بسبب ارتفاع الأسعار الناجم عن العقوبات المفروضة على إيران والسياسات التي انتهجها، خسر الرئيس حسن روحاني تأييد مؤيديه في بلدة سرخه الصحراوية، مسقط رأسه، التي تقع على بُعد 200 كم شرقي طهران.
وبحسب تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية، قالت كلثوم، وهي أرملة وأم لطفلين تبلغ من العمر 40 عاماً: "نقضي بعض الليالي دون حتى كسرة خبز لنأكلها". وتعمل كلثوم في أحد المخابز من الرابعة صباحاً وحتى الثانية مساءً بأجر يومي 200 ريال (4.75 دولار). وأضافت: "كتبت خطاباً إلى الرئيس روحاني عندما كان هنا منذ عدة أشهر، ولكنه لم يرد".
وقالت زميلتها مهري، بعمر الرابعة والعشرين، ولديها طفلان ولا يقوى زوجها على العمل، بسبب إصابة في الظهر: "لم يدرَّ علينا التصويت للرئيس روحاني أي مزايا. لم نشتر دجاجاً منذ سبعة أو ثمانية أشهر، ونكتفي بأكل البيض".
هذا الأسبوع، قالت إيران إنها انتهكت القيود المتفق عليها دولياً بخصوص مخزونها من اليورانيوم المخصّب، في ضربة أخرى للاتفاق النووي التاريخي الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي ترامب قبل العام الماضي.
روحاني يخسر السبب في نجاحه
وجعل روحاني هذا الاتفاق محوراً أساسياً لبرنامجه الانتخابي في انتخابات 2013، ثم في الانتخابات الرئاسية السابقة قبل عامين. وفاز روحاني في الانتخابات بأغلبية ساحقة بلغت 65% من الأصوات في سرخه و57% على المستوى الوطني، بعد وعود بالازدهار الاقتصادي مع تحسن العلاقات مع القوى الغربية. والآن، أعاد ترامب العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيراني، شريان الحياة الرئيسي لاقتصاد البلد. واقترب معدل التضخم من 40%، وانخفضت قيمة العملة المحلية بنحو 60% أمام الدولار.
وأصبحت الحياة في إيران يوماً بعد آخَر أكثر قسوة وتقشفاً، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها، يأمل التيار المتشدد بإيران أن تودي بفرص واحتمالات فوز التيار الإصلاحي في الانتخابات المقبلة. لا توجد استطلاعات رأي موثوقة، ولكن المتابعين يتكهنون بانخفاض شعبية روحاني إلى حدٍ كبير، بسبب رهانه على الاتفاق النووي في حملته الانتخابية.
فقر في معقل الرئيس
وبحسب الصحيفة البريطانية لا يوجد مكان يتضح فيه هذا الأمر أكثر من سرخه، معقل دعم الرئيس في السنوات السابقة، حيث سادت خيبة الأمل. يسكن المدينة الصغيرة، الواقعة على حافة الصحراء الشاسعة، 12 ألف شخص يعتمدون في كسب عيشهم على تربية الدواجن والزراعة وأعمال البناء.
قال حسين علي، وهو مدرس متقاعد يبلغ من العمر 60 عاماً: "وضعُ الرئيس روحاني في السياسة المحلية الآن غير واضح. الأمر كما لو أن غيابه أو وجوده لن يمثّلا أي فارق". ويُذكر أن حسين على معرفة شخصية بالرئيس "ولا يزال يحبه".
يقف حسين أمام المسجد الذي اعتاد أن يصلي فيه الرئيس الإيراني، الذي يبلغ عمره الآن 70 عاماً. وكان روحاني غادر سرخه، ثم القرية، في عمر الخامسة عشرة. وبعد تلك السنوات، لا يزال هناك تأثر كبير بالرئيس وعائلته. لا يزال كثيرون يتذكرون والده وأخلاقه في التجارة، ومتجر العطارة الذي أداره، وتوزيعه لحم الضأن والأرز على الفقراء.
وفي سرخه، هناك اعتقاد منتشر أيضاً بأن يد الرئيس ربما تكون مغلولة. فالقائد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، هو صاحب القرار النهائي، وقد تعهد بعدم خوض أي مفاوضات مع إدارة ترامب.
ويُعتبر العداء تجاه الولايات المتحدة الأمريكية إحدى كبرى الركائز الأيديولوجية في الجمهورية الإسلامية. وهناك كيانات أخرى، مثل الحرس الثوري، لديها سلطات هائلة. وكان روحاني قد اشتكى من قبل، بسبب تحكُّمه في أقل من نصف الميزانية السنوية فقط، وبقية الميزانية تتحكم فيها المؤسسات الدينية والثورية، التي لا يمارس عليها أي سلطة ولا تخضع للمساءلة من خلاله.
المعارضة: يتلاعبون بالرئيس
قال حامد ريزا، وهو رجل أعمال محلي يعتقد أن تيار المعارضة المتشدد تمكّن من التلاعب بالرئيس المدعوم من الإصلاحيين: "خطأ روحاني هو أنه لم يعتمد على الـ24 مليون صوت التي حصدها في الانتخابات، ليقول إننا وقعنا اتفاقية دولية الآن وينبغي أن نتصرف بشكل مختلف في المنطقة".
في الوقت الحالي، انخفض إجمالي المبيعات بمتجر رجل الأعمال إلى النصف خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، نتيجة لانخفاض الدخل. ويشاركه كثيرون مخاوفه بشأن الاقتصاد. يقول علي أكبر، عامل البناء الذي يبلغ من العمر 55 عاماً، وساعد سابقاً في بناء منزل والدي روحاني منذ أكثر من ربع قرن ويعاني الآن بسبب الركود الذي يشهده قطاع البناء: "لا أعرف على من يقع الذنب. يمكننا إلقاء اللوم على الولايات المتحدة بالتأكيد. ترامب لن يتمكن من هزيمة إيران، لو كان قادراً على ذلك لكان هاجمها بالفعل".
وقال عضو سابق بمجلس بلدة سرخه، إن روحاني يتحتم عليه توخي الحذر في مساره. قد يقع الرئيس الإيراني، مثل أسلافه، فريسة للمؤسسات الإسلامية ويتعرض للتهميش في اتخاذ القرارات السياسية.
وأضاف: "قد تكون مفاوضات روحاني مع الولايات المتحدة قبل انتهاء فترته الرئاسية شعاع الضوء الوحيد في نهاية هذا النفق المظلم. وإلا فسيجد نفسه حيث يقبع الرؤساء السابقون الآن".