كواليس ما دار بين السيسي ورئيس وزراء إريتريا بشأن السودان.. لماذا يقلق البلدان من الوساطة الإثيوبية؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/06/13 الساعة 19:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/14 الساعة 07:56 بتوقيت غرينتش
السيسي يستقبل رئيس أفورقي في قمة سابقة/Reuters

بهدوء ودون تصدُّر صاخب لعناوين الأخبار، قام "أسياس أفورقى"، رئيس إريتريا، بزيارة قصيرة للقاهرة الجمعة 8 يونيو/حزيران 2019، التقى فيها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس جهاز المخابرات، من أجل تنسيق المواقف بين مصر وإريتريا بشأن الأزمة السودانية.

وعلمت "عربي بوست" من مصادر مطلعة في الرئاسة المصرية، أن الثورة السودانية كانت محور اللقاء، في ظل تعاظم الدور الإثيوبي بالشأن السوداني.

الهدف هو تنسيق المواقف بين مصر وإريتريا بشأن الأزمة السودانية وتوفير ضمانات لـ "العسكري"

أجندة اللقاء كانت كالتالي، وفقاً لهذه المصادر المطلعة:

  • تأكيد أن إريتريا لن تستغل حالة الاضطراب التي يمر بها السودان وتثير أي مشاكل للخرطوم على الحدود مرة أخرى، وفي الوقت نفسه تعهَّد السيسي لأسياس أفورقي بأن قرار فتح الحدود الذي اتخذه البشير أواخر أيام حكمه، لن يتراجع عنه المجلس العسكري السوداني.
  • ضمان أن معسكر ساوا الإريتري الشهير الذي يقع في إقليم "القاش بركة" المحاذي للسودان يظل على وضعه، على ألا تتم فيه أي أنشطة زائدة تقلق المجلس العسكري السوداني.
  • التنسيق بين القاهرة وأسمرا وأبوظبي للعمل على تحجيم الدور الإثيوبي في السودان، حسب المصادر.

فهذا الرجل يفسد خطة مستمرة منذ أشهر

فمنذ قيام الثورة السودانية تسعى مصر والإمارات والسعودية للالتفاف على هذه الثورة؛ منعاً لتوسُّع المد الثوري إليها كما حدث في فترة الربيع العربي، ولضمان مصالح هذه الأنظمة بالسودان.

وبدأ مخطط للدول الثلاث يثمر من خلال تعزيز علاقتها بالمجلس العسكري السوداني، حيث يُنظر إلى رئيسه عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو باعتبارهما مقرَّبَين من دول الخليج ومصر.

ولكن مع دخول رئيس وزراء إثيوبيا على خط الوساطة بين "العسكري السوداني"  و "قوى إعلان الحرية والتغيير" بعد مذبحة فض الاعتصام، ظهرت مؤشرات تدل على أن خطط الثلاثي مصر والسعودية والإمارات قد تفسد.

رئيس الوزراء الإثيوبي يزور السودان/ رويترز
رئيس الوزراء الإثيوبي يزور السودان/ رويترز

ومن هنا يأتي أهمية اللقاء الذي عقده السيسي مع أفورقي، لمحاولة محاصرة الدور الإثيوبي.

فأجندة آبي التصالحية، التي بدأها ببلاده ثم نقلها إلى علاقتها مع دول الجوار، يبدو أنها ليست ملائمة لأجندة مصر والإمارات والسعدية، ومعها إريتريا التي ليست فقط حليفاً للبلدان الثلاثة، بل تشاركها أو تتفوق عليها في درجة الاستبداد الداخلي، والعداء للإسلاميين والديمقراطية.

قصة العلاقات السودانية الإريترية المعقدة وحقيقة الدور المصري بها

منذ استقلال إريتريا عن إثيوبيا عام 1993، والعلاقات السودانية – الإريترية تمر بمراحل شد وجذب، نزاعات حدودية واتهامات سودانية متكرره لأسمرا بالتدخل في شؤونها الداخلية.

في المقابل فإن مصر تقاربت مؤخراً مع إريتريا خاصة مع توتر علاقتها مع إثيوبيا والسودان.

ودخل في السنوات الأخيرة متغير جديد، هو تزايد التورط الخليجي بمنطقة القرن الإفريقي والذي كانت أوضح مظاهره مع التقارب بين إريتريا والإمارات، في أعقاب الأزمة التي نشأت بين أبوظبي و جيبوتي؛ وهو ما دفع الإمارات إلى البحث عن حليف جديد تطلُّ من خلاله على باب المندب.

فوجد رجل الإمارات القوي الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، ضالته في إريتريا التي كانت تعاني عزلة دولية بعد أن أصدر مجلس الأمن قراراً في 2009، يقضي بتجميد أرصدتها في البنوك ومنع بيع السلاح لها، فضلاً عن قرار آخر يقضي بحظر استقبال مسؤوليها في أي دولة؛ وذلك على خلفية اتهامها بكونها واجهة إيرانية يتم من خلالها توريد السلاح إلى التنظيمات الإرهابية في القرن الإفريقي.

هذه العزلة والوضع الاقتصادي السيئ سهلاً لمحمد بن زايد مَهمة عقد اتفاق مع أسياس أفورقي، تحصل بمقتضاه الإمارات على عقد إيجار طويل المدى (30 عاماً) لميناء "عصب" المطل على باب المندب، يتضمن حقها في استخدامه لأغراض عسكرية، وهو ما يشكل خطوة مهمة للإمارات في إطار سعيها للسيطرة على مدخل البحر الأحمر، فضلاً عن تعزيز مكانتها كلاعب إقليمي مهم في المنطقة.

لا تُعلِّمونا إلإسلام".. آبي أحمد الرقم الصعب في المعادلة

بعد أن بدا أن الحلف الإماراتي السعودي المصري قد اقترب من ضمان الورقة السودانية، إلا أن لاعباً مهماً ظل خارج السيطرة، وهو رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.

آبي أحمد، الرجل الذي ينتمي إلى أسرة تختلط فيها الأديان، إذ إن أباه مسلم وأمه مسيحية.

فالرجل يحافظ على المسافة بين الأطراف كافة، فمن جانبٍ علاقاته دافئة بالإمارات التي دعمته بثلاثة مليار دولار فضلاً عن عدة مشاريع بنيوية، لكنه في الوقت نفسه يزور قطر التي استضافت ملتقى الاستثمار في إثيوبيا بالدوحة.

وسبق أن كشف عن أنه طلب من ولي عهد أبوظبي عدم تصدير نسخته من الإسلام إلى بلاده، في انتقاد واضح لما آل إليه حال البلاد العربية من رفض التسامح وغياب الديمقراطية.

وفي الوقت ذاته وقَّع على اتفاقية سلام مع إريتريا في جدة، منهياً صراعاً تاريخياً بين البلدين منذ 1998، ويستفيد من اتفاق فتح الحدود الذي يمكّنه من الوصول إلى ميناء "عصب" الإريتري الجنوبي، واعداً بإعادة مدينة بادمي إلى إريتريا، وإن كان لم يحدد بعدُ كيف ومتى.

وفي القاهرة وعد أيضاً بالوصول إلى حل مناسب لجميع الأطراف في مشكلة سد النهضة، لكنه في الوقت نفسه لم يوقف المشروع أو يؤجله، هو فقط ما زال يتفاوض على عدد سنوات ملء الخزان.

يمكن القول إن الرجل يتحرك بهدوء شديد وعلى المحاور كافة لخدمة بلاده، دون أن يتحول إلى تابع لعواصم أخرى.

والأهم أنه توقَّف حتى الآن على الأقل عن أهم الأساليب التقليدية في القرن الإفريقي: التحرشات العسكرية ومساعدة المعارضة المسلحة، أو حتى التهديد بقطع مياه الأنهار.

لقد أراح القاهرة قليلاً في ملف سد النهضة، لكن أغضبها في السودان

لكن رغم مواقفه الإيجابية نسبياً في موضوع سد النهضة والتي أراحت القاهرة ورفعت عن الرئيس المصري كثيراً من الحرج، فإن موقف آبي أحمد من الأزمة السودانية يبدو أنه لا يريح الثلاثي العربي: مصر والإمارات والسعودية، التي تسعى إلى ضم إريتريا إلى موقفها؛ استغلالاً للعداء التاريخي بين أديس أبابا وأسمرا.

فحدوث مذبحة فض الاعتصام عقب زيارة "البرهان" لمصر والإمارات، ودقلو للسعودية أعطى إيحاء بأن الفض تم بموافقة الدول الثلاث.

تعيين مستشار للشؤون السودانية بوزارة الخارجية الأمريكية
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل رئيس المجلس العسكري السوداني عبد الفتاح البرهان بالقاهرة – صحيفة الشروق

وكانت مصادر دبلوماسية سودانية بالقاهرة قد قالت لـ "العربي الجديد"، قبل أيام، إن البدء في عملية فضّ اعتصام القيادة العامة بالخرطوم جاء بعد تشاور وضوء أخضر خليجي، متمثل في كل من الإمارات والسعودية، ودعمٍ مصري.

وقبل ذلك نجح السيسي، الذي يترأس الاتحاد الإفريقي، في تمديد المهلة الممنوحة للمجلس العسكري السوداني لتسليم السلطة إلى العسكريين، وهو ما جنَّب الخرطوم لفترة تعليق عضويتها.

وبعد المذبحة قررت أن يسلك طريقاً مختلفاً

ولكن بعد مذبحة فض الاعتصام وسقوط العشرات من القتلى، تحرَّك آبي أحمد في مسار مخالف تماماً، من خلال لجنة السلام والأمن التابعة للاتحاد الإفريقي (التي لا تعد مصر عضوة فيها)، رغم ترؤُّسها للاتحاد، واتخذ المجلس قراراً قضى بتعليق عضوية السودان في الاتحاد ستة أشهر.

كما نجح الرجل أيضاً في الاتفاق على قيام مفوضية السلام والأمن بتشكيل لجنة للعمل مع المجلس العسكري الانتقالي، على وضع خارطة طريق لتسليم السُّلطة إلى المدنيين في مدى ستة أشهر، هي فترة تعليق عضوية السودان بالاتحاد.

مهمة وساطة إلى السودان
رئيس الوزراء الإثيوبي التقى أعضاء من تحالف المعارضة السودانية للتوسط في الأزمة السياسية /رويترز

في مقابل هذا التحرك الإثيوبي الذي لاقى ترحيباً من الأطراف السودانية، كانت هناك انتقادات من قِبل قادة المحتجين لدور مصر والإمارات والسعودية في الأزمة، وهو ما أفقد الدول الثلاث، خاصة مصر والإمارات، فرص لعب دور الوسيط النزيه في الأزمة، ليتعاظم الدور الإثيوبي ويتحول آبي أحمد إلى الوسيط الأبرز.

ومن هنا تأتي أهمية القمة المصرية الإريترية بالنسبة للطرفين، حسبما قالت المصادر المصرية المطلعة لـ "عربي بوست"، إذ إنها تهدف إلى ترتيب الأوراق مع المجلس العسكري السوداني وتطمينه من ناحية إريتريا، والعمل على احتواء وتحجيم الدور الإثيوبي.

تحميل المزيد