عثرت قوات الحكومة الليبية، الشهر الماضي، يونيو/حزيران، على 4 صواريخ جافلين (Javelin) الأمريكية المضادة للدبابات، والتي يُكلِّف الواحد منها أكثر من 170 ألف دولار وتُبَاع عادةً لحلفاء الولايات المتحدة المُقرَّبين، خلال هجومٍ على معسكر لمقاتلي قوات حفتر في منطقة غريان الجنوبية الجبلية من طرابلس.
فكيف وصلت هذه الصواريخ القوية إلى أيدي المقاتلين الموالين للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، وهو الساعي للإطاحة بالحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس؟
فرنسا كلمة السر
تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إن عدداً من الصواريخ الأمريكية القوية هذه قد بِيعَت إلى فرنسا، قبل أن ينتهي بها المطاف في أيدي المقاتلين من قوات حفتر.
لكنَّ مستشاراً عسكرياً فرنسي، نفى الثلاثاء، 9 يوليو/تموز، نقل الأسلحة إلى اللواء حفتر، وهو الأمر الذي من شأنه أن يُمثِّل انتهاكاً لاتفاق البيع مع الولايات المتحدة وكذلك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على البلاد. ومن شأنه كذلك أن يجعل واشنطن في خلافٍ مع فرنسا بشأن السياسة المُنتَهَجة في ليبيا، إذ تعد باريس شريكاً قوياً لواشنطن بحلف شمال الأطلسي (الناتو) وحليفة لها في بؤر توتر أخرى مثل غرب إفريقيا.
260 صاروخاً بِيعَت لفرنسا عام 2010
حقَّقت وزارة الخارجية الأمريكية على مدار الأيام القليلة الماضية في مصادر تلك الصواريخ، مُستخدِمَةً في ذلك الأرقام التسلسلية للصواريخ ومعلومات أخرى، وخلُصَت إلى أنَّ تلك الصواريخ بِيعَت في الأساس لفرنسا، الداعمة القوية لحفتر. ووفقاً لوكالة التعاون الأمني الدفاعي التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، اتفقت فرنسا على شراء ما يصل إلى 260 صاروخَ جافلين من الولايات المتحدة عام 2010.
وقال مسؤولان أمريكيان إنَّ وزارة الخارجية الأمريكية أطلعت يوم الإثنين، 8 يوليو/تموز، لجنتي العلاقات الخارجية بمجلسي الشيوخ والنواب على استنتاجها بأنَّ الصواريخ بِيعَت لفرنسا. وتحدَّث المسؤولان شريطة عدم الكشف عن هويتهما لـ "نيويورك تايمز" . ورفض متحدثون باسم لجنتَي الكونغرس ووزارة الخارجية التعليق على الموضوع.
باريس: الصواريخ لنا لكنها كانت تالفة!
ويوم الثلاثاء، أكَّد مستشارٌ لوزيرة الجيوش الفرنسية أنَّ صواريخ جافلين التي عُثِر عليها في غريان تعود إلى القوات الفرنسية، لكنَّه قال إنَّ "الصواريخ كانت تالفة ولم تعد قابلة للاستخدام" . ورداً على أسئلة من صحيفة The New York Times الأمريكية، قال المستشار إنَّ "الصواريخ كانت مُخزَّنة مؤقتاً في أحد المستودعات بانتظار تدميرها ولم يجرِ نقلها إلى القوات المحلية" .
وأضاف المستشار الفرنسي، الذي لا يمكنه الكشف عن هويته لمناقشة تلك القضية بموجب سياسة الحكومة الفرنسية، أنَّ الأسلحة كانت ضمن تلك الأسلحة التي جرى شراؤها من الولايات المتحدة عام 2010، وكان الهدف منها "حماية القوات الفرنسية المنتشرة في ليبيا من أجل عملياتٍ استخباراتية ومكافحة الإرهاب"، بحسب تعبيره.
وقال إنَّهم لم ينتهكوا حظر السلاح المفروض على ليبيا، قائلاً إنَّه من غير الوارد فكرة بيع أو نقل الصواريخ لـ "أي طرف" في ليبيا، حسب وصفه.
باريس تناقض نفسها
لكنَّ هذه الرواية تركت العديد من الأسئلة بلا إجابات تتعلَّق بالكيفية التي وصلت بها تلك الأسلحة إلى مجمع للمتمردين قرب خطوط الأمامية في معركةٍ قالت الأمم المتحدة يوم الخميس، 4 يوليو/تموز، إنَّها خلَّفت ما يزيد عن 1000 قتيل منذ أبريل/نيسان الماضي، بينهم 106 مدنيين.
ونُشِرَت قوات فرنسية خاصة في ليبيا، قُتِل ثلاثة من جنودها في 2016، وتمركزت في الغالب شرق البلاد، بعيداً عن طرابلس التي يتركَّز فيها القتال.
وقد تُثَار المسألة اليوم الخميس 10 يوليو/تموز، حين تستمع لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي إلى شهادة كلارك كوبر، مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية والعسكرية. ومن المقرر أن يُدلي كوبر بشهادةٍ بخصوص استخدام إدارة ترامب إعلان الطوارئ لتمرير مبيعات أسلحة للسعودية والإمارات، وهي الخطة التي دافع عنها كوبر الشهر الماضي أمام لجنةٍ بمجلس النواب.
وكان قد عُثِر على صواريخ جافلين بعدما شنَّت القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة هجوماً مفاجئاً ناجحاً يوم 26 يونيو/حزيران الماضي على غريان، وهي منطقة جبلية تقع على بُعد 40 ميلاً (64.4 كيلومتر تقريباً) جنوبي طرابلس. وكانت غريان هي مركز الحملة العسكرية للواء حفتر من أجل السيطرة على طرابلس.
أسلحة إماراتية في الغريان
بعد السيطرة على طرابلس، عثر المقاتلون الموالون للحكومة على طائرات هجومية بدون طيار صينية الصنع، فضلاً عن مجموعة الصواريخ الأربعة أمريكية الصنع من طراز جافلين في قاعدةٍ مهجورة. تُعرَف صواريخ جافلين بأنَّها أسلحة "أطلِق وانسَ"، وهي مُوجَّهة بتكنولوجيا الأشعة تحت الحمراء وقادرة على تدمير كل دبابات القتال الرئيسية المُستخدَمة حالياً.
وبدا في أول الأمر أنَّ الإشارات الموجودة على حاويات شحن الصواريخ تشير إلى أنَّها بِيعَت في الأساس للإمارات العربية المتحدة، الشريك المهم للولايات المتحدة، في عام 2008. وكان يوجد على صناديق أخرى في القاعدة التي جرت السيطرة عليها، تضم قذائف مدفعية عيار 155 ملم، علامات تشير إلى الجيش الإماراتي، لكنَّ الحكومة الإماراتية نفت بشدة إمداد قوات اللواء بالصواريخ، بالرغم من أنها تُعَد من أكبر الداعمين للواء حفتر.
واعتمد اللواء حفتر، الرجل صاحب التطلُّعات الذي يتمركز في شرق ليبيا وكانت قواته تُخزِّن صواريخ جافلين، على المساعدة العسكرية من الإمارات ومصر وفرنسا في معركته من أجل السيطرة على مدينة بنغازي شرقي ليبيا، والتي تُعَد مقره الحالي.
وأثناء المعركة الطاحنة من أجل السيطرة على بنغازي بين عامي 2014 و2017، قدَّم الإماراتيون مروحيات هجومية ومقاتلات وطائرات بدون طيار لسلاح الجو التابع لحفتر. وشنَّت مصر غارات جوية على مدينة درنة الواقعة شرقي البلاد دعماً لقواته.
ثُمَّ في يوليو/تموز 2016، قال الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا أولاند إنَّ ثلاثة من أفراد القوات الفرنسية الخاصة قُتِلوا في تحطم مروحية بليبيا أثناء "عمليات استخباراتية خطيرة" . وكان مسلحون يقاتلون ضد حفتر قد أعلنوا قبل هذا الإعلان بأيام أنّهم أسقطوا مروحية على بُعد 45 ميلاً (72.4 كيلومتر تقريباً) جنوبي بنغازي.
الإمارات وفرنسا.. انتهاكات للقوانين الدولية
وبعد عام، قالت فرنسا للجنة من محقِّقي الأمم المتحدة إنَّ أنشطتها العسكرية في ليبيا متوافقة مع القانون الدولي. لكنَّ المنتقدين يقولون إنَّها مجرد مثال آخر على الكيفية التي استهانت بها القوى الشرق أوسطية والأوروبية الساعية للتأثير في نتيجة الحرب بحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة منذ 2011.
إذ وثَّق مفتشو الأمم المتحدة العديد من الانتهاكات للحظر من جانب الإمارات، التي وضعت مقاتلاتٍ في إحدى القواعد الجوية التي تديرها شرقي ليبيا، في مناطق سيطرة حفتر. ويقول الخبراء إنَّ الإمارات زادت في الآونة الأخيرة مساعداتها العسكرية لحفتر بعدما بدأ هجومه على طرابلس، وتضمَّن ذلك طائرات صينية مسلحة بدون طيار ومنظومة صواريخ أرض-جو روسية الصنع.
وعلى الجانب الآخر من الحرب، تدعم قطر وتركيا حكومة الوفاق المعترف بها دولياً. ومع احتدام القتال على طرابلس، أرسل الأتراك طائرات مسلحة بدون طيار وعربات مدرعة إلى حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة وتدافع عن العاصمة في وجه هجوم اللواء حفتر.