فور نشر الأنباء عن الهجومين اللذين استهدفا ناقلتي نفط في خليج عُمان، الخميس 13 يونيو/حزيران 2019، حتى ارتفعت أسعار النفط في الأسواق العالمية بنسبة 3.5 في المئة، الأمر الذي أثار تساؤلاً لدى المراقبين هو كيف ستتأثر تجارة النفط بالهجوم على الناقلتين؟
الهجمات استهدفت ناقلتي نفط سنغافورية ونرويجية، تعرضتا لانفجارات وحرائق في مياه خليج عمان، صباح الخميس، وتم إجلاء طواقمهما وإعلان حالة التأهب.
ويُعتقد أن السفينة كوكوكا شجوروس، وهي مملوكة لشركة سنغافورية ولكنها ترفع عُلم بنما، قد استُهدفت بلغم مغناطيسي؛ وهو ما تسبب في سلسلة من الانفجارات الضخمة على متنها.
وتم إنقاذ 44 من البحارة بعد إرسال إشارات استغاثة، التقطها الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية ومقره البحرين، ويُعتقد أن إيران أنقذتهم.
وقالت وكالة الأنباء الإيرانية إن الناقلة "فرنت ألتير" غرقت بعدما تعرضت لأضرار عقب هجوم في خليج عُمان.
ونقلت وكالة رويترز، عن تقارير، أن الناقلة كانت تحمل 75 ألف طن من النفتا، التي تعد أحد منتجات النفط الوسيطة .
وبعد دقائق من الرواية الإيرانية، نفى متحدث باسم شركة "فرونتلاين" النرويجية المالكة لـ "فرنت ألتير" ما ذكرته وكالة الأنباء الإيرانية عن غرق السفينة.
والسفينة المستأجرة "فرنت ألتير" من قِبل شركة CPC Corp التايوانية، أبحرت من ميناء الرويس الإماراتي الثلاثاء 11 يونيو/حزيران 2019.
وقال المدير التنفيذي للشركة التايوانية، لـ "رويترز"، إن الناقلة "يشتبه في إصابتها بطوربيد".
ووصف وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الانفجارات بأنها "مشبوهة" .
وقال إن الحادث وقع في حين كان المرشد الأعلى الإيراني، آية الله خامنئي، يجتمع مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، الذي يُعتقد أنه يقوم بوساطة لحل الأزمة بين واشنطن وطهران، بطلب من الرئيس الأمريكي.
رغم أنها ليست المرة الأولى، لكن تأثير الهجمات قد يكون مختلفاً
هذه الهجمات ليست الأولى من نوعها منذ اندلاع التوتر بين إيران وأمريكا عقب إلغاء إدارة ترامب الإعفاءات الممنوحة لعدد من الدول من العقوبات الأمريكية على النفط الإيراني، إذ وقع هجوم سابق قبل نحو شهر.
فقد سبق أن تعرضت أربع ناقلات للنفط لهجوم قبالة سواحل الفجيرة الإماراتية الشهر الماضي (مايو/أيار 2019)، ولكن للهجوم الأخير تأثير مختلف على أسواق النفط في العالم.
فالهجوم يثبت أن مضيق هرمز وخليج عُمان الذي يمر منهما نحو خُمس استهلاك النفط العالمي الذي يأتي من مُنتِجي الشرق الأوسط لم يعد آمناً.
كما أنه رغم أن الهجوم لم تُعرف تفاصيله بعدُ، فمن الواضح أنه واسع النطاق، وسط حديث الإيرانيين عن أنهم انتشلوا 44 من البحارة الذين غرقوا من إحدى الناقلات.
أين كان الأمريكيون؟
ووقع الهجوم قبالة إمارة الفجيرة، خارج مضيق هرمز، وهو ممر مائي ضيق يفصل إيران عن شبه الجزيرة العربية، حيث يمر خُمس استهلاك النفط العالمي من منتجي الشرق الأوسط.
ويُفترض أن الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية المتمركز في البحرين مَهمته حماية السفن التجارية بالمنطقة. تتمتع القوات البحرية البريطانية والفرنسية بوجود في المنطقة، في حين تتمتع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بقدرات بَحرية عالية التقنية.
إلا أن هذا الوجود البحري المكثف فشل للمرة الثانية في حماية الملاحة بهذه المنطقة الحساسة.
لماذا فشلت دول الخليج وأمريكا في رصد المهاجمين؟
تكافح دول الخليج العربية من أجل بناء نظام فعال للدفاع ضد الطائرات من دون طيار ومحاولات التخريب ذات التكنولوجيا المنخفضة، حسبما نقل نقل موقع Kuwait Times عن مجموعة أوراسيا البحثية.
وأضافت: "هناك مئات، إن لم يكن بضعة آلاف من القوارب الصغيرة، تتحرك في تلك المنطقة كل يوم".
وقال نورمان رول، ضابط مخابرات أمريكي متقاعد رفيع المستوى، إن عديداً من هذه السفن يقودها مهربون يعملون بين إيران ودول الخليج.
وعندما وقع هجوم الفجيرة الشهر الماضي، قالت متحدثة باسم المكتب الإعلامي الحكومي الإماراتي: "هذا الوضع سيجعل من الصعب -ولكن ليس من المستحيل- تتبُّع أي سفن صغيرة، ربما تكون قد شاركت في العملية".
وتواجه الإمارات ضغوطاً لزيادة الدوريات في المنطقة.
آنذاك، قال دبلوماسي غربي في أبوظبي: "تحتاج الإمارات إرسال إشارة لطمأنة صناعة الشحن بأن الفجيرة آمنة وأن هذا لن يحدث مرة أخرى".
ولكن المشكلة بدلاً من أن تأتي إشارة إيجابية، جاءت إشارة سلبية عبر الهجومين الأخيرين الأمر الذي من شأنه أن يؤثر في نظرة العالم إلى أمن المنطقة.
هذا التغير في النظرة يعني تكلفة دولارات إضافية على تجارة النفط العالمية.
كيف ستتأثر تجارة النفط بالهجوم على الناقلتين؟ إليك ما فعلته شركات التأمين
عقب هجوم الفجيرة السابق، رفع سوق التأمين البحري في لندن، الذي يغطي غالبية سفن العالم، من المياه الإقليمية لدول عدة بمنطقة الخليج، إلى درجة عالية من المخاطر بعد هجمات السفن قبالة الفجيرة في نهاية الأسبوع الماضي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.
وقالت اللجنة المشتركة للحرب، التي تضم ممثلين عن لويدز في لندن (التفتيش البحري) والرابطة الدولية لمتعهدي التأمين في لندن، إن المياه قبالة سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة والخليج الفارسي (العربي)، قد أُضيفت إلى قائمة من "المخاطر المعززة المتصورة، لأنها لم تستبعد مزيداً من الهجمات".
وهو ما قد وقع بالفعل اليوم.
وآنذاك قالت الصحيفة البريطانية إن هذه هذه الخطوة قد تزيد أقساط التأمين على ناقلات النفط والسفن الأخرى، العاملة بالقرب من مضيق هرمز والمناطق المحيطة بها، وهي نقطة مرور النفط الرئيسية التي أصبحت تحت الأضواء مع تصاعُد التوترات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وإيران.
وعندما صدر هذا القرار قبل أقل من شهر علّق نيل روبرتس، رئيس قسم التأمين البحري في Lloyd's Market Association: إن القرار "ضروري" في "غياب الوضوح بشأن احتمال وقوع المزيد من الهجمات" وإن "الوضع سيبقى قيد المراجعة الدقيقة".
وأضاف: "إن التأثير هو أن شركات التأمين ستطالب الآن شركات الشحن بإبلاغهم إذا كانت لديهم سفن إما تتاجر في المنطقة أو تدخلها"، و "سيتيح هذا لشركات التأمين تقييم ظروف كل سفينة، وتعديل الشروط والأحكام وفقاً لذلك. ولكن هذا لا يعني تلقائياً أنَّ كلَّ سفينة سيتم تحصيلها علاوة إضافية.
ويعتقد أن الإمارات فضّلت عدم توجيه اتهام مباشر لإيران بتنفيذ هجوم الفجيرة، الذي وقع الشهر الماضي، خوفاً من تأثيرات ذلك على اقتصادها، لأن مثل هذا الإعلان من شأنه رفع تكلفة الشحن والتأمين في البلاد، إضافة إلى تداعياته السياسية.
لماذا يشكل موقع الهجمات مؤشراً خطيراً لدول الخليج؟
الأمر الذي قد يزيد من تأثير هذين الهجومين الأخيرين أنهما وقعا في مكان مقارب للهجوم السابق، قبالة ساحل مدينة الفجيرة الإماراتية، التي يوجد بها أكبر ميناء لتزويد الوقود في العالم.
وهذا قد يرسخ الفكرة لدى شركات التأمين وغيرها من المعنيين، بأنها نقطة ضعف.
ولكن الأخطر أن اختيار الفجيرة التي تقع خارج الخليج العربي، بل في خليج عمان قبالة البحر العربي، له دلالة مهمة.
إذ تقليدياً يُنظر لهذه المنطقة بأنها المنفذ المحتمل لنفط دول الخليج العربي، في حال حدوث أزمة في الخليج العربي، أو إغلاق إيران لمضيق هرمز، حيث يمكن نقل النفط من ساحل الخليج العربي إلى الفجيرة مباشرة، بعيداً عن مضيق هرمز.
وفي الوقت الحالي يمرّ نحو 15 مليون برميل عبر مضيق هرمز، ومنه إلى خليج عمان، لتكون هذه المنطقة بمثابة خاصرة الخليج الضعيفة، بل خاصرة تجارة النفط العالمية برمتها.
إذ يمر عبر المضيق نحو 80% من النفط السعودي، والعراقي، والإماراتي، والكويتي، في طريق التصدير إلى دول مثل الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، والهند، وسنغافورة.
وبشكل عام، يُنقل عبر مضيق "هرمز" نحو 40% من الإنتاج العالمي من النفط الخام المنقول بحراً، وهو ما يمثل أكثر من 20% من الإنتاج العالمي من النفط، وتعبُره يومياً ما بين 20 و30 ناقلة، بحمولة تتراوح بين 16.5 و17 مليون طن، بمعدل ناقلة نفط كل 6 دقائق في ساعات الذروة.
فقد بنت الإمارات خط أنابيب عملاقاً ينتهي في الفجيرة
وكانت السعودية والإمارات تعملان على إيجاد طرق بديلة لتجنب المضيق، وذلك بسبب النزاع مع إيران.
وبنت الإمارات خط أنابيب بطول 406 كيلومترات من أبوظبي في الخليج إلى الفجيرة، المطلّة على خليج عمان وبحر العرب، على بعد نحو 70 ميلاً بحرياً من مضيق هرمز.
ويمكن نقل 1,6 مليون برميل من النفط في خط الأنابيب هذا، إلى خزانات عملاقة في ميناء الفجيرة تستوعب 70 مليون برميل.
ووقّعت أبوظبي مؤخراً عقداً لبناء محطة تخزين أخرى في الفجيرة، تستوعب 42 مليون برميل، كما بنت دول خليجية أخرى مخازن أصغر حجماً على أراضي دول مستهلكة مثل كوريا الجنوبية.
ومن هنا تأتي خطورة استهداف منطقة خليج عمان قبالة الفجيرة، فالجهة التي تقف وراء هذا الهجمات سواء كانت جهة واحدة أو أكثر ترسل لدول الخليج رسالة بأنها لم تستهدف فقط الممر الرئيسي لنفطهم هو مضيق هرمز بل المنفذ البديل هو الفجيرة أيضاً.
البدائل الباهظة.. السعودية تجد طريقاً عبر البحر الأحمر، ولكن هناك من يقف لها بالمرصاد
تحاول دول الخليج إيجاد بدائل لمسارات تجارتها النفطية، حتى لو كانت باهظة التكلفة.
وبنت الرياض خطّ أنابيب بطول 1200 كلم لنقل 5 ملايين برميل نفط من شرقها إلى غربها، حيث يمكن تحميل الخام على متن بواخر في البحر الأحمر، وتسعى المملكة منذ سنوات لأن ترتفع طاقته إلى سبعة ملايين برميل.
ولكن مع قدرة الحوثيين على استهداف باب المندب، فإنه حتى هذا المنفذ السعودي المحتمل أصبح في خطر، خاصة إذا حاولت الرياض استخدامه في تجارتها النفطية مع آسيا.
ويتحدث خبراء عن استخدام المخزون الاستراتيجي لدولة خليجية ما في دولة أخرى باعتباره أحد البدائل المهمة.
وهناك العديد من الأمثلة في هذا الشأن، حيث تُخزّن السعودية النفط الخام في اليابان، وبذلك تستطيع أرامكو تخزين 6.3 مليون برميل من النفط الخام في جزيرة واقعة في جنوب غرب اليابان، واستخدمت المنشأة في توريد النفط إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأنحاء أخرى.
وهناك اتفاقية تخزين مماثلة مع بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) الإماراتية منذ عدة سنوات، باستخدام مرافق التخزين اليابانية مجاناً منذ 2009، حيث تستطيع (أدنوك) الإماراتية تخزين 6.29 مليون برميل بمرفأ كيري النفطي في كاجوشيما بجنوب اليابان".
وفي كل الأحوال فبقدر ما ستعزز هذه الهجمات من محاولات دول الخليج لإيجاد بدائل لمضيق هرمز وخليج عمان، فإن من شأن المخاطر المترتبة على التوتر في الشرق الأوسط، أن تجعل الزبائن بدورهم يبحثون عن بدائل لإيجاد النفط في مناطق أخرى.