انتقادات عديدة مازالت توجه للاتفاق السياسي الذي وقع بين قوى إعلان الحرية والتغيير وبين المجلس العسكري الحاكم في السودان، وسط مخاوف من تلاعب العسكري السوداني بالاتفاق.
وما زال الكثيرون يتخوفون من عدم صمود الاتفاق، خاصة عقب تأجيل التوقيع على الإعلان الدستوري الذي يحدد صلاحيات المجلس السيادي القادم وطريقة إدارة البلاد في الفترة الانتقالية المقررة بثلاث سنوات وثلاثة أشهر، فضلاً عن عدم حسم مشاركة الجبهة الثورية والتي تتكون من عدة حركات مسلحة ظلت لسنوات تحارب نظام الرئيس المعزول.
وتخوض هذه الحركات مفاوضات ماراثونية مع قوى التغيير في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا على أمل اللحاق بركب الاتفاق مع المجلس العسكري وتكوين حكومة انتقالية.
"عربي بوست" حمل كل تلك المخاوف والتساؤلات للقيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير ونائب رئيس حزب الأمة القومي إبراهيم الأمين.
الأمين كشف في الحوار التالي عن سر ثقة قوى الحرية والتغيير في قدرتها على تنفيذ الاتفاق ومصير الإسلاميين في النظام الجديد وانتقد موقف الحزب الشيوعي الرافض للاتفاق.
- في البدء حدثنا عن الجو العام الذي تم فيه الاتفاق بينكم وبين المجلس العسكري.
أعتقد أن الاتفاق يشكل نقطة فاصلة بين مرحلتين في فترة استثنائية؛ لأن كل ما تم في المرحلة السابقة كان هو اقتلاع رأس النظام البائد، أما جسم النظام، وكل مكوناته مازالت مسيطرة على مفاصل الدولة حتى الشركات والمؤسسات والبنوك وأجهزة الإعلام، لذا فإن الاتفاق يتيح الفرصة لقوى الثورة الممثلة في إعلان الحرية والتغيير لتشكيل حكومة مدنية، فضلاً عن المشاركة في المجلس السيادي الذي سيقود المرحلة المقبلة.
صحيح أننا أجلنا مسألة المجلس التشريعي، لكن تشكيل الحكومة بلا شك سيساعد في تفكيك نظام الإنقاذ البائد بالصورة التي تسمح بظهور سياسات ووجوه جديدة تمكننا من إدارة البلاد وفق تطلعات الشعب السوداني.
وهناك تحديات كبيرة داخلية وخارجية، الاتفاق نفسه وحتى اللحظة الأخيرة كان هناك من يسعى لإجهاضه، لكن تلك الأصوات لم تجد الفرصة، وهو مقدمة للاتفاق الشامل عبر التوقيع على الوثيقة الدستورية في الأيام المقبلة.
صلاحيات كبيرة للقوى المدنية
- ما هي أبرز بنود الاتفاق؟
يمكن أن نلخص أبرز بنود الاتفاق في التوافق على تكوين مجلس السيادة الذي يتشكل من 11 عضواً، خمسة عسكريين يختارهم المجلس العسكري وخمسة مدنيين تختارهم قوى إعلان الحرية والتغيير، إضافة إلى شخصية مدنية يتم اختيارها بالتوافق بين الطرفين.
يحدد المرسوم الدستوري صلاحيات ووظائف وسلطات مجلس السيادة، وتختار قوى إعلان الحرية والتغيير اسم رئيس الوزراء للحكومة المدنية وفق الشروط التي سترد في المرسوم الدستوري.
يتشكل مجلس الوزراء من شخصيات وطنية مستقلة ذات كفاءة لا يتجاوز عددهم العشرين وزيراً يختارهم رئيس مجلس الوزراء من قائمة مرشحي قوى إعلان الحرية والتغيير، ولرئيس مجلس الوزراء الحق في أن يرشح استثناءً شخصيتين من أصحاب الانتماء الحزبي من ذوي الكفاءة، فيما يعين المكون العسكري بمجلس السيادة وزيري الدفاع والداخلية.
ولعل واحد من أهم الشروط في الاتفاق أنه لا يجوز لمن شغل منصباً في مجلس السيادة أو مجلس الوزراء أو ولاة الولايات أثناء الفترة الانتقالية الترشح في الانتخابات التي تلي الفترة الانتقالية.
- هل هناك أي دور للدول الإقليمية في هذا الاتفاق مثل السعودية والإمارات ومصر؟
يمكنني القول إن هذا الاتفاق سوداني بنسبة (%100) صحيح كان هناك وسطاء لكنهم كانوا مجرد مسهلين للأمر، خاصة أنهم قد استوعبوا القضية السودانية بالصورة التي مكنتهم من تقريب وجهات النظر بين الأطراف ولم يتدخلوا بشكل مباشر في عملية التفاوض.
الكثير من السفراء العرب والأوروبيين كانوا متواجدين ويعبرون عن مواقف بلدانهم المساندة للثورة السودانية والتي تدعو إلى أن يشكل الثوار الحكومة المقبلة بما يرضي تطلعات الشعب السوداني وآماله في المستقبل.
ولكن المشكلة في الحركات المسلحة
- أين موقع الحركات المسلحة من الاتفاق خاصة بعد موقف الجبهة الثورية الأخير وخوفها من الإقصاء؟
نحن مهتمون جداً بقضية السلام، وهي القضية المركزية في المرحلة المقبلة، السلام هو العنصر الأساسي الذي يساعد على استقرار البلاد ويوفر أموالاً طائلة كانت تذهب للحرب، والأهم هو المحافظة على أرواح أبناء الشعب السوداني والاتفاق نبه إلى أن الستة أشهر الأولى ستوجه لعملية السلام وإنهاء المعاناة التي عايشها أبناء البلد في المناطق المتأثرة بالحرب.
كل الاتفاقيات السابقة كانت تتعامل مع القيادات ولم تحقق أي عمل له قيمة بالنسبة للمواطنين، والدليل على ذلك هناك أكثر من 4 ملايين شخص في معسكرات النزوح يعيشون حياة مريرة جداً، ولذلك نحن نريد أن نخاطب هؤلاء، ويجب أن يكون هناك إضافة للسلام تعويض مجزٍ بالنسبة لهم كأفراد أو جماعات، وأن يرد كل ما سلب منهم، خاصة التي انتزعت عنوة، كل هذه القضايا نهتم بها في الحرية والتغيير، وسيتم ذلك بالصورة التي ترضي المواطن.
- لماذا لم يتم انتظار نتيجة المفاوضات مع الحركات المسلحة التي تدور في أديس أبابا؟
الواقع أن الحركات المسلحة مختلفة جميعاً في تكويناتها وخلفياتها التاريخية، لكن ما يجمعها هو الرغبة في تحقيق السلام بجميع أرجاء البلاد، لكن لكل حركة آلياتها وطريقتها في تحقيق ذلك، ونحن نشاطرهم في هذا الهدف وكل اللقاءات التي تمت هدفها توحيد والمواقف على حل مقبول ومرضٍ، والحل المطروح هو توقيع اتفاقية سلام شامل تضم جميع الحركات في إطار الاستراتيجية المستقبلية وعليه ستكون من الحكومة القادمة.
استغراب من موقف الحزب الشيوعي
- كيف تتعاملون مع ردود الأفعال الرافضة للاتفاق؟
نتحدث عن ديمقراطية في أبسط صورها هي إدارة الخلاف سلمياً، قوى الحرية والتغيير تحالف واسع يضم عدداً كبيراً من الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني؛ لذلك فإن كل تلك المكونات تتفق في الهدف الكبير، لكنها تختلف في الجوانب الإجرائية وطريقة تطبيق إعلان الحرية والتغيير، وقد تحدث خلافات في هذا الجانب، حدثت بالفعل، لكننا نسعى للمحافظة على وحدة قوى التحالف.
- كيف تفسر موقف الحزب الشيوعي الرافض للاتفاق وهو يعتبر أحد مكونات الحرية والتغيير؟
هذا الموقف يحتاج إلى وقفة؛ لأن الحزب الشيوعي شارك في كل المناقشات والخطوات حتى اليوم الأخير، بل كان طرفاً في بعض التعديلات التي أدخلت على الاتفاقية، ومع هذا أصدر بياناً رفض فيه الاتفاق والمشاركة في المرحلة المقبلة، بالتالي كان هناك تناقض في موقفه داخل اللجنة والبيان الذي أصدره، وهذا التناقض من الصعب قبوله.
الجزء الأول من الاتفاق قد تم التوقيع عليه، وما تبقى هو الجزء الثاني المتمثل في الوثيقة الدستورية، ولذا نطلب من الحزب الشيوعي المحافظة على وحدة قوى إعلان الحرية والتغيير، يمكن أن يكون هناك نقاش واختلاف، لكن يجب أن يلتزم كل طرف برأي الأغلبية، وهذا هو المنهج الذي يتبع في كل نظام ديمقراطي.
- ما النقاط التي كان يعترض عليها الحزب الشيوعي تحديداً؟
لم أقرأ البيان، لكن بحسب ما وصلني، فإنهم يتحدثون عن ست نقاط تدخل لأول مرة في الاتفاقية، بعضها يتعلق بقوات الدعم السريع.
وكان الحزب الشيوعي قد قال في بيانه الرافض للاتفاق إن الاتفاق خالف القرارات الصادرة من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، والتي تنص على انتقال السلطة لحكومة مدنية، لأنه "كرّس هيمنة المجلس العسكري الانقلابي على كل مفاصل الدولة، مما يتناقض مع مبدأ البناء على ما تم في الاتفاق السابق مثل: ما ورد بشأن المجلس التشريعي، حيث أكد العسكري على مراجعة النِّسب التي تم الاتفاق عليها سابقاً (67% لقوى التغيير و 33% للقوى غير الموقعة على الإعلان)" .
كما أكد أن الاتفاق أغفل ما يتعلق بتفكيك النظام، ومحاسبة رموزه الفاسدة، واستعادة أموال وممتلكات الشعب المنهوبة، وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وإعادة هيكلة جهاز الأمن ليصبح لجمع المعلومات وتحليلها ورفعها، وحل كل الميليشيات خارج القوات المسلحة وفق الترتيبات الأمنية في الفترة الانتقالية.
مستقبل الإسلاميين
- ما مصير القوى السياسية الأخرى التي لم تكن جزءاً من الثورة والتيارات الإسلامية تحديداً مثل المؤتمر الشعبي؟
في الوقت الحالي برنامج تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير هو المتفق عليه، وهو برنامج الحكومة القادمة، وبالتالي الفترة الانتقالية تسير وفق شروط محددة عبّر عنها الاتفاق، وتلك الرؤية لن تتيح الفرصة للأحزاب المنضوية تحت لواء إعلان الحرية والتغيير بالمشاركة في الحكومة.
وبالتالي لن تكون هناك أيضاً أي قوى أخرى؛ لأنها أولاً غير ملتزمة بإعلان الحرية، إضافة لشرط الاتفاقية الذي يحظر على جميع الكوادر الحزبية المشاركة.
أما فترة ما بعد المرحلة الانتقالية فهي مفتوحة للجميع دون تمييز، نحن ضد الإقصاء والاحتكار ولا نسعى لعقاب جماعي لأحد، بل نسعى لبناء وطن ديمقراطي للجميع.
مخاوف من تلاعب العسكري السوداني بالاتفاق .. الشعب هو الضامن
- تم ترحيل الملفات المهمة للوثيقة الدستورية ما يشير لصعوبة الأمر.. هل ترى الطريق مفتوحاً أمام الاتفاق النهائي؟
الأمر ليس بتلك الصورة؛ لأن هناك اتفاقاً سياسياً تعرض لكل القضايا بشكل مجمل بترتيب معروف، صحيح أن الوثيقة الدستورية قد يكون بها قضايا ستأخذ جدلاً كبيراً، لكننا متمسكون بشعارات الثورة وسندافع عنها بما يحقق كل تطلعات الشعب السوداني.
سندافع عن كل ما من شأنه أن يؤدي إلى قيام حكومة تتمتع بصلاحيات واسعة، وبالتالي الحكومة القادمة ستكون خادمة الشعب، فضلاً عن تنفيذ المطلب الأساسي حول لجنة التحقيق المستقلة للتحقيق في قضية فض الاعتصام وكل الانتهاكات التي تمت في حق أبناء الشعب السوداني، سواء في الخرطوم والولايات، وأن تتم محاسبة أي شخص ارتكب جريمة في حق المواطن السوداني.
- ما مدى ديمومة الاتفاق، لا سيما أن الشارع يتخوف من تراجع المجلس العسكري، وكيف يمكن ضمان التزامه به؟
نحن نعتمد -بعد الله- على شعبنا والشباب الذين قاموا بالثورة وهم الذين يحرسون الثورة، الضمان هو الشعب السوداني وقدرته على التغيير، ومقاومة أي عمل يحاول إجهاض الثورة.
- يرى البعض أن مسألة الحصانة تمثل حجر عثرة في المفاوضات المقبلة كيف يمكن تجاوزها؟
قضية الحصانة أثيرت نتيجة تسريب وثيقة لم يتم التفاوض حولها حتى الآن، لكن نقولها وبكل وضوح: نحن ضد الحصانة المطلقة، ونحن الذين أسقطنا نظاماً ديكتاتورياً فاسداً، ولن نقبل بأن يكون تكون هناك حصانة مطلقة، فلا يوجد شخص فوق القانون.
ولكن الحديث يدور فقط عن الحصانة الإجرائية التي ترتبط فقط بالأداء الوظيفي وأعتقد أننا سنتجاوزه بسهولة.
- لماذا تم اختيار أحمد ربيع للتوقيع ممثلاً للحرية والتغيير؟
أولاً الحديث عن أحمد ربيع كشخص غير معروف غير دقيق، بل هو رمز من رموز الثورة، ولعل الجميع يذكر مع بداية الثورة أن الحديث حول تجمع المهنيين بوصفة كياناً هلامياً غير معروف، وكون أن يوقع على الاتفاق شخص يمثل التجمع فهذا اعتراف بدور هذا الجسم الكبير، وبأن الثورة بها فصائل مختلفة، وأي منها يمكن أن يوقع.
لماذا يحمل الاتفاق جملاً متناقضة قد تصبح قنابل موقوتة كالحديث عن تمسك الحرية والتغيير بنسبة 67% في المجلس التشريعي وتمسك المجلس العسكري بمراجعة تلك النسب.. كيف ترى الأمر؟
في الحقيقة تلك القضايا أُجلت بناء على المذكرة التي تقدم بها الوسيطان الإفريقي والإثيوبي، وصحيح هناك اختلاف، لكن كان واضحاً تمسك الحرية والتغيير بالنسب السابقة، كل طرف رفض التنازل عن موقفة، واتفقنا على التفاوض لاحقاً، يمكن القول إن الاختلاف موجود، لكن قوى الحرية والتغيير قادرة على التمسك كذلك بموقفها في المفاوضات المقبلة.