عيوب خفية بالاتفاق السياسي السوداني تنذر بأزمة كبيرة بين العسكريين والحراك

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/07/29 الساعة 17:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/29 الساعة 22:20 بتوقيت غرينتش
محمد حمدان دقلو نائب رئيس المجلس العسكري/ رويترز

تظهر تباعاً عيوب بالاتفاق السياسي السوداني الذي وقّعه العسكريون مع المعارضة، قد تهدد الانتقال الديمقراطي وتؤثر في عملية صنع القرار خلال المرحلة الانتقالية، والأهم تصعب فكرة التحقيق في المذابح التي ارتُكبت خلال الفترة الماضية  

في 17 من الشهر الجاري (يوليو/تموز 2019)، وقَّع المجلس العسكري الانتقالي السوداني وقوى إعلان الحرية والتغيير، التي تُمثِّل الجماعة المُعارِضة الرئيسية، اتفاقاً لتقاسم السلطة. 

عبدالخالق شايب محامٍ سوداني وعضو في نقابة المحامين الأمريكية، كتب مقالاً في موقع Lobelog الأمريكي، عن عيوب الاتفاق السياسي السوداني وما تمثله من مخاطر على عملية الانتقال الديمقراطي.

يقول شايب إن الاتفاق الذي وقعه في 17  يوليو/تموز الجاري، المجلس العسكري الانتقالي السوداني وقوى إعلان الحرية والتغيير، التي تُمثِّل الجماعة المُعارِضة الرئيسية، لتقاسم السلطة،  من المأمول أن يُسفر عن بداية مرحلة جديدة في الحياة السياسية بالبلاد بعد شهور من الاحتجاجات المتواصلة. 

إذ يُمهِّد الاتفاق الطريق نحو التوصُّل إلى اتفاقٍ نهائي محتمل بين الطرفين بشأن الوثيقة الدستورية التي ستحدد بعد ذلك شروط الفترة الانتقالية من الحكم الاستبدادي بالتفصيل.

وجاء الاتفاق بعد أن كادت الأمور تصل بين الطرفين إلى طريق مسدود.

الاتفاق الذي أنقذ البلاد من أزمة 

نجحت جهود الاتحاد الإفريقي وإثيوبيا أخيراً في كسر الجمود بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير والذي بدأ في 3 يونيو/حزيران، حين انهارت المحادثات بين الطرفين بعدما فضَّت القوات شبه العسكرية السودانية اعتصاماً خارج مقر القوات المسلحة في الخرطوم بالقوة. 

وتسببت المواجهة بين الجيش والمدنيين في مقتل أكثر من 100 محتج سلمي وإصابة مئات آخرين. ويعكس الاتفاق الأخير اتفاقاً أُبرِم بين الطرفين في 5 يوليو/تموز -تحت اسم اتفاق تقاسم السلطة- بشأن تشكيل "مجلس سيادة" تدور رئاسته بالتناوب بين الضباط العسكريين والمدنيين على مدار فترةٍ انتقالية، مدتها ثلاث سنوات وثلاثة أشهر.

ولكن المشكلة أنه يستخدم عبارات فضفاضة ويؤجل قضايا مهمة

ويُحدِّد الاتفاق الأخير، الذي أُبرِم في الخرطوم، سلسلةً من الترتيبات الانتقالية بعباراتٍ عامة فضفاضة، ويبدو أنَّه يؤجل المناقشات حول المرسوم الدستوري النهائي حتى إجراء مزيدٍ من المفاوضات. 

وينص الاتفاق، على تشكيل حكومة تكنوقراط بقيادةٍ مدنية ومجلسٍ سيادي، سيعملان بصفتهما مجلساً رئاسياً مشتركاً يضم خمسة أعضاء من المجلس العسكري الانتقالي وخمسة أعضاء من قوى إعلان الحرية والتغيير. ويُضاف إلى هؤلاء العشرة شخصيةٌ مدنية يقع عليها الاختيار بالتوافق بين الطرفين. وسيقود الجيش رئاسة مجلس السيادة المقترح طوال الأشهر الـ21 الأولى، ثم تنتقل رئاسته إلى أحد الأعضاء المدنيين طوال الأشهر الـ18 المتبقية. وسيُحدِّد المرسوم الدستوري النهائي صلاحيات مجلس السيادة المقترح ووظائفه ومسؤولياته.

ونص الاتفاق كذلك، على أنَّ تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير سيختار رئيس وزراء مدنياً، ليُشكِّل حكومةً مدنية لا يزيد عدد وزرائها على 20 وزيراً، عدا وزيري الدفاع والداخلية اللذين يُعيِّنهما الأعضاء العسكريون في مجلس السيادة. 

وسيُحدِّد المرسوم الدستوري المستقبلي صلاحيات مجلس الوزراء وسلطاته. وهناك بندٌ آخر في الاتفاق ينص على تشكيل مجلسٍ تشريعي بعد تشكيل مجلسي السيادة والوزراء. 

وسيُسيطر تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير على ثلثي هذا المجلس، في حين سيخصَّص الثلث المتبقي للقوى الأخرى في المجتمع التي لم تشارك في توقيع الاتفاقية. وأخيراً، نصَّ الاتفاق، على تشكيل لجنة تحقيق للتحقيق في أحداث 3 يونيو/حزيران التي وقعت أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم.

عيوب الاتفاق السياسي السوداني:

طريقة اتخاذ القرار تجعل المدنيين في حاجة دوماً للعسكريين

ربما تُعتبر بنود الاتفاق انتصاراً للمتظاهرين، لأنَّ مجلس السيادة سيتألَّف من هيئةٍ حاكمة ذات أغلبية مدنية. 

ويستدرك المحامي السوداني: "لكنِّني علمت أنَّ أحد العيوب هو أنَّ قرارات المجلس ستُتَّخذ بالإجماع أو بأغلبية ثلثي الأعضاء في حال عدم التوصُّل إلى إجماع". 

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ طلب موافقة ثلثي أعضاء مجلس السيادة، وليس مجرَّد أغلبية بسيطة، على اتخاذ قراراتٍ مُلزِمة للمجلس كله، يمثل مشكلة

فهذا يقضي على الغرض من وجود مجلسٍ حاكم ذي أغلبية مدنية، إذ سيحتاج المدنيون دائماً واحداً على الأقل من أفراد الجيش، للاتفاق معهم قبل اتخاذ أي قرار. فضلاً عن أنَّه ليس من الواضح كيف سيتخذ أعضاء المجلس السيادي القرارات إذا فشلوا في الاتفاق على العضو الحادي عشر

والفشل في الاتفاق على العضو الحادي عشر من شأنه أن يُعقِّد عملية صنع القرار بالنسبة للمدنيين، لا سيما إذا ظلَّت آلية أغلبية الثلثين قائمة.

ليس من المستغرب أن يُنظَر إلى الاتفاق (وما يتبعه من أي مرسومٍ دستوري يجري إصداره بعد مزيدٍ من المفاوضات) على أنَّه صفقة لتقاسم السلطة، ولا عجَب في أن يوصَف بذلك. إذ تحوَّل موقف المعارضة تحولاً جذرياً من المطالبة بتسليم السلطة (من المجلس العسكري الانتقالي إلى المدنيين)، إلى الموافقة على اتفاقٍ لتقاسم السلطة مع المجلس العسكري. 

قادة المجلس العسكري السوداني، أرشيفية

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ المجلس العسكري الانتقالي ليست لديه شرعيةٌ أخلاقية ولا قانونية للحكم.

ولكن المجلس سيكون قادراً على عرقلة القرارات التي لا تُلبِّي احتياجاته، في مجلس السيادة.

وليس هناك أي شيءٍ -على ما يبدو- يشير إلى أنَّ آلية أغلبية الثلثين للتصويت تُعَد مسألةً متنازعاً عليها بين الطرفين (بمعنى أن من الواضح أنه الاتفاق على هذه الآلية الإشكالية). 

ولكن يتعين على تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير -إذا وافق أعضاؤه على نظام الثلثين- أن يدرك أنَّ آليات صنع القرار التي اختارها وقبِلها ستخلق انتقالاً سياسياً هشاً (إن لم يكن عديم الجدوى)، سيفشل بالنهاية في تحقيق توقعات الشعب السوداني وتلبية متطلبات الانتقال. 

لذا ينبغي أن يحدد أي مرسومٍ دستوري، قدر الإمكان، شروط المتطلبات المهمة التي قد تكون ضرورية لتحقيق الانتقال، وكذلك آلية إنفاذ هذه المتطلبات. 

أي إن الكاتب يقصد أنه في ظل مشكلات آلية التصويت بالثلثين، فإن متطلبات مرحلة الانتقال الديمقراطي الأساسية يجب وضعها في المرسوم الدستوري بدلاً من تركها محلاً لخلافات متوقعة لا يمكن حسمها في ظل آلية الثلثين.

النص الخاص بلجنة التحقيق بشأن المذابح يتيح للعسكريين فرصة التهرب 

إحدى النقاط الإشكالية في الاتفاق ما مدى صلاحيات لجنة التحقيق المقترحة ونطاق عملها؟ وما التدابير التي سيجري الاتفاق عليها لمعالجة قضايا العدالة الانتقالية في السودان؟ ومدى المقاومة المحتملة التي ستواجه المدنيون من قِبل الجيش في هذه المسائل.

وينص الاتفاق السياسي كذلك، على أنه بعد تشكيل الحكومة الانتقالية، سيجري تشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة، لإجراء تحقيقات شفافة ومفصلة في الحوادث والجرائم الدموية المؤسفة التي ارتُكبت في 3 يونيو/حزيران 2019، بالإضافة إلى الحوادث والوقائع الأخرى التي شهدت انتهاك حقوق المواطنين، سواءٌ المدنيون والعسكريون، وكرامتهم. 

ويحِق للجنة طلب المساعدة من أي دولةٍ إفريقية، إذا دعت الحاجة (دون إلزام). 

لكنَّ نص الاتفاق فضفاض للغاية، ويشير ضمنياً إلى أنَّ المرسوم الدستوري، الذي يتفاوض حوله الطرفان حالياً، من المستبعد أن يتضمن أي بنودٍ مفصلة بشأن السلطات القضائية للجنة والتزاماتها وصلاحياتها. 

وتشكيلها يستغرق وقتاً، الأمر الذي سيسمح بمحو آثار الجرائم إضافة لمشكلة الحصانة

والأدهى من ذلك أنَّ هذه اللجنة لن تُشكَّل إلَّا بعد تشكيل الحكومة الانتقالية، وهذا سيستغرق وقتاً، وهو ما يتيح للمجلس العسكري الانتقالي فرصاً كبيرة لمحو جميع آثار مشاركته المباشرة في الجرائم التي ارتُكبت في 3 يونيو/حزيران. 

وبالإضافة إلى ذلك، هناك سؤالٌ مُلِحٌّ آخر، وهو: كيف سيُجرَى تحقيقٌ مستقل موثوق في عمليات القتل التي وقعت في 3 يونيو/حزيران، أو التحقيق مع أفراد المجلس العسكري إذا كان من المحتمل أن يكون خمسة من أعضائه مشاركين في مجلس السيادة مع المدنيين؟

ومن بين هؤلاء الأعضاء الفريق عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري الانتقالي، ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو (المعروف باسم "حميدتي") قائد قوات الدعم السريع. 

لذلك، يتوقع كثيرون أن تكون "الحصانة المطلقة" التي يسعى المجلس العسكري إلى توفيرها لأعضائه طوال الفترة الانتقالية، التي تبلغ مدتها ثلاث سنوات، من بين نقاط الاختلاف الرئيسية بين تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري (أُرجئ النقاش في موضوع الحصانة). 

مقترحات لتقوية اللجنة

ومن المهم أن تكون أي حصانة -في حال منحها- إجرائيةً ومرتبطةً بوظائف عضو المجلس العسكري الذي يحملها، أي إنَّها يجب أن تهدف فقط إلى تسهيل تنفيذ مسؤولياته في الفترة الانتقالية، وعدم حمايته و/أو إعطائه حصانةً من مقاضاته على الجرائم الجنائية على المدى الطويل.

ويجب كذلك تحديد سلطات هذه اللجنة ومسؤولياتها وصلاحياتها بالكامل في المرسوم الدستوري. ولكي تؤدي اللجنة وظائفها بكفاءة، يجب أن تكون مستقلة تماماً عن المجلس العسكري الانتقالي أو مجلس السيادة (عندما يُحَلُّ المجلس العسكري) أو أي كيان آخر. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن يؤدي أعضاء اللجنة وظيفتهم بصفتهم الشخصية، وألَّا يمثلوا أي حكومةٍ أو منظمة دولية أو مسؤولٍ عمومي أو مصلحة اقتصادية أو سياسية. 

فالمهمة الأساسية للجنة هي الانخراط في تقصِّي الحقائق، ومن أجل ذلك، يجب أن يكون لديها حق دخول جميع الوكالات الحكومية المعنية، والتحقيق مع جميع المسؤولين المعنيين، والاطِّلاع على جميع الملفات والسجلات. والأهم من ذلك، ينبغي أن تحظى بُحرِّية الاجتماع مع أي شخص تراه مهمّاً لعملها. وكل هذا يجب أن يُدرَج ويُفصَّل في المرسوم الدستوري.

يقول الكاتب: "خُلاصة القول إنَّ الاتفاق يُعَد خطوةً إلى الأمام، ويُحدِّد شروط الفترة الانتقالية، التي يتفق عليها الطرفان، من حيث المبدأ، في مفاوضاتهما". 

وهو يدلُّ على وجود نيّةٍ جادة، ولديه، في حد ذاته، قوةٌ معنوية، لكنَّه لا يُلزِم الطرفين إلزاماً قانونياً بإبرام المرسوم الدستوري بناءً على تلك الشروط، أو حتى إبرامه في الأساس. لقد تُرِك كمٌّ هائل من القضايا لمزيدٍ من المفاوضات، والشيطان يكمن في التفاصيل. 

لذا لم يتضح ما إذا كان الاتفاق يُمثِّل فرصةً نادرة لتحقيق الديمقراطية وبداية سيادة القانون في السودان، لكنَّ الشيء الواضح المؤكَّد هو أنَّ الشعب السوداني يهتف عالياً بالحرية والسلام والعدالة. والأمل هو أن يُلبِّي المرسوم الدستوري المطالب التي يهتف كل سودانيٍ من أجلها.  

تحميل المزيد