كلما ارتفع منسوب الغضب الشعبي في بعض أرجاء العالم العربي، تمتد أيادي السلطات مباشرة إلى الإنترنت لقطعه؛ سعياً نحو إخراس الأصوات المرتفعة المناهضة لها، إذ لم يعد الأمر حالة استثنائية، بل تحول إلى ما يشبه الخيار المفضل للسلطات خلال التوترات السياسية، بهدف إخماد صوت المحتجين وإضعاف قدراتهم التنظيمية.
وخلال العقد الأخير، لعبت منصات التواصل الاجتماعي دوراً بارزاً في تعزيز جهود المتظاهرين، ونشر دعواتهم، وتحديد مطالبهم وحشد طاقاتهم الاحتجاجية ضد الأنظمة الحاكمة في عدة دول بالمنطقة.
ووفق رصد لـ "الأناضول"، لجأت 7 دول عربية، على مدى أكثر من 8 سنوات، إلى استخدام سلاح قطع خدمات الإنترنت لأغراض سياسية، وهي: مصر وموريتانيا والسودان والجزائر وسوريا والبحرين والسعودية.
ومطلع يوليو/تموز 2016، أصدر مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قراراً ينص على "تعزيز وحماية حقوق الإنسان على شبكة الإنترنت". وآنذاك، اعتبر القرار الأممي أن الاتصال بشبكة الإنترنت حقٌّ من حقوق الإنسان، ويتضمن بنوده عدم السماح بالتشويش والإغلاق المتعمد لخدمات الإنترنت.
فيما يلي، نستعرض لمحة عن البلدان التي لجأت إلى هذا السلاح "الفتاك" بالحريات:
موريتانيا
الأحد الماضي، وعقب إجراء انتخابات رئاسية أعلن فيها عن فوز محمد ولد الغزواني، انضمت موريتانيا إلى نادي الدول العربية التي تقطع اتصالات الإنترنت لأغراض سياسية.
ووفق تقارير إعلامية، بينها صحيفة "الأخبار" الموريتانية، شهدت العاصمة نواكشوط وجميع الولايات انقطاعاً في خدمات الإنترنت، بالتزامن مع احتجاجات قوى معارضة على إعلان فوز مرشح النظام محمد ولد الغزواني، والتنديد بوقوع تزوير واسع في الرئاسيات.
ونقلت تقارير صحفية عربية عن مدونيين موريتانيين من الخارج، قولهم إن خدمات الإنترنت تعطّلت في كل أنحاء البلاد التي يستخدم فيها نحو مليون شخص هذه الخدمة، واقتصرت خدمة الاتصالات على المكالمات والرسائل النصية.
وأكد تقرير لمنظمة "نيت بلوكس" المتخصصة بالأمن الإلكتروني والحقوق الرقمية انقطاع شبكة الإنترنت في موريتانيا، وقالت إنّ هذا الإجراء "يجعلها تنضم إلى نادي الدول التي تتحكم في قطع اتصالات الإنترنت، لأغراض سياسية"، وفق المصادر ذاتها.
وكانت اللجنة المستقلة للانتخابات بموريتانيا أعلنت فوز مرشح الأغلبية الحاكمة، ولد الغزواني، بالجولة الأولى بعد حصوله على نسبة 52% من أصوات الناخبين، وسط احتجاجات واسعة بصفوف المعارضة.
السودان
في 3 يونيو/حزيران الجاري، فضَّت السلطات السودانية اعتصام آلاف المحتجين السودانيين بالقوة من أمام مقر قيادة الجيش بالعاصمة الخرطوم، كما لجأت إلى قطع اتصال الإنترنت أسابيع في البلاد.
وقال المجلس العسكري السوداني، آنذاك، إن قطع الإنترنت "خطوة ضرورية لضمان الأمن الوطني"، في حين استمر تبرير السلطات السودانية لهذا الإجراء تحت دعوى "حفظ الأمن والاستقرار".
وفي مؤتمر صحفي في حينه، أوضح وكيل وزارة الخارجية السودانية المكلف، عمر دهب فضل، أن "أحداث التحول الديمقراطي تتطلب إرساء دعائم الأمن، وهو ما يستوجب تعطيل هذه الخدمة فترة معقولة".
وأعرب فضل عن أمله في أن تعاد خدمة الإنترنت بالسودان في أقرب فرصة (دون تحديد موعد). وفي 23 يونيو/حزيران 2019، أصدرت محكمة سودانية تعليمات لشركات الاتصالات بإعادة خدمة الإنترنت المقطوعة بأنحاء البلاد في وقت سابق من الشهر الحالي، وفق إعلام.
وقبل الأيام الأولى للمظاهرات الشعبية التي قادت الجيش إلى عزل الرئيس عمر البشير، كانت منصات التواصل هي بوصلة السودانيين في تحديد قبلتهم الاحتجاجية.
وعُزل البشير من الرئاسة، في 11 أبريل/نيسان الماضي، بعد ثلاثين عاماً في الحكم؛ تحت وطأة احتجاجات شعبية بدأت أواخر العام الماضي؛ تنديداً بتردي الأوضاع الاقتصادية.
واعتصم آلاف السودانيين أمام مقر قيادة الجيش بالخرطوم، للضغط على المجلس العسكري، لتسريع عملية تسليم السلطة إلى مدنيين، في ظل مخاوف من التفاف الجيش على مطالب التغيير.
الجزائر
في فبراير/شباط الماضي، شهدت العاصمة الجزائرية، في إحدى جُمع الغضب ضد ترشح الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة آنذاك، "تشويشات على خدمة الإنترنت"، وفق وسائل إعلام محلية.
وقبلها بيوم، سرت عدة شائعات، عن قطع مؤسسة اتصالات الجزائر للإنترنت؛ وهو ما دفع المؤسسة لتأكيد أن الخبر عارٍ من الصحة، قبل أن تؤكد أكثر من وسيلة إعلام محلية وعربية وجود تشويش على الخدمة.
ولم يكن التضييق على الإنترنت سياسياً فحسب، بل امتد إلى مواجهة ظواهر اجتماعية، حيث أكدت وسائل إعلام جزائرية أن الحكومة قطعت خدمات الإنترنت في يونيو/حزيران 2018، لمواجهة ظاهرة الغش في اختبارات شهادة البكالوريا (الثانوية العامة).
مصر
في 28 يناير/كانون الثاني 2011، أطلق متظاهرون مصريون على ذاك اليوم اسم "جمعة الغضب"، في سياق احتجاجات بدأت قبل ذلك بثلاثة أيام ضد حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك (1981-2011).
ووفق مراقبين آنذاك، أسهم انقطاع خدمات الإنترنت في نزول الملايين إلى الميادين الرئيسية بالبلاد؛ وهو ما أدى إلى وقوع اشتباكات دامية بين المتظاهرين وقوات الأمن. وانتهت تلك الأحداث باقتحام وإحراق عدة مقار أمنية في محافظات مصر، وبدء اعتصام شهير بميدان التحرير قاد إلى إسقاط رموز نظام مبارك في 11 فبراير/شباط من العام نفسه.
البحرين
في يونيو/حزيران 2016، قطعت البحرين خدمة الإنترنت كلياً أكثر من 100 يوم عن بلدة "الدراز"، إحدى المناطق الشيعية بالبلاد والتي شهدت احتجاجات على سحب الجنسية من الرمز الشيعي، الشيخ عيسى قاسم، وفق إعلام عربي.
وقالت تقارير معارضة بحرينية، آنذاك، إن قطع الإنترنت امتد نحو عام، إذ عانت الشبكة العنكبوتية بالبلاد تشويشاً وانقطاعاً بشكل يومي و"متعمد".
السعودية
كانت تقارير لمعارضين سعوديين ذكرت أن السلطات السعودية عمدت في يوليو/تموز عام 2017، إلى قطع خدمة الإنترنت عن مدينة العوامية بمحافظة القطيف (ذات أغلبية شيعية) شرق المملكة، في حين عمدت إلى قطع الإنترنت عن بعض بلدات المدينة.
وعَرفت تلك المدينة منذ عام 2009 مظاهرات احتجاجية واشتباكات متقطعة مع قوات الأمن السعودية، انقطع معها الإنترنت مرات عدة، وهي تضم حي المسورة الذي شهد اشتباكات دامية عام 2017.
وفي 13 أغسطس/آب 2017، أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش أن قوات الأمن السعودية "حاصرت وأغلقت البلدة"، وقالت إنه بمقارنة صور التُقطت بالأقمار الصناعية في فبراير/شباط 2017 وأغسطس/آب 2017، يظهر تعرُّض أجزاء كبيرة من البلدة لدمار هائل أصاب أيضاً البنية التحتية، وهي الفترة التي حُجب فيها الإنترنت عن تلك المنطقة.
سوريا
منذ انطلاق الثورة السورية والانغماس في المواجهات المسلحة في عام 2011، تعاني أغلب مناطق التحرك الشعبي انقطاعاً متكرراً لخدمات الاتصالات والإنترنت على يد النظام السوري.
ومنذ عام 2012، تشكلت على الشبكة العنكبوتية مجموعة من لجان الدعم للسوريين الذين حُرموا من الإنترنت، منها الحركة الدولية لناشطي الإنترنت "تليكوميكس" التي وضعت بتصرُّف رواد الإنترنت في سوريا أرقام هواتف تسمح لهم بالاتصال بالشبكة عبر خادم خارجي وعبر استعمال كلمات مرور محددة.
وكانت هذه الطريقة أثبتت نجاحاً كبيراً في مصر نهاية يناير/كانون الثاني 2011 حين قطعت الاتصالات إبان الانتفاضة التي أطاحت بحكم حسني مبارك. ولكن لم تكن هذه الوسيلة التي نجحت في مصر، نافعة بشكل كاف في سوريا حينها، والسبب أن الهواتف الأرضية قطعت أيضاً.
عقوبة جماعية أثبتت فشلها
وفق أحمد أبو القاسم، الخبير الإعلامي المصري، فإن استخدام قطع الإنترنت لمنع الشعوب من التعبير عن رأيها يعتبر "جريمة تستخدمها الأنظمة الشمولية؛ ظناً منها أنها قادرة على تحجيم غضب شعوبها، والسودان أحدث تلك الأنظمة العربية".
وقال أبو القاسم، في حديث لـ"الأناضول"، إن الشعوب العربية أصبحت لديها خبرة في التعامل مع الأمر، إما عن طريق استخدام إنترنت مربوط بالأقمار الصناعية، وإما من خلال أرقام هواتف لدول أخرى مجاورة تستطيع الولوج إلى الإنترنت.
وتابع أن هناك بعض الشركات العالمية مثل "جوجل" و "تويتر"، تتيح الدخول إلى الإنترنت من دون اتصال في حال قطع الإنترنت من جانب الحكومات، لأن هذا الأمر يشكل جريمة اعتداء على حقوق الإنسان.
واستشهد أبو القاسم بواقعة نزول ملايين المتظاهرين إلى الشوارع في مصر إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بسبب قطع الإنترنت، وهو ما منح الثورة دفعة قوية جداً إلى الأمام وأسهم في نجاحها.
واختتم حديثه بأن "استمرار الأنظمة الديكتاتورية في استخدام سلاح قطع الإنترنت لمعاقبة شعوبها يعد عقوبة جماعية أثبتت فشلها وتحولها إلى حافز إضافي للإطاحة بها".