رسائل إيران لأعدائها وشعبها من فيلم الجاسوسية الدرامي الذي استفز ترامب

عربي بوست
تم النشر: 2019/07/22 الساعة 16:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/22 الساعة 16:01 بتوقيت غرينتش
عناصر من الشرطة الإيرانية/ رويترز

جاء إعلان طهران عن تفكيك شبكة جواسيس إيرانية تابعة للاستخبارات الأمريكية ليضيف مزيداً من التوتر والتعقيد على المشهد المتوتر أصلاً في منطقة الخليج، ولكن الأهم أنه يحمل رسائل متعددة إلى أطراف الأزمة الإيرانية، وقد تكون إلى الداخل الإيراني ذاته.

وقالت السلطات الإيرانية في وقت سابق من الإثنين 22 يوليو/تموز 2019، عن تفكيك شبكة من 17 جاسوساً، إنهم تلقوا تدريبات من CIA الأمريكية، مشيرة إلى أنه تم إصدار أحكام بالإعدام ضد عدد منهم.

ونشر التلفزيون الإيراني فيلماً يشير إلى أن ضباطاً من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أجروا لقاءات مع المواطنين الإيرانيين المتهمين بالتجسس في عدد من البلدان، بينها الإمارات وتايلاند وأفغانستان والنمسا.

ويصوّر الفيلم المعنون بـ "صيد الجواسيس"، تجنيد مواطن إيراني من قِبل عميلة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في دبي.

ويظهر في الفيديو ما قيل إنها ضابطة بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وهي تجند إيرانياً في الإمارات، وتقول امرأة لإيراني في الوثائقي: "لأن هناك كثيراً من ضباط المخابرات في دبي. الوضع خطير جداً". وكانت المرأة تتحدث الفارسية بلكنة تبدو أمريكية.

تفكيك شبكة جواسيس إيرانية تابعة للاستخبارات الأمريكية ليس بالأمر الجديد، فلمَ يثار حوله كل هذه الضجة؟

وكان لافتاً أنَّ نشر الفيلم تزامن مع إعلان أن عدداً من الجواسيس قد حُكم عليهم بالإعدام، ليشير إلى أن القضية ليست بجديدة. 

وحسب وسائل الإعلام الإيرانية، فإن الشبكة التي تضم 17 جاسوساً أُلقي القبض عليها في السنة الفارسية الماضية التي انتهت في مارس/آذار 2019.

وكانت إيران قد أعلنت في يونيو/حزيران الماضي، أنها فككت شبكة تجسس لحساب المخابرات المركزية الأمريكية. ولم يتضح مدى ارتباط إعلان اليوم بالقضية نفسها.

ولكن اختيار إيران هذا التوقيت، لإضفاء إثارة على قضية ليست جديدة، يبدو أنه يستهدف توجيه رسائل عديدة، بعضها إلى دول الجوار وبعضها إلى أمريكا، وقد تكون الرسالة الأهم موجهة إلى الداخل الإيراني.

ترامب يردُّ بسرعة على الرسالة الموجَّهة إلى أمريكا

كعادته سارع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرد سريعاً على الرواية الإيرانية، متهماً بالطهران بالكذب.

علماً بأنه في مثل هذه العمليات تتريث الدول في الرد إلى حين التأكد من الرواية، كما أنها لا تقحم نفسها في المسألة بقوة إلا إذا كان أحد المحكوم عليهم يحمل جنسيتها.

ولكن ترامب كسر هذه القواعد، كما يفعل دوماً.

وقال ترامب، في تغريدةٍ نشرها على حسابه الرسمي بموقع "تويتر"، اليوم الإثنين: "التقرير حول إلقاء إيران القبض على جواسيس تابعين لـCIA كاذب كلياً. إنه ليس إلا خدعة ودعاية جديدة (مثل طائرتهم المسيَّرة المُسقَطة) ينشرها النظام الديني، الذي يفشل فشلاً ذريعاً ولا فكرة لديه حول ماذا يجب أن يفعل".  

وأضاف ترامب مهدِّداً السلطات الإيرانية: "اقتصادهم ميت، والأمر سيتدهور بشكل كبير. إيران تمر بفوضى كاملة!".

وتبدو الرسالة الإيرانية إلى الأمريكيين أن رهانكم على اختراق الداخل الإيراني، بعد تخلّيكم عن الخيار العسكري لن ينجح.

مغزى الرسالة الموجهة للإمارات

ولكن اللافت هو تركيز الرواية الإيرانية على تجنيد الاستخبارات الأمريكية للجواسيس الإيرانيين في الإمارات، وأن المشهد الرئيسي جرى تصويره في دبي.

ويشكل هذا جزءاً من المنهج الإيراني في التركيز على استهداف الإمارات في كثير من عملياتها التي تسعى للرد على العقوبات الأمريكية، وذلك نظراً إلى قرب الإمارات الجغرافي لها من ناحية ولأنها من صقور الحلف المعادي لها من ناحية أخرى، وأيضاً لأن طبيعة الاقتصاد الإماراتي القائم على الخدمات تجعله أكثر تأثراً بنوعية الدعاية والهجمات الغامضة التي يعتقد أن طهران تقف وراءها.

وتبدو الرسالة الإيرانية كأنها تقول إن طهران قادرة على التوغل بقلب الإمارات وإفشال المخططات التي تحاك ضدها في هذه الدولة الخليجية الجارة.

ولكن الرسالة الأهم قد تكون موجهة للداخل الإيراني.. ماذا يقول الملالي لشعبهم؟

الغريب أن الرواية الإيرانية تحدثت أن شبكة الجواسيس اخترقت أماكن ومناصب حساسة، وما يفهم منها أنها حصلت على معلومات بالفعل.

ونقل التلفزيون الرسمي عن بيان لوزارة الاستخبارات أن الجواسيس يعملون في مراكز حساسة وحيوية في القطاع الخاص في المجالات الاقتصادية، والنووية، والعسكرية، والفضاء الإلكتروني، وقطاع البنية التحتية، حيث جمعوا معلومات سرية".

واللافت أيضاً أن الرواية الإيرانية ذكرت أن بعضهم حكم عليهم بالإعدام وكأنها رسالة تحذير لمن تسول له نفسه أن يتجسس على بلاده أن يلقى هذا المصير. 

والتفاصيل التي رسمتها الرواية تتحدث عن أن الأمريكيين استخدموا أساليب لإغراء الإيرانيين عبر تقديم وعود لهم بتوفير فرص عمل والهجرة إلى الولايات المتحدة.

كما كان لافتاً التركيز على أن عملية التجنيد التي قيل إنه قد نفذتها ضابطة أمريكية شقراء.

وكأن الرسالة الإيرانية تحاول التصدي لأي محاولة أمريكية لاستغلال السخط الشعبي على الأوضاع الاقتصادية أو استغلال الحلم الأمريكي لاختراق الأوساط الإيرانية الحساسة.

المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي/ رويترز

تبدو إيران تواجه المشكلة التي واجهها الاتحاد السوفيتي من قبل خاصة في أواخر أيامه، حينما تضافرت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السيئة مع إغراءات الحياة الأمريكية أو نموذج الحلم الأمريكي لتشكلا عاملين مهمين لتجنيد الجواسيس لصالح الغرب.

ويشكل التركيز على الإمارات في الرواية الإيرانية رسالة كذلك للمواطنين الإيرانيين الذي يتواجدون بكثافة في هذه الدولة، والتي تمثل منفذاً مهماً للإيرانيين على العالم الخارجي بأنهم مراقبون حتى خارج بلادهم وذلك منعاً لاستمالتهم من قبل الأمريكيين أو الإيرانيين أو غيرهم.

تواصل طهران عبر هذا الفصل الجديد إدارتها للأزمة مع الولايات المتحدة عبر السعي للتصعيد المحسوب تحت سقف مرحلة ما قبل الحرب، ويشجعها على ذلك أن ترامب بدا حاسماً في رفضه للتورط في قتال مع طهران ونيته التركيز على العقوبات الاقتصادية.

ومع الإعلان الغريب لوزير الخارجية الأمريكي جورج بومبيدو بأن على بريطانيا (أقرب حليف لأمريكا) حماية سفنها فإنه من المتوقع أن يزداد قناعة إيران بأن الأمريكيين لن يحاربوها وبالتالي يفسح هذا المجال أكثر أمامها لمزيد من المناورات، ما دامت تتوقع أن الأمر لن يصل للحرب.

تحميل المزيد