الهروب إلى التطرف.. قصة عائلة صومالية في أمريكا تعرَّض ابنُها لعنصرية ففكر في الالتحاق بداعش

عربي بوست
تم النشر: 2019/06/17 الساعة 14:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/17 الساعة 14:17 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية/ istock

أجرت صانعة الأفلام الأمريكية يونيس لاو حوراً نشرته صحيفة New York Times الأمريكية عن قصة شاب مسلم أمريكي من أصول صومالية وكيف تحول هذا الشاب إلى شخص آخر يرغب في الالتحاق بتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" قبل أن يقبض عليه ويحاكم في واشنطن.

وقالت يونيس تتبَعت أحدُ أكثر مقالاتنا قراءة في الشهر الجاري رحلة رجلٍ أبيض البشرة، ترك دراسته الجامعية، واستقطبه اليمين المتطرف إثر مشاهدته آلاف مقاطع الفيديو لشخصياتٍ يمينية مُتشدِّدة على موقع يوتيوب.

ويأتي التطرُّف في صورٍ عديدة، ومن الممكن أن يُفرَض على أي والدٍ تعرَّض أحد أطفاله لغسيل الدماغ على يد طائفةٍ أو أيديولوجيةٍ مُتشدِّدة. لذا بنت المخرجة يونيس لاو فيلمها الوثائقي الجديد، بعنوان "Accept the Call" أي "قبول النداء"، حول حكاية أبٍ وابنه.

واستضافات الصحيفة الأمريكية، يونيس هذا الأسبوع في لقائها الأسبوعي المعتاد داخل غرفة الأخبار حول موضوع العِرق. وشاركت لقطاتٍ من فيلمها الذي يحكي حكاية زكريا عبدالرحمن، المراهق الأمريكي من أصولٍ صومالية في مينيسوتا، الذي أُلقِيَ القبض عليه خلال عمليةٍ لمكتب التحقيقات الفيدرالي.

وتطرَّقت يونيس إلى مُعاناة زكريا من منظور أبيه يوسف، الذي وصل إلى مينيسوتا  في عام 1992 إبان الحرب الأهلية المُشتعلة في وطنه الصومال. واليوم، يُحاول يوسف استيعاب أسباب مُحاولة ابنه مُغادرة الولايات المُتحدة والانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

الشاب الصومالي يوسف عبد الرحمن/ نيويورك تايمز

وعرض الفيلم للمرة الأولى في "مهرجان أفلام هيومن رايتس ووتش" بمدينة نيويورك السبت، 15 يونيو/حزيران، ووجَّهتُ بعض الأسئلة إلى يونيس حول فيلمها.

كيف وجدتِ تلك القصة، ولماذا كرستِ كل ذلك الوقت من أجلها؟

حين انتشرت الأخبار قبل أربع سنوات حول توقيف مكتب التحقيقات الفيدرالي لستة مراهقين صوماليين إثر مُحاولتهم مُغادرة البلاد والانضمام إلى داعش؛ راودتني الشكوك في أنَّهم استُقطِبوا إلى داعش بسبب تأثير "الحرب ضد الإرهاب" عليهم. وأردت التأكُّد من صحة نظريتي. وأشعر أنَّه من واجبي أن أتعمق أكثر في فهم أسباب حدوث تلك الظاهرة، بصفتي صحفية وصانعة أفلام.

لم أتوقع أن أستغرق ثلاث سنوات لرواية هذه القصة، ولكنني أدركت أنَّني أتعامل مع عائلةٍ ومجتمع مصدومين، وأنَّ استيعاب وفهم تلك الصدمات سيستغرق منهم وقتاً طويلاً. ويجب أن أحترم الرحلة التي يخوضها يوسف بحثاً عن الحقيقة، بصفتي صانعة أفلام، وكان يجب في الوقت نفسه أن أكسب ثقة زكريا حتى يشعر أنَّه يستطيع التحدث إليَّ بكل صراحة.

ما الذي اكتشفتِه عند وصولكِ إلى مينيسوتا؟ ما الذي فاجأكِ؟

لم أكن أتوقع أن يكون الأمر سهلاً بالنسبة لزكريا والمتهمين الآخرين، نظراً لحالة الهستيريا والتعصب التي تسود المناخ العام ضد المسلمين. ولكنني صُدِمتُ إثر الحُكم على زكريا بالسجن لعشر سنوات، رغم اعترافه بذنبه، ورغم أنَّه كان طالباً جامعيّاً مثاليّاً بدون سجلٍ إجراميٍّ قبل القبض عليه.

وحصل أصدقاؤه، الذين اختاروا العرض على المحكمة لإثبات براءتهم، على عقوبة سجنٍ أشد تتراوح بين 30 و35 عاماً. ومن الواضح أنَّ نظام العدالة الجنائية لا يزال مُتحيِّزاً ضد العرق الأمريكي الأسود بالوراثة، وأنَّ الأحكام الجديدة التي سُنَّت بموجب قانون مكافحة الإرهاب -المعروف باسم "باتريوت آكت"- في الولايات المتحدة الأمريكية أخضعت بعض المواطنين لحالةٍ من المراقبة الدائمة، وجعلت المحاكم تُفرِط في تجريمهم.

كيف أثرت هذه القضية على الأمريكيين من أصولٍ صومالية هناك؟

سحب بعض الآباء أطفالهم من البرامج ما بعد المدرسية في الأسابيع التالية للمحاكمة، خوفاً من خضوعهم للمراقبة السرية أو إدانتهم. وبهذا تجلَّت صدمة المجتمع، إثر علمه أنَّ جهات إنفاذ القانون زرعت مخبرين بينهم بهدف جمع البراهين الكافية لإدانة الشباب المراهقين.

وتسبَّبت القضية أيضاً في حدوث انقسامٍ داخل المجتمع، إذ ظل البعض مقتنعاً أنَّ المراهقين المُدانين تعرَّضوا للوقيعة حتى يتم ترحيلهم من البلاد، في حين أقرَّ آخرون مثل يوسف بأنَّ أولادهم تحوَّلوا إلى التطرُّف، وطالبوا بالتحرُّك لمُواجهة التشدُّد.

وقال يوسف: "كانت الأجواء تُشبه منطقة الحرب". وإنَّه لأمرٌ مثيرٌ للسخرية، نظراً لأنَّ هذا المجتمع تكوَّن من لاجئين هاربين من حربٍ أهلية، وهم يشهدون الآن كيف يشُنُّ البلد الذي استضافهم حرباً على أولادهم المولودين في أمريكا.

لماذا تُعدُّ قصة عائلة عبدالرحمن قصةً مهمة يجب نشرها؟

لأنَّ قصتهم تُمثِّلُ نموذجاً مُصغَّراً لتأثير "حرب أمريكا ضد الإرهاب" على المسلمين الأمريكيين. إذ منحت تلك الحرب النظام القانوني سُلطةً أكبر للإفراط في تجريم المذنبين بدعم المنظمات الإرهابية، وأجَّجت أصوات المُتشدِّدين الذين يستقطبون العقول الشابة إلى أيديولوجياتهم.

وقال يوسف إنَّه واجه مشاعر عُدوانية من أشقائه الصوماليين خلال سعيه لمعرفة الكيفية التي أصبح بها ابنه متطرفاً، إذ أرادوه أن يتوقف عن طرح الأسئلة الحرجة التي كان يسألها. "اتُّهِمتُ بأنَّني أجلب العار لمجتمعي حين حاولت زيادة الوعي ومُعارضة التفسير الخاطئ للإسلام".

ومن الضروري أن يُدرك الأمريكيون أنَّ أول ضحايا هذا الصراع هُم المسلمون الذين لا ينتمون للأيديولوجيات المُتشدِّدة عادةً، وأنَّنا نزيد استضاعفهم وتهميشهم حين نفشل في التمييز بين المسلمين مثل يوسف وبين الأصوليين الذين ينتهكون حقوق الإنسان باسم الإسلام.

ما التحديات التي واجهتها؟ هل ساعدتك حقيقة كونك "غريبة" عن هذا المجتمع؟

أتعامل مع موضوعاتي وكأنَّها بشرٌ من لحمٍ ودم، وأستند إلى القواسم المشتركة بيننا -بدلاً من الاختلافات- لفهم الحقائق العامة. إذ عانيت من اللبس بسبب هويتي المنقسمة مثل زكريا، رغم أنَّني لستُ صومالية. والأهم من وجهة نظري هو الرغبة في الاستماع، واحترام الثقة التي وُضعت على عاتقي لأروي الحكاية.

لم يُشعرني يوسف أو زكريا بأنَّني "غريبة"، رغم أنَّ ذلك منحني بعض الموضوعية. وساعدتني حقيقة أنَّني سافرت إلى الصومال قبل سبع سنوات لإعداد فيلمٍ وثائقيّ قصير عن الحرب الأهلية هناك. وأعتقد أنَّ رواية تلك القصة منحتني الخلفية المطلوبة لفهم تاريخ الصومال والأمريكيين من أصولٍ صومالية، قبل أن أبدأ العمل على هذه القصة المعقدة.

من أين أتى عنوان "Accept the Call

الاسم مستوحى من جملة المُلقِّن الآلي المكررة التي تصدر في كل مرة يتصل فيها زكريا بأبيه من السجن، وتعني "قبول المُكالمة". ولكن الاسم يرمز أيضاً إلى الأشياء التي آمن بها زكريا في الماضي حين أراد الانضمام إلى داعش، إذ كان يستجيب إلى نداءٍ من الأعلى آنذاك.

تحميل المزيد