"نُكلف رئيس الحكومة أن يرفع لنظرنا، في أفق الدخول السياسي المقبل، مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، وذلك على أساس الكفاءة والاستحقاق"، بهذه الكلمات توجَّه الملك محمد السادس بالحديث إلى رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، خلال خطاب الذكرى العشرين لتوليه العرش.
مقترح التعديل الحكومي كان بمثابة حل يراه الملك المغربي ناجعاً لـ "تحسين ظروف عيش بعض المواطنين المغاربة وتلبية حاجياتهم اليومية، خاصة في مجال الخدمات الاجتماعية الأساسية، والحد من الفوارق الاجتماعية، وتعزيز الطبقة الوسطى"، كما جاء في خطاب 29 يوليو/ تموز.
توقيت خروج الملك لمطالبة رئيس الحكومة بتسريع عملية التعديل الحكومي لم يكن اعتباطياً، إذ كان من المفروض أن يقع تعديل منذ قرابة سنة، منتصف الولاية الحكومية، إلا أن الخلافات الحزبية الداخلية والصراعات الحزبية العلنية داخل الائتلاف الحكومي الحالي حالت دون ذلك.
حكومة هشة.. وزراء ضعفاء
مطلب محمد السادس يأتي كذلك بسبب المشاكل التي تعيشها مكونات حكومة العثماني، وفق ما أكده خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس في الرباط، لـ "عربي بوست".
وأبرز المحلل السياسي المغربي أن الحكومة المغربية تعاني الهشاشة، وغير قادرة على صناعة وإقرار وتقييم السياسات العمومية، حيث تحوَّلت الحكومة إلى "جهاز سياسي بيروقراطي وظيفي لتدبير بعض الأمور السياسية والإدارية العامة لا غير".
ويرى صاحب كتاب "تحديث السلطة السياسية في الفكر السياسي المغربي"، أن عدم تمتُّع الحكومة بسلطاتها الدستورية عملياً، وإحاطتها بمؤسسات ولجان موازية تشتغل في السياسات العمومية كذلك، يجعلان من وزرائها ضعفاء دون مردودية مقنعة.
إلا أن ضعف الوزراء لم يتأتَ فقط من هشاشة الحكومة، بحسب الباحث بالعلوم السياسية، ولكنه اقتات كذلك على الإضعاف الممنهج للأحزاب السياسية من خلال التدخل في شؤونها وعدم استقلاليتها، ومنعها من أن تؤدي دورها التأطيري والتكويني.
التعديل الحكومي.. لغة المصالح تتحدث
أقل من 70 يوماً تفصل العثماني عن الموعد الذي حدده الملك، ليتوصل بلائحة كفاءات جديدة ونخب ذات خبرة، بمقدورها تحريك المياه الراكدة في عدد من القطاعات الحكومية التي تعيش مشاكل كبيرة، وتعويض الوزراء المغادرين.
مصادر خاصة بـ "عربي بوست" أشارت إلى أن التعديل الحكومي المرتقب بداية أكتوبر/تشرين الأول 2019، قد يشمل قرابة 10 وزراء وكُتاب دولة ممن أبانوا عن ضعف في تسيير القطاعات التي يشرفون عليها، على رأسهم سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية (التعليم)، ووزير الصحة أناس الدكالي، ومحمد يتيم وزير الشغل والإدماج المهني، ومحمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال، وآخرون.
ومن المؤكد أن مهمة سعد الدين العثماني لن تكون سهلة، بسبب ضيق الوقت وكذلك ضعف الانسجام بين مكونات الائتلاف الحكومي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية الإسلامي، حيث سيكون على رئيس الحكومة البحث عن توازنات سياسية تدعم التماسك وتتفادى تأجيج الصراعات بين الأحزاب، وكذلك تمتثل للمطلب الملكي بأن تكون ذات كفاءة وخبرة.
بهذا الخصوص، قال المحلل السياسي بلال التليدي إن الملك محمد السادس حدد في خطابه احتياجات الدولة ومخاوفها، وشخَّص المشكلة في أعطاب نموذج تنموي لا تصل عائداته إلى الشرائح الاجتماعية المقصاة والمهمشة. كما أوضح أن أولوية الدولة هي بلورة نموذج تنموي جديد يُجنِّب الدولة الهبَّات الاجتماعية التي تنطلق من خلفية مطلبية.
وإذا كانت الدولة حسب مضمون خطاب الملك محمد السادس، بررت الحاجة إلى تعديل حكومي بضرورة اقتراح كفاءات جديدة قادرة على تنزيل نموذج تنموي جديد، فإن التساؤل الذي يورده التليدي بهذا الخصوص، هو: كيف سيتم التعاطي مع توجه الدولة من قِبل النخب، لا سيما النخب الاقتصادية المهمينة وبعض واجهاتها السياسية؟
ويرى المتحدث أن لا أحد من النخب سيعترض على مبدأ الحاجة إلى نموذج تنموي، ولا حتى مبدأ الحاجة إلى تعديل حكومي، بعد أن كان رئيس الحكومة أبدى رغبته في حل التوتر بالعلاقة بين بعض الوزراء وكُتاب الدولة، وإنما الصراع الذي سيحصل بين النخب سيكون حول توظيف خطاب رئيس الدولة.
هل تنتهي سيطرة الإسلاميين على الحكومة؟
ويقول بلال التليدي لـ "عربي بوست"، إن النخب المهيمنة اقتصاديا ً ستتجه من خلال واجهاتها السياسية إلى استثمار هذا الخطاب، والدفع إلى مزيد من الإخلال بموازين القوى لغير فائدة القوى الإصلاحية، لا سيما بعد جملة التنازلات التي أبدتها، وكان آخرها التصويت على القانون الإطار الذي يتضمن مسّاً بثوابتها الوطنية.
وأفاد المتحدث بأن هذه النخب ستسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة: أولها التخلص من الرموز السياسية في الحكومة الحالية بحجة البحث عن الكفاءات، وتوسيع تمثيليتها من خلال ضم بعض القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة اللذين يعتبران مجالاً خصباً للاستثمارات المربحة، ثم التقليص من تمثيلية الأحزاب الإصلاحية باستثمار قضية كُتاب الدولة وأثرها في تعميق اللا انجسام في الأداء وأيضاً في العلاقة بين مكونات التحالف.
ورجَّح التليدي أن يؤدي هذا التعديل الحكومي إلى مزيد من الاستهداف لحزبَي "العدالة والتنمية" و "التقدم والاشتراكية"، وتفكيك ما تبقى من رصيد تحالفهما، كما توقع أن تطرح هذه الديناميات -إن نجحت في رهاناتها- أسئلة عميقة حول الجدوى من العملية الانتخابية، وما إذا كانت الانتخابات أداة لإفراز الحكومة أم أن تركيبتها تستجيب لموازين القوى السائدة التي لا تشكل الانتخابات أحد محدداتها.
حكومة كفاءات سياسية وتقنية
حين تحدَّث الملك عن الحاجة إلى مسؤولين حكوميين يتمتعون بالكفاءة والخبرة، انبرى مهتمون بالشأن السياسي في المغرب إلى ترجيح تعيين حكومة تكنوقراط/كفاءات، إلا أن المحلل السياسي محمد جبرون سار إلى اتقاد أن العثماني سيقترح أسماء سياسية تتمتع بالكفاءة وأخرى من التكنوقراط لكنها ستأتي عبر أحزاب.
ويرى المتحدث أن عملية الجمع بين السياسي والتكنوقراطي أمر مفيد، خاصة في ظل هذه المرحلة الانتقالية التي تعاني هشاشة حزبية وهجرة الكفاءات من الأحزاب، لافتاً إلى أن التقليد المغربي يُحمّل المسؤولية لـ "تكنوقراط" بقبعات سياسية، فهي من جهة أسلوب لتسييس هذه الكفاءات وإدماجها في المجال السياسي، وكذلك محاولة للحفاظ على الصورة الديمقراطية للعمل السياسي برمته.