اتخذت الحكومة النيجيرية قراراً مثيراً للجدل يقضي بحظر جماعة شيعية مؤيّدة لإيران في البلاد، متّهمة إياها بإشاعة العنف وبأنها "عدوّ للدولة".
إلا أن الحركة الإسلامية في نيجيريا (IMN) تتحدّى الحظر، قائلة إنها حركة سلمية تحملت في الواقع وطأة العنف المدبر من قبل الدولة، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC).
وأثارت هذه التطورات مخاوف من أن تصبح نيجيريا الغنية بالنفط أحدث ساحة للصراع بين الطائفتين المسلمتين الرئيسيتين في العالم؛ الشيعة والسنة.
ما هي الحركة الإسلامية في نيجيريا (IMN)؟
تشكّلت الحركة منذ حوالي أربعة عقود، وتدعو إلى تأسيس دولة إسلامية على الطراز الإيراني في نيجيريا.
وتأثرت تلك الحركة بالثورة الإيرانية التي شهدت تولّي آية الله الخميني السلطة في عام 1979 بعد الإطاحة بالشاه المتحالف مع الولايات المتحدة في انتفاضة شعبية.
ولا يزال الخميني مصدر إلهام المجموعة الرئيسي؛ حيث يتعهد أنصار الحركة الإسلامية في نيجيريا بالولاء له في اجتماعاتهم، ثم يتعهّدون بالولاء لزعيمهم المحلي، الشيخ إبراهيم زكزاكي.
وتعتبر الحركة نفسها حكومة، كما ترى الشيخ زكزاكي -المحتجز منذ عام 2015- هو المصدر الشرعي الوحيد للسلطة في نيجيريا، بحسب الشبكة البريطانية.
ولا تعترف الحركة بسلطة الحكومة النيجيرية، وترى أن قادتها -سواء كانوا مسلمين ومسيحيين- فاسدون.
ولدى الحركة فروع وهياكل إدارية تتسم بالتنظيم المتقن في معظم ولايات نيجيريا البالغ عددها 36 مما يكسبها شبهاً بالحكومة.
وتدير الحركة الإسلامية أيضاً مدارسها ومستشفياتها في بعض الولايات الواقعة شمال نيجيريا، حيث يعيش معظم المسلمين.
تقول الحركة على موقعها على الإنترنت إنه "لدى الحركة الإسلامية مؤسسة مسجلة تدعى مؤسسة فوديا، ويوجد تحت مظلّتها أكثر من 360 مدرسة ابتدائية وثانوية. وهذا يقلل إلى حد كبير من عبء عجز الحكومة عن توفير التعليم الأساسي للشعب".
ما هو مدى شعبية الحركة الإسلامية في نيجيريا؟
يشتهر العديد من أعضائها بكونهم مهنيين تلقّوا تعليماً جيداً، ويشغل بعضهم مناصب في الجيش والشرطة والمخابرات.
يقول جاكوب زين، وهو محلل يعيش بالولايات المتحدة ويعمل لدى مركز أبحاث مؤسسة جيمستاون، إن وجود أعضاء الحركة الإسلامية في الخدمة المدنية يدل على أنها تدعم "الصعود الإسلامي" -حسب وصفه- وليس الثورة، في نيجيريا.
وكتب في مقال منشور في 26 يوليو/تموز 2019 أنه "على الرغم من إبقاء الحركة على قوات -تشبه حزب الله- مُسلّحة تسليحاً بسيطاً، ونشرها لصور مؤيدة للخميني على موقعها الإلكتروني وفي المظاهرات، صارت الحركة الإسلامية في نيجيريا في الآونة الأخيرة تعتز علانية بالشعائر الشيعية كسمة مميزة لها، في مقابل التحريض السياسي المباشر".
هذه المجموعة هي أكبر منظمة شيعية في نيجيريا، وبإمكانها أن تجذب حشوداً ضخمة -يبلغ عددها أحياناً عشرات الآلاف- في اجتماعاتها.
وهذا يرجع إلى حد كبير إلى جهود الشيخ زكزاكي، الذي دفع بنمو الشيعة في بلد كانت أعدادهم فيه لا تكاد تُذكر قبل الثورة الإيرانية.
وتختلف التقديرات التي تشير إلى أعدادهم بشكل كبير؛ حيث تتراوح من أقل من 5٪ إلى 17٪ من إجمالي تعداد سكان نيجيريا المسلمين البالغ عددهم حوالي 100 مليون نسمة.
ومعظم المسلمين النيجيريين من السنّة، مثلما هو الحال في المملكة العربية السعودية أو مصر.
حسناً، لماذا حظرت الحكومة الحركة الإسلامية في نيجيريا؟
قال مكتب الرئيس النيجيري محمد بوهاري إن حظر الحركة الإسلامية كان بسبب "هيمنة المتطرّفين عليها ممن لم يؤمنوا بالاحتجاجات السلمية، واستخدموا العنف كبديل لتحقيق أهداف الحركة".
ويأتي ذلك بعد أسابيع من احتجاجات نظمتها الحركة للمطالبة بالإفراج عن الشيخ زكزاكي، المحتجز منذ عام 2015، وبالعدالة لأعضائها الذين قتلوا على أيدي قوات الأمن.
وشهدت العديد من هذه الاحتجاجات اشتباكات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن، بما في ذلك الاشتباكات التي اندلعت خارج مبنى البرلمان.
وكان أحد ضبّاط الشرطة البارزين بين القتلى الذين لقوا حتفهم خلال تلك الاشتباكات في العاصمة أبوجا.
وقال قائد الشرطة النيجيرية، محمد أدام للضبّاط بعد إصدار قرار الحظر إن "أي شخص يتورّط مع الحركة المحظورة في نيجيريا أو تكن له صلة بها بأي طريقة يمكن أن تعزز أنشطتها فهو إرهابي عدو للدولة وعنصر تخريبي يجب تقديمه إلى العدالة".
ماذا قالت الحركة الإسلامية بشأن حظرها؟
تنفي الحركة الإسلامية أن تكون وراء العنف، وتتهم قوات الأمن بقتل العديد من المحتجين السلميين، كما ترى رأس الدولة، بوهاري، وهو مسلم سني، بمثابة أداة في يد المملكة العربية السعودية، وتقول الحركة إنه يريد القضاء عليهم، بحسب الشبكة البريطانية.
وعلى موقعها الإلكتروني، تؤكّد الحركة على أنها "غير عنيفة وغير مسلحة".
وتتصدّى الحركة لقرار حظرها في المحكمة، حيث تقول إنها ستوقف الاحتجاجات في الشوارع لمنح الوسطاء فرصة لحل "الأزمة" المتعلقة باحتجاز الشيخ زكزاكي.
ويشار إلى أن زكزاكي محتجز على الرغم من أن المحكمة العليا الفيدرالية قضت في ديسمبر/كانون الأول 2016 بأن احتجازه غير قانوني، وتحتجز السلطات معه زوجته زينة.
أما الحكومة، فتنفي من جانبها رفضها الانصياع لقرار المحكمة، قائلة إن احتجاز الزوجين هو "تدبير احترازي".
ويتكهّن البعض أن الجانبين يبحثان مسألة تحرير الشيخ المحتجز وزوجته من خلال السماح لهما بالسفر إلى الخارج لتلقي العلاج الطبي.
ويقال إن الشيخ زكزاكي، البالغ من العمر 66 عاماً، قد أصيب بجلطة دماغية في وقت سابق من هذا العام، ويقال أيضاً إن زوجته تعاني بشدة من هشاشة العظام وارتفاع ضغط الدم.
وليس هناك شك في أن الزوجين مروا بوقت عصيب؛ حيث تقول الحركة الإسلامية إن ثلاثة من أبنائهما وشقيقة زكزاكي الكبرى قد قتلوا في حملة أمنية داهمت خلالها قوات الأمن سكن ومقرّ الشيخ زكزاكي في مدينة زاريا بولاية كادونا شمال نيجيريا في عام 2015.
لماذا ألقت السلطات القبض على الزوجين؟
يزعم الجيش أنه أُجبر على الرد بعد أن حاول أعضاء الحركة -الذين كانوا يحضرون احتفالاً دينياً في زاريا- قتل كبير قادته حين كان يقود سيارته.
وقال الجيش في بيان إنه "لم يتبقّ أمام القوات المسؤولة عن سلامة وأمن رئيس أركان الجيش -بعد سماعها انفجارات وإطلاق نار- خيار سوى الدفاع عنه وعن موكبه بأي ثمن".
وهدمت السلطات مقر الحركة الإسلامية، وقتلت حوالي 350 شخصاً خلال هذه العملية، واعتقلت مئات الأشخاص، وكان من بينهم زكزاكي الذي اتُهم بالقتل العمد والقتل الخطأ والتجمهر غير القانوني وزعزعة السلم العام. ونفى زكزاكي من جانبه هذه الاتهامات.
وأثارت العملية التي نفذتها قوات الأمن غضباً عارماً؛ حيث عقد النقاد مقارنة بين الحملة على الحركة الإسلامية وجماعة بوكو حرام، وهي جماعة سنية متمردة في شمال نيجيريا.
هل يمكن أن تبدأ الحركة الإسلامية التمرد؟
داهمت القوات مقر بوكو حرام في مدينة مايدوغوري الواقعة شمال شرق البلاد في عام 2009، مما أسفر عن اشتباكات أودت بحياة أكثر من 700 شخص. كما ألقوا القبض على زعيمها المؤسس محمد يوسف وقُتِل في مقر احتجاز الشرطة.
وبدأت بوكو حرام حركة تمرّد واسعة النطاق، أودت بحياة ما يقرب من 30000 شخص وتشريد أكثر من مليوني شخص.
ويخشى بعض النيجيريين من أن حظر الحركة الإسلامية قد يحوّلها إلى جماعة متمردة على غرار بوكو حرام، مما قد يتسبب في خسائر أكبر من سابقتها، لأن الحركة تضم أعضاء من معظم الولايات النيجيرية، على عكس بوكو حرام المحصورة في الشمال الشرقي، كما أن الكثيرين من داعميها يعملون بالفعل لدى قوات الأمن.
ويستبعد آخرون هذا الاحتمال، حيث يشيرون إلى أن أعضاء الحركة الإسلامية تلقّوا تعليماً جيداً ولن يخاطروا بحرب لن ينتصر فيها أحد.
ويوافق زين على وجهة النظر الأخيرة، قائلاً إنه "لا يبدو أن الأمر يتخلله أي تمرد منظم".
ولا يعتقد أن إيران ستحاول من جانبها إثارة الاضطرابات في نيجيريا.
وقال: "حتى لو أرادت إيران دعم ميليشيا بالوكالة في نيجيريا، فإن المسافة الجغرافية والثقافية ستعيقها، وبالإضافة إلى ذلك، فإن إيران منغمسة في نزاعات الشرق الأوسط والتزامها تجاه زكزاكي أقل مما قد يبدو عليه الأمر علانية، خاصة بالنظر إلى الفصائل الشيعية النيجيرية الأخرى".
كيف كان رد فعل الآخرين على الحظر؟
أدانت منظمة هيومن رايتس ووتش الحظر، قائلة إنه "يهدد حقوق الإنسان الأساسية لجميع النيجيريين".
وقالت أنيتي إوانغ، الباحثة بالشأن النيجيري لدى مؤسسة هيومن رايتس ووتش، إن "الحظر المفروض على الحركة الشيعية قد ينذر بحملة أمنية مشددة ضد المجموعة، مما قد يترتب عليه عواقب وخيمة على حقوق الإنسان في جميع أنحاء نيجيريا".
وأدان الكاردينال الكاثوليكي في أبوجا الحظر أيضاً.
وقال الكاردينال جون أونايكان في حديث مع محطّة Vatican Radio الإذاعية: "لا أحد في مأمن؛ اليوم يوم الشيعة، وغداً قد تكون الهجمة علينا نحن الكاثوليك أيضاً".
وترفض الحكومة مثل هذه الأطروحات، قائلة إن الجميع -بمن فيهم أنصار الحركة الإسلامية- لهم الحرية في ممارسة دينهم.
هل قالت إيران أي شيء؟
نُظمت الاحتجاجات مراراً وتكراراً في طهران وفي أماكن أخرى للمطالبة بإطلاق سراح الشيخ زكزاكي، كما اتصل الرئيس حسن روحاني بنظيره النيجيري بعد عمليات القتل التي وقعت عام 2015 احتجاجاً على الأحداث.
ولكن إيران لم تدن علناً حظر الحركة الإسلامية، ربما لأنها لا تريد المخاطرة بجهود الوساطة الساعية إلى إطلاق سراح الشيخ زكزاكي وزوجته.