ذكرت وزارة الدفاع السعودية، الجمعة الماضي، أنَّ الملك سلمان وافق على استضافة قواتٍ أمريكية في البلاد في ظل تصاعد التوترات بين إيران والغرب في أعقاب سلسلة من الحوادث في الخليج، كان آخرها احتجاز إيران لناقلة نفط ترفع العلم البريطاني. لكن العجيب أن هذا الإعلان لم يؤدِّ إلى أي ردود فعل محلية كالتي حصلت إبان حرب الخليج الثانية عام 1990.. فما الذي تغيَّر؟
الأمريكيون يعودون للسعودية بعد غياب لـ16 عاماً
حين غزت القوات العراقية الكويت في عام 1990 واحتشدت بالقرب من الحدود السعودية، اتخذ الملك الراحل فهد قراراً صعباً بالسماح بنشر 500 ألف جندي أمريكي في المملكة لإحباط هجومٍ من دولةٍ عربية إسلامية أخرى.
وقد أيَّد كبار علماء المؤسسة الدينية آنذاك الخطوة التي اتخذها الملك، لكنَّها أثارت غضب العديد من رجال الدين الجدد، وكان من بين الرافضين أسامة بن لادن، الذي نفَّذ تنظيم القاعدة الذي كان يتزعمه سلسلةً من التفجيرات في المملكة العربية السعودية بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول. ولم يُسحَب آخر جندي أمريكي من المملكة إلَّا في أبريل/نيسان من عام 2003، أي بعد شهرٍ من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق.
لكنَّهم يعودون الآن على ما يبدو بعد إعلان الرياض استضافتها لقوات أمريكية، وعلى عكس ما حدث في عام 1990، لم يؤدِّ الإعلان السعودي إلى أي رد فعل محلي، وهذا مؤشرٌ على كيفية تغيُّر السعودية وعلاقاتها مع الولايات المتحدة، كما تقول صحيفة The Financial Times البريطانية.
ما الذي تغيّر بين حرب 1990 واليوم؟
كتب جميل الذيابي، رئيس تحرير صحيفة عكاظ السعودية اليومية، الأحد 21 يوليو/تموز، قائلاً: "وجود القوات الأمريكية يرسل رسالةً عملية شديدة جداً إلى النظام الإيراني بأنَّ أي محاولات عبثية أو عربدة أو تصرفات إجرامية لاستغلال التوترات بالمنطقة ستواجه بالقوة العسكرية اللازمة التي تردعها وميليشياتها ووكلاءها، لأنَّ إيران لا تفهم إلا لغة القوة، ولا تكترث بسياسة التحاور والتشاور" .
وقد ظهرت اللهجة التي استخدمها الذيابي في صحيفتين سعوديتين أخريين على الأقل، مما يُشير إلى أنَّها جاءت بإملاءٍ من الحكومة السعودية، التي تعد أحد أقوى حلفاء إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الشرق الأوسط.
هذا ومن المنتظر أن يشمل نشر القوات الأمريكية 500 جندي أمريكي، وفقاً لمسؤولي وزارة الدفاع الأمريكيين الذين نقلت شبكة CNN الأمريكية تصريحاتهم. وسيكون هؤلاء الجنود من بين 2500 فردٍ قالت واشنطن إنَّها ستبعث بهم إلى الشرق الأوسط في بيانين منفصلين في الشهرين الماضيين لم يذكرا وِجهتهم المُقرَّرة.
ومن جانبها قالت القيادة المركزية الأمريكية إنَّ نشر القوات "يوفر رادعاً إضافياً، ويضمن قدرتنا على الدفاع عن قواتنا ومصالحنا في المنطقة من تهديداتٍ ناشئة وقابلة للتحقُّق بشدة" .
جديرٌ بالذكر أنَّ أكبر قاعدة عسكرية أمريكية خارجية تقع في قطر، التي تعد منافساً إقليمياً للمملكة العربية السعودية، وتقع منذ عامين تحت حصارٍ فرضته عليها المملكة وثلاثة من حلفائها من الدول العربية.
انعكاس للعلاقة بين ترامب وولي العهد السعودي
وفي الرياض، ستُقدَّم خطوة نشر جنود أمريكيين في المملكة على أنَّها "توضيحٌ إضافي لمدى تحسُّن العلاقات مع الولايات المتحدة بشكلٍ ملحوظ منذ أن حل ترامب محل سلفه باراك أوباما"، كما تقول الصحيفة البريطانية.
إذ غضبت المملكة العربية السعودية من توقيع إدارة أوباما على الاتفاق النووي الذي أبرِم في عام 2015 مع إيران، في خطوةٍ تعتقد الرياض أنَّها جرَّأت الجمهورية الإسلامية. لكنَّ ترامب، الذي زار المملكة في أول رحلةٍ خارجية له بعد توليه الرئاسة، انسحب من الاتفاق النووي في العام الماضي 2018، وفرض عقوباتٍ اقتصادية على إيران.
وكذلك وقف الرئيس الأمريكي بثباتٍ إلى جانب الأمير محمد بن سلمان مع أنَّ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية خلُصت إلى أنَّ الزعيم الفعلي للمملكة، لا بد أن يكون قد أذن بقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
ومن جانبه، قال فيصل عباس، رئيس تحرير صحيفة Arab News السعودية، إنَّ خطوة نشر القوات "ستُرى في المملكة ومعظم أنحاء المنطقة على أنَّها علامةٌ أخرى على أنَّ إدارة ترامب تتفهَّم مصالحها الخاصة جيداً، لكنَّها في الوقت نفسه لا تتجاهل حلفاءها" .
لماذا لن نرى ردود فعل لاستضافة السعودية للقوات الأمريكية؟
بحسب الفاينانشيال تايمز، فإن عدم وجود رد فعل حاد على هذه الخطوة يعكس العلاقة المتغيرة بين أفراد العائلة المالكة ورجال الدين في السعودية في ظل قيادة الأمير محمد حملة تجديد لم تترك متنفساً للنقاش وعرض الآراء.
فبعض رجال الدين السعوديين المعتدلين مثل سلمان العودة وسفر الحوالي، اللذين برزا في التسعينيات من القرن الماضي بسبب معارضتهما نشر قواتٍ أمريكية في المملكة آنذاك، مسجونون منذ عام 2017، في ظل حملة اعتقالات واسعة شرعت فيها السلطات ضد أي أصوات معارضة.
لذا يدرك رجال الدين الآخرون أنَّ عواقب التحدث ضد هذه السياسات يمكن أن تكون خطرة؛ إذ ذكر هاني صبرا، مؤسس شركة Alef Advisory الاستشارية، أنَّ الأمير محمد أظهر أنَّه يكره النقد أو المعارضة.
وقال صبرا: "إذا نظرت إلى العامين الأخيرين، ستجد أنَّه فعل الكثير من الأشياء التي كانت تُعَد في الماضي من المحرمات، لكنَّها لم تُثِر أي رد فعل"، واستشهد على ذلك بالتغييرات التي لطالما عارضها رجال الدين المحافظون، مثل السماح للنساء بقيادة السيارات وفتح دور السينما.
القمع السعودي.. "معنا أو ضدنا"
بيد أنَّ القمع السعودي المتصاعد ضد المعارضين، بما في ذلك قتل خاشقجي، رافقه تصاعد الخطاب القومي المتطرف، الذي أصبح مهيمناً على الصحف وشبكات التواصل الاجتماعي في المملكة.
وفي الوقت نفسه، أصبح التنافس بين المملكة وإيران يتجه بوتيرةٍ متزايدة نحو دخول مواجهةٍ صدامية، في ظل سعي القادة السعوديين إلى نشر نهج "إما أن تكون معنا أو ضدنا" في التعامل مع توترات الشرق الأوسط.
يُذكَر أنَّ المملكة العربية السعودية وإيران قطعتا العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 2016 بعدما اقتحم بعض المتظاهرين السفارة السعودية في العاصمة الإيرانية طهران وأحرقوها عقب إعدام رجل دين شيعي في السعودية.
وكذلك تتهم الرياضُ إيرانَ بدعم المتمردين الحوثيين في اليمن، حيث تقود المملكة العربية السعودية تحالفاً عربياً يقاتل الحوثيين في حربٍ مستمرة طاحنة منذ أربع سنوات.