استقبلت أسواق النفط بارتياح الإعلان عن فتح النقاش بشأن استئناف إنتاج النفط في المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت، والتي كانت سبباً لخلاف مكتوم بينهما استمر لسنوات.
وانخفضت أسعار النفط العالمية مع خبر نشرته وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، يوم الأربعاء أن السعودية والكويت العضوين في أوبك ناقشا استئناف إنتاج النفط في الحقول المشتركة في المنطقة السعودية الكويتية المحايدة المشتركة بينهما.
ويعتقد أن هذه المنطقة المحايدة المشتركة بين السعودية والكويت قادرة على إنتاج أكثر من نصف مليون برميل يومياً، ولكن الكويت كانت متحفظة على استئناف الإنتاج قبل حل المشاكل المتعلقة.
فما هي قصة المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت، وهل ضغطت الولايات المتحدة على البلدين لاستئناف الإنتاج بها.
إن الإنتاج لناظره قريب
ونقلت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) عن متحدث باسم الحكومة الكويتية قوله إن وزير الدولة السعودي لشؤون الطاقة زار الكويت "لمواصلة النقاش والتعاون بشأن استئناف إنتاج النفط في المنطقة الجنوبية المحايدة بعد تسوية جميع المسائل الفنية المطلوبة من الجانبين".
وعقدت وفود كويتية وسعودية رفيعة المستوى مؤخراً عدداً من الاجتماعات في محاولة لحلحلة الأزمة المندلعة بين البلدين منذ نحو 5 سنوات.
وتوقع مسؤولون كويتيون وسعوديون انفراجة قريبة تفضي لاتفاق مشترك يعيد العمل داخل المنطقة التي أوقف العمل فيها منذ عام 2014.
التاريخ الغريب الذي يميز المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت
والمنطقة المقسومة السعودية- الكويتية، البالغة مساحتها 5770 كيلومتراً مربعاً على الحدود بين السعودية والكويت، تُركت غير محددة حين جرى ترسيم الحدود بموجب معاهدة "العقير" في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 1922.
وظهرت المشكلة حول المنطقة المحايدة في عام 1922، عندما سعت كل من السعودية والكويت للحصول على أحقية تبعية المنطقة بامتداد من الصحراء على طول الخليج الحدودي، استمر الوضع عالقاً لعقود، لكنه لم يثبت أنه عقبة أمام اكتشاف وتطوير مستودع كبير للنفط في المنطقة، بحسب وصف وكالة "بلومبرغ" الأمريكية.
ويقسم إنتاج النفط في المنطقة المحايدة بالتساوي بين المملكة العربية السعودية والكويت.
ويتم تشغيل حقل الوفرة من قبل شركة نفط الخليج الكويتية الحكومية وشيفرون نيابة عن المملكة العربية السعودية. يدير حقل الخفجي شركة أرامكو السعودية العملاقة للنفط وشركة نفط الكويت.
وأوقفت الدولتان إنتاجهما من حقول النفط المشتركة -الخفجي والوفرة- عام 2014، مما قلص نحو 500 ألف برميل يومياً أو 0.5% من إمدادات النفط العالمية.
من أوقف الإنتاج النفطي من المنطقة المحايدة المشتركة بين السعودية والكويت؟
وكانت الكويت وراء وقف إنتاج النفط بالمنطقة المحايدة.
إذ تصاعدت التوترات منذ العقد الماضي، عندما غضبت الكويت جراء قرار سعودي بإطالة امتياز شركة شيفرون الأمريكية في الوفرة حتى عام 2039 دون استشارة الكويت.
وقالت بلومبيرغ إن المنطقة المقسومة بين الكويت والسعودية لم تنتج أي شيء منذ أن تم إغلاق الحقول هناك بين عامي 2014 و2015، وذكرت الوكالة أنها يمكنها ضخ حوالي 500 ألف برميل يومياً.
زيارة محمد بن سلمان المحبطة.. خلافات داخل القيادة الكويتية
العام الماضي، أثارت السعودية القضية.
وزار الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي الكويت بنفسه، لحل القضية في 30 سبتمبر/أيلول 2018.
لكنه عاد من دون حل.
اللافت أن زيارة محمد بن سلمان هذه، التي جرت العام الماضي، كانت قصيرة بشكل أثار الانتباه، وخاصة أنها يفترض أنها لم تكن زيارة عادية.
إذ قاد ولي العهد محمد بن سلمان وفداً سعودياً إلى الكويت. في زيارة اعتبرت أول زيارة رسمية لولي العهد الجديد إلى دولة من دول مجلس التعاون الخليجي منذ أن أصبح وريثاً للعرش (كان قبل ذلك يتولي منصب ولي العهد قبل عزل الأمير محمد بن نايف).
قصر فترة الزيارة التي استغرقت بضع ساعات فقط، والبيانات الروتينية التي أصدرتها كلتا الدولتين في ختام الاجتماع، جعلت المراقبين يرونها زيارة غير طبيعيةً.
وتكهن الكويتيون على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المعلقين الإقليميين بأن الزيارة سارت على نحو سيئ، وأن القضايا الرئيسية -إعادة فتح الإنتاج المقترحة في حقول النفط في المنطقة المحايدة أو أزمة قطر- أثارت نزاعات بين الجانبين.
ولي العهد السعودي يكشف عن خلاف داخل القيادة الكويتية
هناك فريق في القيادة الكويتية يرفض استئناف إنتاج النفط قبل الاعتراف بأنها منطقة تابعة للسيادة الكويتية.
كانت تصريحات الأمير محمد هذه بمثابة مفاجأة إذ أكدت التكهنات أن الزيارة لم تثمر عن الاتفاق.
وأضاف ولي العهد السعودي آنذاك، أن السعودية تقترب من إبرام صفقة "كبرى" مع الكويت، بشأن حقلين يمكنهما إنتاج نصف مليون برميل في اليوم من النفط الخام.
وقال ولي العهد السعودي إن فصيلاً من القيادة الكويتية قبل بالاقتراح السعودي، استئناف الإنتاج في المنطقة المحايدة، في الوقت الذي يتم فيه متابعة المحادثات لحل المشاكل العالقة.
وتابع "نحاول إقناع الكويتيين بالتحدث عن قضايا السيادة مع الاستمرار في الإنتاج حتى نتمكن من حل هذه القضية".
ورفضت وزارة الخارجية الكويتية تكهنات بأن الزيارة كانت متوترة، وأعادت الحديث التقليدي عن العلاقات الوثيقة بين البلدين.
ولكن بعد ذلك كشف مسؤول كويتي أن الزيارة سارت بشكل غير جيد
إذ قال مدير مؤسسة البترول الكويتية، نزار العدساني، إن زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الأخيرة للكويت "لم تكن جيدة".
وقال العدساني، خلال الملتقى السنوي لجمعية التنمية النفطية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019: إن "الخلاف على مناطق النفط المشتركة مع السعودية ما زال قائماً".
وأضاف: "كانت هناك اتفاقيات جاهزة ليوقع عليها الطرفان، لكن الخطوة فشلت نتيجة تحول الملف من فني إلى سياسي"، وتابع: "للأسف الزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي لم تكن جيدة".
ولم تنفِ الخارجية الكويتية التصريحات بشكل قاطع، ولكن حاولت احتواءها.
وقال نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجار الله، في تعليقه على تصريح المسؤول النفطي إن الحديث المنقول عن العدساني بشأن الزيارة "لا يعكس العلاقة التاريخية مع المملكة إطلاقاً".
وشدد الجار الله على أن ما قاله العدساني هو حديث في مناسبة فنية لقطاع النفط، تناولوا فيها شؤون النفط وشجونهم وهمومهم، ومن ثم فما قيل فيها "لا يعكس مواقفنا الرسمية".
وأضاف أن ما ذكره العدساني بأن الموضوع يتم تناوله على مستوى القيادة السياسية هو صحيح، فالموضوع منذ بدايته بجوانبه الفنية والسياسية يتم تناوله من جانب القيادة السياسية.
ويبدو من التصريحات من الجانب السعودي أن الرياض هي التي تسعى دوماً لاستئناف الإنتاج، في حين يبدو أن الجانب الكويتي ممتنع.
فالكويت يبدو أنها لا تريد استئناف الإنتاج في المنطقة المحايدة قبل الاتفاق على التفاصيل، وذلك في ضوء ما تراه الكويت انتهاكات أو تجاوزات سعودية مثلما حدث مع شركة شيفرن.
كما أن تصريحات الطرفين وقصر فترة زيارة محمد بن سلمان للكويت العام الماضي، تشير إلى أن الجانب الكويتي هو الغاضب، الأمر الذي يعني أن ما طرحه الأمير محمد أغضب الجانب الكويتي أو لم يرضه على الأقل.
ما الذي تغيّر ليناقش البلدان استئناف الإنتاج في المنطقة المعطلة؟
يأتي فتح النقاش في وقت تضغط فيه واشنطن على الرياض، أكبر حليف لها في الخليج، لخفض أسعار الخام من خلال زيادة الإنتاج، حسبما تقول وكالة رويترز.
ويقول تقرير لمعهد دول الخليج العربي في واشنطن إن الحاجة اشتدت إلى زيادة الطاقة النفطية مع تراجع إنتاج النفط الإيراني تحت ضغط العقوبات الأمريكية، واستمرار تراجع إنتاج النفط الفنزويلي.
وتقوم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعقب أوبك علناً، وتحث السعودية على تقديم البديل لأسواق النفط.
ومع تصاعد التساؤلات حول ما إذا كان لدى المملكة العربية السعودية القدرة الفائضة اللازمة لتلبية هذه المطالب، فإن الإمكانات غير المستغلة لحقول نفط المنطقة المحايدة في الوفرة والخفجي تلوح في الأفق.
يمكن أن تساهم الحقول بنصف مليون برميل من بين 1.5 مليون برميل من الإنتاج الإضافي الذي تسعى إليه المملكة العربية السعودية.
وسبق أن قال وزير الطاقة الأمريكي منذ عدة سنوات إن "السعودية تعكف على التوصل لحل مع الكويت بشأن نزاع حدودي مما قد ينتج عنه قريباً زيادة إنتاج النفط". مما يشير إلى اهتمام أمريكي دائم بهذه المنطقة الصحراوية.
ولكن نائب وزير الخارجية الكويتية، خالد الجار الله قال في لقاء مع صحيفة "القبس" الكويتية، مؤخراً، إن الكويت لا تحتاج إلى الوساطة الأمريكية لحل خلافاتها مع السعودية.
وكان وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، قال في فبراير/شباط الماضي، إن المملكة تتوقع التوصل إلى اتفاق هذا العام لاستئناف إنتاج النفط من المنطقة المقسومة مع الكويت.
ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت المنطقة المحايدة ستضخ كميات كبيرة من النفط على الفور حتى إذا توصلت الدولتان إلى اتفاق نهائي، لأن منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" قد مددت تخفيضات الإنتاج إلى أوائل عام 2020″.
فهل تصبح المنطقة السعودية الكويتية المحايدة لاعباً جديداً في عالم النفط، أم أن المخاوف الكويتية من الأخ الأكبر ستعرقل الاستفادة من هذه المنطقة.