قصفت طائرات إسرائيلية من طراز إف-35 العراق مرتين خلال الشهر الماضي (يوليو/تموز)، وفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية وأمريكية، وهو ما يشير إلى توسيع محتمل لنطاق الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية في المنطقة.
وإذا كانت هذه هي حقيقة الأمر، فإن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تواجه مشكلةً، يقول موقع Al-Monitor الأمريكي. فبينما تدعم واشنطن الهجمات الإسرائيلية على الأهداف الإيرانية في سوريا التي مزقتها الحرب، فإن العراق حليفٌ للولايات المتحدة. وهذا فرق يُعتد به. فبغداد لا تريد الاشتراك في أي مواجهةٍ ضد إيران، الدولة المجاورة لها؛ نظراً إلى قدرتها على زعزعة استقرار العراق. لكن إذا كانت إسرائيل، أقرب حلفاء واشنطن بالمنطقة، تشن حرباً بالوكالة على إيران في الأراضي العراقية، فإن هذا يهدد استقرار العراق.
بالنسبة لواشنطن.. العراق ليس كسوريا
سمحت إدارة ترامب لوقتٍ طويل بالهجمات الإسرائيلية على أهداف حزب الله وإيران في سوريا كإجراءٍ تكميلي لحملة "الضغوط القصوى" التي تشنها ضد طهران. يمكن أن تكون الضربات الإسرائيلية إجراء تكميلياً مفيداً للسياسة الأمريكية: بينما لا يمتلك الجيش الأمريكي السلطة القانونية لضرب أهداف إيرانية في سوريا (إلا إذا كان دفاعاً عن النفس)، لا تواجه إسرائيل مثل هذه القيود.
وبالفعل، قال جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي إلى سوريا، أمام لجنةٍ بالكونغرس في مايو/أيار الماضي: "إننا ندعم الجهود الإسرائيلية بقوةٍ، وضمن ذلك جهودها في سوريا ضد أهدافٍ إيرانية لكن بشكلٍ غير رسمي".
كتب بِين كاسبيت، الكاتب في موقع Al-Monitor الأمريكي، أن إسرائيل لا تعتمد فقط على الضربات الجوية، بل تستخدم أيضاً عمليات قتل تستهدف عملاء حزب الله في سوريا. وتبني إسرائيل حجتها لتبرير هذه الهجمات بأن حزب الله، المتحالف مع إيران، يسعى إلى خلق جبهةٍ جديدة ضد إسرائيل في هضبة الجولان بسوريا.
تعمل الهجمات الإسرائيلية على إيران في سوريا، بالإضافة إلى العقوبات الأمريكية بفاعلية، بحسب ما قاله مسؤولٌ رفيع المستوى بإدارة ترامب في حوارٍ غير مسجل. ويقول كاسبيت إن مشكلات حزب الله تكمن في تقلُّص ميزانيته وانخفاض الدعم الإيراني له. ليست لدى إيران رغبةٌ قوية في القيام بأي مغامرات عسكرية هذه الأيام، ويبدو أن استراتيجيتها في الجولان تقوم على تجنيد أفراد وبناء البنية التحتية من أجل تنفيذ عمليات مستقبلية.
ولا يعني هذا أن إيران تتخلى عن دعمها لبشار الأسد، بل على النقيض؛ لا تنوي إيران مغادرة سوريا. لكن هناك مؤشرات تدل على أن إيران تشعر بالضغط وتعدل استراتيجيتها، وضمن ذلك نقل الموارد والبنية التحتية من سوريا إلى العراق.
وهو ما يعني أن العراق يقترب أكثر من "الخطوط الأمامية"
وستكون الهجمات الإسرائيلية المذكورة في العراق أُولى هجمات "تل أبيب" هناك منذ عام 1981، عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية مفاعل تموز، أو مفاعل "أوزيراك" النووي في عهد صدام حسين.
وكتب كاسبيت أن المواقع الإيرانية المقصوفة ربما تكون مرتبطة بقوات الحرس الثوري الإيراني، ومواقع انتشار الصواريخ الإيرانية، بالإضافة إلى قوات الحشد الشعبي العراقي، التي لديها علاقات لصيقة بإيران. وأضاف: "إذا كانت إسرائيل هي التي نفذت هذه الهجمات، فهذا يشير إلى أنها لن تقبل بوجود تحصينات إيرانية ليس فقط في سوريا، بل العراق أيضاً، ما دامت منصات إطلاق الصواريخ المنشورة هناك موجهة ضد الغرب".
وأشار جوناثان سباير، الكاتب الإسرائيلي في صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، إلى أنه "رغم قوة ودقة الغارات الإسرائيلية في سوريا، فإن امتلاك إيران بنية تحتية عسكرية متحركة في العراق دليلٌ قوي أيضاً على نجاح إيران".
خلال الأسبوع الماضي، التقى رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، وفالح الفياض رئيس قوات الحشد الشعبي، ومسؤولون آخرون رفيعو المستوى، الرئيسَ الإيراني حسن روحاني ونظراء لهم في طهران. وأفاد علي المعموري، الكاتب في موقع Al-Monitor، بأنَّ قصف قواعد قوات الحشد الشعبي كان على الأجندة، بالتزامن مع التوتر الأمريكي-العراقي، والعقوبات البريطانية المفروضة على ناقلة النفط الإيرانية، وفرض العقوبات الأمريكية على 4 عراقيين مقربين من إيران.
أدت اجتماعات طهران إلى إبطاء وتيرة تنفيذ قرار رئيس الوزراء العراقي الخاص بدمج قوات الحشد الشعبي في القوات الأمنية العراقية، وهو ما كان من المفترض إتمامه بحلول 31 يوليو/تموز. ويبدو أن هذا القرار لن ينفَّذ يوماً؛ إذ قال عبدالهادي لاحقاً إن دمج قوات الحشد الشعبي "سيستغرق وقتاً طويلاً، وإنه لن يكون مسألةً سهلة". وستظل قوات الحشد الشعبي قوةً منفصلة تحت إشرافٍ حكومي على الأغلب. في تقديرنا، فإن دمج قوات الحشد الشعبي، إذا حدث يوماً، فلن يتم إلا بموافقةٍ إيرانية.
حان الوقت لبعض "الخطوط الحمراء"
يقول موقع "المونيتور" الأمريكي، إن إدارة ترامب تحاول بالفعل العمل بهدوء، مستخدمةً القنوات الخلفية، لمنع أي تداعيات سياسية ناجمة عن الهجمات، إذ إن العمل العسكري الإسرائيلي في العراق يهدد بالفعل جوهر السيادة العراقية.
ولا يمتلك العراق أية علاقات رسمية مع إسرائيل، وهو مهتم بإبقاء الأمر كله غير معلن. وتستطيع طهران، إذا رغبت في هذا، أن تدير الأمور لتحقيق مصلحتها عبر مواصلة الضغط المفروض على عبدالهادي والحكومة العراقية، ومحاولة التفريق بين واشنطن وبغداد. ويقف العراق على شفا إثارة الغضب الإيراني.
وتتعامل الولايات المتحدة بحساسية تجاه الأزمة العراقية، وهي لا تريد دفع بغداد إلى الاقتراب أكثر من طهران، أو السماح بفتح جبهةٍ إيرانية في العراق. ويكمن التحدي أمام صُنّاع السياسة الأمريكية، في كيفية الحد من الانتشار الإيراني بالعراق، والذي لا يهدد فقط إسرائيل، بل يقف أيضاً ضد رؤية واشنطن لجعل العراق مستقلاً، وتريد واشنطن فعل هذا دون جرّ بغداد إلى المواجهة الأمريكية-الإيرانية.
وبحسب Al-Monitor، ينبغي للولايات المتحدة الاستمرار في استخدام القنوات الخلفية، وتقديم نصائح بضبط النفس، ووضع بعض الخطوط الحمراء لجميع الأطراف، لتجنُّب أي تصعيد مستقبلي غير مرغوب فيه.