أثار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جدلاً كبيراً باجتماع قمة العشرين في أوساكا بإثارته نقطة استفزازية خلال مقابلة مع جريدة Financial Times، حيث قال إنَّ "الليبرالية الغربية في طريقها إلى الزوال".
وقال في مناقشة واسعة النطاق حول الشؤون العالمية: "هناك أيضاً ما يُسمى الفكرة الليبرالية، التي تجاوزت الغرض منها. وقد اعترف شركاؤنا في الغرب بأنَّ هناك بعض مكونات الفكرة الليبرالية، مثل التعددية الثقافية، لم يعد من الممكن دعمها".
"احتقار" الليبرالية
تقول شبكة CNN الأمريكية، إن بوتين بدا متقمّصاً إلى حدٍّ كبير شخصية ستيف بانون، كبير المستشارين الاستراتيجيين السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو يُسهب في الحديث عن الطفرة الكبيرة للحركات الشعبوية في أوروبا والصعود غير المتوقع لترامب، الذي التقى به على هامش أعمال القمة الجمعة، 28 يونيو/حزيران.
وأضاف بوتين: "ماذا يحدث في الغرب؟ ما سبب ظاهرة ترامب في الولايات المتحدة؟ ماذا يجري في أوروبا أيضاً؟ النخب الحاكمة انفصلت تماماً عن شعوبها. المشكلة الواضحة هي تزايد الفجوة بين مصالح النخبة والأغلبية الكاسحة من الشعب".
حالة غضب من تصريحات بوتين
وبعيداً عن أنَّ روسيا حالياً تحت حكم بوتين دولة متنوعة ومتعددة الثقافات بها مجتمعات مسلمة ويهودية وبوذية، فقد أثار "احتقار" بوتين لليبرالية حالة غضب عارمة. إذ كان يبدو وأنَّه يقترح قبل اجتماع قادة العالم أنَّ القوى الأوتوقراطية والشعبوية في تصاعد.
وعلَّق دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي، على تويتر: "أختلف تماماً مع الرئيس بوتين في أنَّ الليبرالية قد عفا عليها الزمن. أرى أنَّ ما قد عفا عليه الزمن حقاً هو الاستبداد، والحكم الطائفي، وحكم الأقلية".
وربما يكون تعليق توسك هو المستغرب هنا، خاصةً وقد شارك منصة قمة العشرين مع الرئيس بوتين كلٌّ من الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس البرازيلي اليميني جايير بولسونارو، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. لكنَّ بوتين استغل بالتأكيد اجتماعات قمة العشرين باعتبارها منتدًى مرئياً يحظى بمتابعةٍ كبيرة لتقديم نفسه، وديمقراطيته الموجهة، على قدم المساواة من الديمقراطيات الغربية.
كم تتغير الأمور سريعاً
تقول CNN: في عام 2014، كان بوتين منبوذاً على المسرح العالمي بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم المطلَّة على البحر الأسود ودعمها للانفصاليين في شرق أوكرانيا. وغادر بوتين قمة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 في بريسبان بأستراليا، بعد استنكار زعماء الدول الآخرين.
وبعدها بحوالي 5 سنوات، يبدو أنَّ بوتين يشعر ببعض الانفتاح. ففي وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، اعتمدت الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي قراراً يفتح الباب أمام روسيا للعودة للجمعية، بعد حرمانها من حقها في التصويت في أعقاب ضم موسكو لشبه جزيرة القرم المطلة على البحر الأسود من أوكرانيا عام 2014.
وتناولت وسائل الإعلام الروسية الخبر بحفاوة ومبالغة، ووصفت التصويت بالصدع الكبير في القرار الغربي، الذي فرض عقوباتٍ اقتصادية على موسكو بسبب أحداث القرم وأوكرانيا.
تظهر آثار تلك العقوبات الآن على الاقتصاد الروسي، ويبدو أنَّ بوتين يعوّل على الجمهور الأكثر تعاطفاً في أوروبا، أو على الأقل في بريطانيا.
بوتين يسعى لجذب الجمهور اليميني في أوروبا
وحسبما قال مكتب رئيسة وزراء بريطانيا لشبكة CNN، فقد واجهت تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا، الرئيس الروسي في قمة العشرين، وأخبرته بأنَّ بريطانيا ترغب في رؤية منفذي هجوم الأعصاب بمدينة سالزبري العام الماضي أمام العدالة، وقالت إنَّ على روسيا أن تتوقف عن "أنشطتها غير المسؤولة وزعزعة الاستقرار".
لكن خلال مقابلة بوتين مع صحيفة Financial Times، الصحيفة الأكبر في بريطانيا، بدا أنَّ موسكو تسعى لجذب جمهورٍ مختلف؛ التيار اليميني الصاعد نحو رئاسة الوزراء.
فقال بوتين، تعليقاً على هجوم سالزبري: "هذه القصة، كما نقول في بلادنا، لا تستحق خمسة كوبيك. أو حتى خمسة إسترليني في هذه الحالة".
لكن لا يتضح بعد ما إن كان كان هناك قادة آخرون يشاركون بوتين هذا النهج، ونعيه لليبرالية. فهذا أمر مختلف تماماً، تقول CNN.