العالم (بعيداً عن مناطق الحرب النشطة) إذ تتسبب الأسلحة النارية في مقتل أكثر من 53 شخصاً بين كل 100 ألف شخص.
تأتي السلفادور وجزر فيرجن البريطانية في مرتبتين متقاربتين، إذ تقع 52 و48 حالة وفاة ناتجة عن استخدام الأسلحة النارية، على التوالي، بين كل 100 ألف شخص من السكان.
أما معدل جرائم القتل المرتبطة باستخدام الأسلحة النارية في الولايات المتحدة فيبلغ 3.9 حالة قتل بين كل 100 ألف شخص. ولا تُلزم وكالات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة بالإبلاغ عن عمليات القتل التي تنفذها الشرطة بالأسلحة النارية. إذ أن مثل هذه الحوادث، في كثير من الأحيان، تُسجل على أنها "جرائم قتل مبررة"، وقد تُدرج أو لا تُدرج في إحصائيات جرائم القتل الرسمية، وفقاً لمشروع الدراسة الاستقصائية للأسلحة الصغيرة.