في ظل ارتفاع التوتر في منطقة الخليج العربي، والتعرُّض الإيراني لناقلات النفط في الخليج، والحديث عن احتمالات شنّ الولايات المتحدة الأمريكية حرباً على إيران، يتساءل الأمريكيون حول تداعيات ذلك عليهم وعلى بلادهم، وتأثير الحرب المتوقعة على النفط الأمريكي على وجه الخصوص.
الحرب ستدمر سوق الطاقة الأمريكية
يرى الباحث والمساعد في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية كونور ساذرلاند، أنَّه حتى الهجمات الصاروخية المنعزلة ضيِّقة النطاق، أو الهجمات السيبرانية يمكن أن ترفع أسعار النفط إلى حدٍّ غير متصوَّر (الآن يبلغ 150 دولاراً) وهو ما يزيد بمقدار 100 دولار تقريباً عن السعر المتداول في الوقت الحالي لخام غرب تكساس الوسيط.
وصحيحٌ أنَّ الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتباطؤ الاقتصاد العالمي، والارتفاع الكبير في إنتاج النفط الأمريكي، كلها عوامل أبقت أسعار النفط تحت السيطرة حتى الآن (إذ انخفضت المؤشرات بنسبة 20% منذ أبريل/نيسان الماضي)، لكنَّ بعض الأسواق أظهرت سرعة تأثرها الحاد بالتوترات المتزايدة في الشرق الأوسط. فبعد الهجمات على ناقلات نفط في مضيق هرمز، الأسبوع الماضي، قفزت العقود الآجلة للنفط الخام قفزةً تجاوزت 4%.
وبعدما أسقط الحرس الثوري الإيراني طائرةً أمريكيةً مسيَّرة في 18 يوليو/تموز الماضي، ارتفعت الأسعار بنسبة 6%. وعلاوة على ذلك، ما زالت منظمة الدول المصدِّرة للنفط وشركاؤها (أوبك) تفي بالتزاماتها بخفض الإنتاج، حتى إنَّ بعض الدول الأعضاء تفخر بمعدلات التزامٍ قياسية، بينما تسعى إلى خفض الإنتاج بنسبةٍ أكبر من المتفق عليها في الأساس.
آخر ما يريده ترامب المتعطّش لفترة رئاسية ثانية
يقول ساذرلاند في مجلة The National Interest الأمريكية، إنه مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر إجراؤها في العام المقبل 2020 أكثر فأكثر، فإن آخر ما يريده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو ارتفاع أسعار النفط والبنزين، لاسيما خلال فصل الصيف، الذي يشهد ارتفاع معدلات القيادة وزيادة الطلب على البنزين.
ولأنَّ أسعار النفط الخام تمثل حوالي 60% من أسعار البنزين، فالحرب مع إيران ستكون كارثة لسائقي السيارات الأمريكيين، لاسيما أنَّ حوالي 40% من النفط الخام في العالم يأتي من منظمة أوبك. وبنشوب حربٍ مع إيران في هذا السياق، لا يبدو هذا التنبؤ بعيد المنال.
أمريكا أقل أماناً
وهذا يكشف عن مشكلة كبيرة في سياسة الطاقة الأمريكية: فإذا كانت مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة معرَّضة لخطرٍ كبير بسبب التصرفات الإيرانية الأخيرة في الشرق الأوسط، ينبغي ألَّا تتأثر واشنطن بالمخاوف من اندلاع أزمة طاقة في الداخل إذا كانت بحاجةٍ إلى الردِّ بقوةٍ مناسبة على هذه التصرفات.
وهذا القلق يجعل أمريكا "أقل أماناً"؛ إذ يُمكن أن تُقرِّر بعض الأطراف الفاعلة، مثل الحرس الثوري الإيراني أو حزب الله، أنَّ الهجوم على الأصول الأمريكية في الشرق الأوسط يستحق المخاطرة ما دامت إدارة ترامب قلقة من أنَّ ارتفاع أسعار النفط (وبالتبعية سعر البنزين) يمكن أن يضر فرص الرئيس الأمريكي في الفوز في انتخابات العام المقبل.
وهذه الحالة من الافتقار إلى الرادع قد لا تضر المصالح الأمريكية فحسب، بل تضع كذلك حلفاء أمريكا الأقرب في المنطقة -وعلى رأسهم مصر وإسرائيل والأردن والمملكة العربية السعودية- في خطر.
هل يمكن لواشنطن حل هذه المشكلة؟
بحسب ساذرلاند، فإن هذه المعضلة كان من الممكن تجنُّبها، ويُمكن تجنُّبها في المستقبل كذلك، ولكن من أجل سدِّ الفجوة بين مصالح الأمن القومي الأمريكي وإمدادات الطاقة الأمريكية، تحتاج إدارة ترامب إلى "وقفةٍ مع النفس" بشأن كيفية تفكيرها في الطاقة ككل.
فمنذ أن بدأ ترامب حملته الانتخابية للرئاسة لأول مرة منذ أكثر من أربع سنوات، تغنَّى مراراً وتكراراً بدعمه القاطع لما يصفه بـ "الفحم النظيف". وقد تجلَّى ذلك مؤخراً في الأسبوع الجاري، إذ اتَّخذ البيت الأبيض قراراً بتخفيف القيود، التي فُرضت في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، على الانبعاثات الناتجة من محطات توليد الطاقة التي تحرق الفحم. وبالنسبة لترامب، فإنَّ تبنِّي الفحم مدعومٌ باعتبارات انتخابية بحتة: فمن بين أكبر خمس ولايات منتجة للفحم، فاز ترامب بأربعة في انتخابات عام 2016.
ولكن كما أظهرت الدراسات مراراً، لا يوجد مستقبل اقتصادي للفحم. وبسبب التقلبات الهائلة في أسعار النفط وسهولة الحصول عليه (كما أثبتت الأحداث المفاجئة في الأسبوع الماضي)، تعد إمكانية الاعتماد عليه محلَّ شكّ.
الحل تنويع موارد الطاقة، لكن إدارة ترامب لا تريد ذلك
بالطبع هناك مساعٍ إلى ذلك قيد التنفيذ بالفعل، ومستمرة على الرغم من مراعاة البيت الأبيض لمصادر الطاقة التقليدية، إذ تضاعف الاعتماد على موارد الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء في السنوات العشر الأخيرة، وصارت تُمثِّل الآن 17.6% من إجمالي توليد الكهرباء في البلاد. وتأتي حوالي 90% من هذه الزيادة من الرياح والطاقة الشمسية، فيما تشكل الطاقة الكهرومائية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة الـ10% الأخرى.
ومن الواضح أنَّ الإدارة الأمريكية لم تجنِ شيئاً من كلِّ ما تحاول فعله لإلغاء التقدم في الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. ومع ذلك، فالمحاولات التي تبدو تعسفية وسيئة التخطيط لتغيير الوضع القائم الناشئ -والتي يثير معظمها غضب أكبر الأطراف الفاعلة في اقتصاد الطاقة- تضر أكثر مما تنفع.
إذ يعارض ترامب وكبار مسؤولي إدارته حتى الآن العلم الذي يؤكِّد حقيقة تغير المناخ، ويتجاهلون القوى الاقتصادية التي تقود التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة. وبينما أكَّد ترامب نفسه في عدة مراتٍ سابقة أنَّه لا يعتزم التضحية بالمزيد من الدماء والثروات في الشرق الأوسط، فالمغامرات العسكرية الإيرانية قد تجبره على إعادة التفكير في موقفه.
وفي هذه الحالة، إذا اضطرت الولايات المتحدة إلى دخول المعركة، فعليها أن تفعل ذلك وهي متيقنة بأنَّ لها اليد العليا، وألَّا تتعرَّض للإعاقة بسبب مخاوفها المتعلقة بالطاقة. وربما يُمكن إقناع إدارة ترامب بإلقاء نظرةٍ أخرى على سياسات الطاقة لديها، من أجل مصالح الأمن القومي وواقع السوق. أمَّا إذا لم يحدث ذلك، فيمكن لأي صراعٍ مع إيران أن يُثبت أنَّه تخبُّط آخر في الوجود الأمريكي الطويل للغاية في الشرق الأوسط.