في الوقت الذي ينشغل فيه البيت الأبيض بمطاردة إيران لسعيها إلى حيازة أسلحة نووية ووضعها الاستراتيجي الراهن في المنطقة، ثمة غليان وشهية مفتوحة نحو اقتناء سلاح نووي، في مكانٍ قريب من العسكرة السريعة تقوم به إحدى العائلات المفضلة للبيت الأبيض، ألا وهي آل سعود، التي بات من الواضح أن إدارة ترامب مستعدة لفعل أي شيء، من أجل إشباع رغبات العائلة المالكة السعودية، حتى ولو بلَيِّ قوانين الولايات المتحدة الأمريكية.
دعم السعودية في مواجهة "التهديد الإيراني"
في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، هدأت حدة الضجة التي أثارها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما تفاخر بصفقة أسلحة مع السعودية بقيمة 110 مليارات دولار، إذ تمخضت الصفقة عن 14 مليار دولار فحسب من المشتريات المؤكدة.
وكما لو كانت الإدارة تريد تعويض هذا العجز، فقد تخطت الكونغرس الشهر الماضي، مايو/أيَّار، واستخدمت سلطات الطوارئ للتعجيل ببيع أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار إلى الرياض والإمارات وعددٍ من الدول الأخرى في مواجهة ما وصفه البيض الأبيض بـ "التهديد الإيراني المتصاعد".
وبينما سارت الولايات المتحدة بلا انقطاع على خطى حليفها المفضل، أصرَّت على أن تحِدّ طهران من طموحاتها العسكرية أو تواجه المزيد من العقوبات الأمريكية.
الطموح السعودي بعيد وترامب ربما يحققه
لكنَّ السعوديين لا يشترون الأسلحة من الولايات المتحدة فحسب، وهم لا يكتفون بشراء الأسلحة التقليدية أيضاً. إذ يبدو أنَّ الرياض تستخدم مكانة حليفها المفضل والشعور العام بالاضطراب الجيوسياسي لتكتسح ما تقدر عليه، بما في ذلك من منافسي واشنطن.
ووفقاً لمعلومات استخباراتية سرية أخفيت عن الكونغرس في البداية -لكنها كُشِفَت في النهاية لشبكة CNN– فإنَّ السعوديين لجأوا إلى الصين في السنوات الأخيرة للمساعدة في توسيع برنامجهم للصواريخ الباليستية.
وتمنع اتفاقية 1987 الطوعية الرياض من شراء تكنولوجيا أمريكية يمكنها أن تحمل أسلحة دمار شامل، لذلك يُزعَم أن السعودية قد طلبت العون من بكين. وربما تكون معاملات مماثلة قد أجريت أثناء العقد الماضي، ومن غير الواضح على وجه التحديد حجم هذه المشتريات لكنها علامة أخرى على سعي المملكة الحثيث للحصول على أفضل ترسانة في المنطقة.
وتصر وزارة الخارجية الأمريكية على أنَّ السعوديين ما يزالون ملتزمين بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. ومن جانبها، كانت المملكة منفتحة حول برنامجها النووي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أرسلت فريقاً إلى السعودية في شهر يوليو/تموز الماضي لتفقد خطط البناء. وتعهَّدَت السعودية مراراً بأنَّ البرنامج سلمي، لكنَّ ولي العهد محمد بن سلمان قال العام الماضي إنَّ "إيران إذا طورت قنبلة نووية، فمما لا شك فيه أننا سنتبعها في أقرب وقت ممكن".
وفي حين لا يوجد أي مؤشر على أنَّ السعوديين يسعون لسلاح نووي الآن، إلا أنهم في السوق للحصول على كميات متزايدة من التكنولوجيا النووية، وهو ما قد يبدو شهية غريبة لدولة ذات احتياطات هائلة من النفط، وغارقة في ضوء الشمس الوفير.
شهية مفتوحة على السلاح النووي
وبالفعل، فقد تم تطوير مفاعل بحثي أرجنتيني في ضواحي الرياض. والأمر الأكثر إثارة للجدل أنَّ المملكة قد سعت لتكنولوجيا نووية من الكثير من الشركات الأمريكية التي لم يُكشف عنها.
وقد تلقت هذه الشركات 7 تراخيص من وزارة الطاقة الأمريكية لمشاركة معلومات حساسة. وكانت ما تسمى تراخيص 810 موضع غضب كبير من المشرعين الديمقراطيين، الذين اعترضوا على السرية غير المعتادة التي تم بها التعامل مع ذلك الأمر، من ذلك أن تواريخ منح هذه التراخيص لم يكشف عنها إلا يوم الثلاثاء بعد شهرين من ضغط الديمقراطيين في مجلس الشيوخ. ومع ذلك، فقد ظلت أسماء الشركات سرية.
اثنان من هذه التراخيص مُنِحا في ذروة الانتقادات الدولية لدعم الولايات المتحدة للنظام السعودي بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وتم الانتهاء من أحدها بعد 16 يوماً فحسب من وفاة خاشقجي.
وقال السيناتور الديمقراطي تيم كين في بيان له، مشيراً إلى أنَّ بعض هذه الشركات الأمريكية المشاركة في عملية نقل المعلومات ربما تكون مقربة من عائلة ترامب، إنَّ لديه "أسئلةً جادة حول ما إذا كانت أي من قرارات نقل المعلومات النووية قد اتخذت استناداً إلى الروابط المالية لعائلة ترامب بدلاً من مصالح الشعب الأمريكي".
ترامب يريد إشباع رغبات السعودية
ورفض جاريد كوشنر، أحد مستشاري ترامب وصهره، في مقابلة حديثة أجراها معه برنامج Axios على شبكة HBO، مناقشة اتصالاته الخاصة مع ولي العهد المعروف قربه منه.
وأشار مسؤولون سعوديون إلى أنَّ المفاعلات النووية ستكون "مفيدة في تحلية مياه البحر"، لكنَّ الطبيعة السرية لعمليات الحيازة أدت إلى مخاوف من وجود "أجندة أوسع نطاقاً". وكانت إيران قد تعرَّضَت لانتقادات حادة بداية العقد الأول من القرن الحالي عندما سعت إلى الحصول على تكنولوجيا نووية لمفاعلات من روسيا، لتتهم لاحقاً بحيازة "برنامج عدواني للأسلحة النووية".
ومن غير الواضح بالضبط إلى أين سيؤدي قرار البيت الأبيض في السنوات القادمة، بلَيِّ قوانينه لإشباع رغبة السعودية الحالية لأسلحة أكثر وأفضل، في منطقة أنهكتها الصراعات بالفعل.