بعد النجاح المبدئي للعصيان المدني السوداني، اتَّخذ المجلس العسكري خطواتٍ بطيئة في اتجاه الاستجابة لطلبات القوى الثورية، وسط حديث عن ترشيح المعارضة السودانية لرئيس وزراء جديد والأعضاء المدنيين للمجلس الانتقالي.
وليس من الواضح هل هذه الخطوات هدفها المماطلة وإفشال العصيان المدني، أم أنَّها تمثل استجابة فعلية لطلبات المعارضة السودانية.
في هذا التقرير نستعرض آخر التطورات التي شهدتها الأزمة السودانية.
اعتقال جنود متورِّطين في المذبحة
فقد أعلن المجلس العسكري الانتقالي بالسودان اعتقال عدد من الجنود "المتورطين في قتل المتظاهرين".
وقد أكد المجلس العسكري، في ساعة متأخرة من ليلة الإثنين، أنَّه احتُجز عدد من الجنود في أعقاب مقتل العشرات من المتظاهرين السلميين بالخرطوم، الأسبوع الماضي.
وذكر المجلس في بيانٍ أنَّه عُثر على "أدلة أولية" ضدَّ عددٍ من عناصر القوات النظامية، وأنَّهم وُضعوا في الحجز العسكري قبل إحالتهم إلى السلطات القضائية "بشكل عاجل".
وأضاف: "يؤكد المجلس العسكري الانتقالي أنَّه لن يكون هناك تأخير في محاسبة مَن يثبُت إدانتهم وفقاً للوائح والقوانين".
وكانت لجنة الأطباء المركزية أفادت في وقت سابق بمقتل حوالي مئة شخص وجرح نحو 500، أثناء فضِّ اعتصام الخرطوم بالثالث من يونيو/حزيران الجاري.
تجدر الإشارة إلى أنَّ المعارضة السودانية اتهمت قوات الدعم السريع بشكل أساسي بمسؤوليتها عن الفضِّ، وهي القوات التي يقودها نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو "حميدتي".
وحسب شهادات لأطباء سودانيين، فقد وقعت عمليات اغتصاب لنساء خلال فض الاعتصام.
ففي مستشفى في جنوب الخرطوم، قال مصدر طبي إنَّه قد استقبل حالتي اغتصاب، تعرَّضت إحداها للهجوم من أربع مجموعات شبه عسكرية تابعة لقوات الدعم السريع، كما وصف العديد من الشهود حالات مماثلة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأنباء عن ترشيح قوى الحرية والتغيير لثمانية أعضاء بالمجلس الانتقالي المقترح
نقلت وكالة رويترز عن قيادي بقوى الحرية والتغيير قوله إن المعارضة تعتزم ترشيح ثمانية أسماء لعضوية المجلس السيادي، واقتصادي بارز لرئاسة الحكومة، مما يؤشر لاحتمال انفراج الأزمة من الجانبين.
وأضافت الوكالة أنه من الواضح أن الخطة تقوم على اقتراح طَرَحَه رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، خلال زيارة للخرطوم، الأسبوع الماضي، بغرض الوساطة.
وخلال مهمة الوساطة، اقترح رئيس وزراء إثيوبيا تشكيل مجلس انتقالي من 15 عضواً، منهم ثمانية مدنيين، وسبعة من ضباط الجيش، لقيادة البلاد خلال المرحلة الانتقالية.
وقال المصدر -الذي طلب عدم نشر اسمه- إن قوى الحرية والتغيير ستعلن أيضاً ترشيح ثمانية أعضاء بالمجلس السيادي، من بينهم ثلاث نساء.
وكتب أبي -على تويتر الإثنين- أنَّه تحدَّث إلى رئيس المجلس العسكري الفريق أول عبدالفتاح البرهان، عن "تقدُّم الوساطة".
تضارب بشأن ترشيح المعارضة السودانية لرئيس وزراء جديد
وفي حين صرَّح قيادي في المعارضة بأنَّ قوى الحرية والتغيير تعتزم ترشيح عبدالله حمدوك لرئاسة الحكومة، فإنَّ تقارير إعلامية نفت الاتفاق على اسم حمدوك.
ونفى مصدر في قوى "إعلان الحرية والتغيير" في تصريح أمس الإثنين، لموقع RT الروسي، الاتفاق على ترشيح عبدالله حمدوك لمنصب رئيس الوزراء.
وقال المصدر إن قوى "الحرية والتغيير" لم تتفق بعد على ترشيح حمدوك، وإن كانت الأغلبية تؤيد ترشيحه، ونفى تماماً الاتفاق على عضوية المجلس السيادي.
ولكن من هو عبدالله حمدوك الذي سترشحه المعارضة على رأس الحكومة السودانية؟
الدكتور أحمد عبدالله حمدوك حاصل على بكالوريوس (مع مرتبة الشرف) من جامعة الخرطوم، وعلى ماجستير ودكتوراه في الاقتصاد من كلية الدراسات الاقتصادية، بجامعة مانشستر بالمملكة المتحدة.
عمل في وزارة المالية بالسودان، بمنصب كبير المسؤولين في الفترة من 1981 حتى 1987، وبعدها عمل في شركة مستشارين خاصة في زيمبابوي حتى عام 1995، ثم عمل مستشاراً في منظمة العمل الدولية في زيمبابوي حتى عام 1997.
عُين في بنك التنمية الإفريقي في ساحل العاج حتى عام 2001، وبعدها انضمَّ للجنة الاقتصادية لإفريقيا، التابعة للأمم المتحدة في أديس أبابا في عدة مواقع، حتى أصبح نائب الأمين التنفيذي.
في الفترة من 2003 حتى 2008، عمل حمدوك في المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (IDEA)، بصفته مديراً إقليمياً لإفريقيا والشرق الأوسط.
شغل حمدوك منصبَ كبير الاقتصاديين، ونائب الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية لإفريقيا منذ عام 2011.
في 2016 تم تعيينه من قبل الأمين العام للأمم المتحدة حينئذ، بان كي مون، القائم بأعمال الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، وتسلم منصبه في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني.
في 2018، تم ترشيحه لتولّي منصب وزير المالية السوداني في التشكيل الوزاري برئاسة معتز موسى، ولكنه اعتذر عن قبول تكليفه بمنصب وزير المالية.
في 2019، برز اسم حمدوك وسط المرشحين لتولي رئاسة الوزراء في الفترة المقبلة، بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير، وتولي المجلس العسكري الانتقالي إدارة البلاد.
ولكن اللافت في كلِّ هذه التغييرات أن "العسكري السوداني" مع إبدائه الاستعداد للتفاوض، فإنه دعا لوقف العصيان المدني.
وأمس الإثنين، ظلَّت معظم المحالّ التجارية مغلقةً في اليوم الثاني من العصيان المدني، وقد ردَّ المجلس العسكري باعتقال العشرات من أنصار المعارضة واثنين من قادتها.
تزامَنَ ذلك مع ظهور حركة أكبر قليلاً في الشوارع، أمس الإثنين، مع فتح بعض المحال، منها محال في سوق الخرطوم المركزي، لكن ظلَّت متاجر وشركات كثيرة مغلقة.
عصابات تستغل العصيان المدني.. فهل يحركها العسكريون؟
ومع استمرار العصيان المدني تشهد البلاد ظاهرة المتفلّتين (عصابات النيقرز)، الذين حذَّرت منهم السلطات في أحياء الخرطوم عبر مكبرات الصوت.
وقال محمد سيد أحمد القطب، الاتحادي والقيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير إن ما يشاع حول تلك العصابات هو جزء من مخطط المجلس العسكري لتشويه صورة الثورة السودانية، التي التزم نشطاؤها بالسلمية، خاصة أن المجلس لا يعجبه ذلك الالتزام، ويريد استفزاز الثوار باستدراجهم نحو مربع العنف.
وأضاف أن المجلس يعلم كلَّ شيء عن تلك العصابات، ويعلم أماكن وجودها، ومَن هم قادتها، ويستطيع اعتقالهم، لكنه يتقاعس عمداً حتى يفسح لهم المجال لإثارة الشغب ونسبته لقوى التغيير من جهة، ومن جهة أخرى يسعى المجلس لدفع المواطنين إلى طلب الحماية من أجهزة الأمن والدعم السريع والشرطة، وجميعها كيانات مسلحة تتبع له.
فهل يحاول العسكري السوداني كسب الوقت لإضعاف العصيان أم أنه جاد هذه المرة في خطوات تسليم السلط؟.