كيف تحول عشماوي من ضابط صاعقة لأخطر “إرهابي” ولماذا تأخر تسليمه 8 أشهر؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/05/29 الساعة 11:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/29 الساعة 17:19 بتوقيت غرينتش
خبر تسلم عشماوي يتصدر وسائل الإعلام المصرية

"كان ضابطاً نابغة يحل فى المقدمة دائماً، ولكن هناك موقف واحد غيّره تماماً"، بهذه الكلمات وصف أحد زملاء الضابط المنشق هشام عشماوي، فكيف تحول عشماوي إلى واحد من أخطر الإرهابيين في مصر؟

وكانت السلطات المصرية قد تسلمت، الثلاثاء 29 مايو/أيار 2019، هشام عشماوي من قوات الجيش الليبي التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، فمن أين تأتي خطورة هذا الرجل؟ وكيف شهدت حياته هذا التحول الغريب؟ وما هي ملابسات القبض عليه؟ ولماذا تأخر تسليمه لمدة ثمانية أشهر؟

صيد ثمين طلبه السيسي بنفسه وهو في يد حفتر

كان الرئيس المصري نفسه قد طالب بإلقاء القبض على عشماوي خلال حديثه لضباط من الجيش المصري في أكتوبر/تشرين الأول 2018، بالتزامن مع الإعلان عن اعتقال عشماوي في ليبيا.

ويعتبر مسؤولو الأمن المصريون عشماوي زعيم جماعتَي "أنصار الإسلام" و "المرابطون" المُسلَّحتين. وترتبط كلتا المجموعتين بالفرع التابع لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وهو فرعٌ تابع للشبكة الإرهابية في شمالي وغربي إفريقيا.

عشماوي محكوم عليه بالإعدام في عدة قضايا/Reuters

وقالت مصادر قضائية وأمنية لصحيفة "الوطن" المصرية إن الإرهابي هشام عشماوي محكوم عليه بالإعدام في عدة قضايا، من بينها "أحداث الفرافرة" و "أنصار بيت المقدس 3″، والصادر فيهما أحكام بالإعدام من القضاء العسكري.

ويواجه عشماوي اتهامات بارتكاب 54 عملية إرهابية ، منها "محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق، وقتل النقيب محمد أبوشقرة، والمقدم محمد مبروك، وتفجير مديريتي أمن القاهرة والدقهلية، واستهداف مقرات أمنية وعسكرية.

وهو متهم أيضاً باستهداف حافلات الأقباط في المنيا التي راح ضحيتها 29 قتيلاً، وهاجم مأمورية الأمن الوطني بالواحات التي راح ضحيتها 16 قتيلاً، عدا عن أحداث الفرافرة في عام 2014 التي راح ضحيتها 21 قتيلاً من قوات حرس الحدود في كمين للجماعة التي يقودها.

كيف تحول عشماوي إلى واحد من أخطر الإرهابيين في مصر؟

التحق عشماوي (مواليد 1978) بالكلية الحربية في عام 1996، وبعد تخرجه انضم لسلاح المشاة ثم أصبح ضابط صاعقة.

يقول أحمد صقر، العضو المؤسس لحزب العدل والمساعد السابق لرئيس جهاز تنمية سيناء، عن عشماوي إنه "كان ضابطاً نابهاً يحل في المقدمة دائماً، بدءاً من فرقة الصاعقة الأساسية في الكلية الحربية حتى فرق التدريب الاحترافي في الولايات المتحدة الأمريكية، بشهادة زملائه عن نبوغه"، حسبما ورد في تقرير لموقع "بي بي سي".

مشادة وقعت بينه وبين خطيب مسجد في معسكر تدريبي جذبت الأنظار لعشماوي في الجيش، بعدما أخطأ الإمام في ترتيل القرآن، ما جعل الكثير من الشبهات تحوم حوله.

ونقلت وكالة رويترز عن أحد المجندين الذين رافقوه خلال وجوده في صفوف الجيش قوله: "كان هشام يوزع كتب شيوخ السلفية على زملائه في الخدمة العسكرية، ويحث زملاؤه على عدم تنفيذ وتقبل الأوامر ما لم يكونوا مقتنعين بذلك".

الحادثة التي غيّرت حياته

ونسبت رويترز لأحد أقربائه قوله إنه "في عام 2006 عندما اعتقل أحد أصدقاء هشام وتوفي وهو في السجن، تحول هشام إلى شخص آخر".

إذ يعتقد أن هذا الصديق توفي بعد تعرضه للتعذيب، حسبما ورد في تقرير لموقع قناة الحرة الأمريكية.

وفي عام 2007، أُحيل إلى محكمة عسكرية بتهمة تحريض زملائه على العصيان ضد الجيش المصري، وفي عام 2011 فُصل كلياً من الخدمة العسكرية مع عدد من الضباط لأسباب مشابهة.

وبحسب مسؤولين أمنيين، عمل عشماوي في التجارة قبل أن يشكّل خلية "أنصار بيت المقدس" في عام 2012، وقام بتدريبهم وتوسيع دائرتهم. واستخدم أسماء حركية مثل شريف وأبومهند وأبوعمر المهاجر، عند الحديث عن عمليات عسكرية.

يحارب داعش ويركز على تجنيد العسكريين المحبطين

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2014، أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس التي ينتمي إليها عشماوي البيعة لتنظيم داعش. لكن عشماوي رفض مبايعة داعش وكوّن مجموعة "المرابطون" التي عرفت بموالاة تنظيم القاعدة في ليبيا.

وقال مُحلِّلون إنَّ شبكته جنَّدَت عديداً من الأفراد المُحبَطين بالقوات المصرية، حسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

وكان عشماوي وجماعته ينافسون داعش في ليبيا ومصر على النفوذ. وفي ليبيا كان كلا الطرفين يقاتل الآخر.

مصر تحتفل بتسلم عشماوي.. فمتى وكيف تم إلقاء القبض عليه؟

المتابع لعملية الاحتفاء بتسليم عشماوي لمصر قد يظن أن عملية القبض عليه قد تمت في وقت قريب أو أن لها علاقة بمحاولات قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر اقتحام طرابلس والقضاء على حكومة التوافق.

كما تبدو المراسم المحيطة بعملية تسلمه تعطي إيحاء باعتباره إنجازاً أمنيا للسلطات المصرية لاسيما المخابرات العامة.

ولكن الواقع أن الإعلان عن القبض على هشام عشماوي تم منذ ثمانية أشهر، وتحديداً في أكتوبر/تشرين الأول 2018 في مدينة درنة شرقي ليبيا، لكنها لم تحظ باهتمام الإعلام المصري في ذلك الوقت.

وتم الاتفاق على إجراءات تسليمه لمصر خلال زيارة للواء عباس كامل، رئيس المخابرات المصرية، إلى ليبيا التقى خلالها بحفتر، صباح الثلاثاء 29 مايو/أيار 2019 .

واعتبرت السلطات المصرية تسلمه انتصاراً كبيراً لها في "الحرب على الإرهاب"، حسب موقع "بي بي سي"

وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن "الحرب ضد الإرهاب لم تنتهِ"، مثنياً على دور الجيش المصري في هذه الحرب.

وعبّر السيسي عن دعمه للقوات الخاصة المصرية التي استكملت عملية تسلّم عشماوي وجلبته من الأراضي الليبية، ووصفها بـ "الصقور التي تنقض على كل من تسوّل له نفسه إرهاب المصريين". وختم قائلاً: "عاشت مصر برجالها.. صقور مصر.. تحيا مصر".

وقالت قيادة قوات حفتر في بيان إن تسليم عشماوي جاء "في إطار عمليات مكافحة الإرهاب في شمال إفريقيا وضمن التعاون المشترك مع جمهورية مصر العربية الشقيقة".

قوات حفتر كانت قد اعتقلت عشماوي في مدينة درنة شرقي ليبيا، وهي المدينة التي لم تخضع يوماً لسيطرة حكومة الوفاق بل كان يُنظر لها على أنها معقل لتنظيم القاعدة يقع بين طبرق التي انطلق منها حفتر، وبين بني غازي أكبر مدن الشرق الليبي.

وكان عشماوي يستخدم درنة، التي تقع على بُعد نحو 165 ميلاً غرب الحدود المصرية، كنقطة انطلاق للعبور إلى مصر وشنِّ هجماتٍ عليها.

ووُجِدَ عشماوي مرتدياً حزاماً ناسفاً عندما تم القبض عليه هو وزوجة وأبناء قيادي جهادي آخر يُدعى محمد رفاعي سرور سبق أن تم تصفيته على يد قوات ليبية في حزيران/يونيو الماضي.

وحسب الرواية التي نشرتها صحيفة الدستور المصرية في أكتوبر/تشرين الأول 2018، فإن العملية التى نفذها الجيش الليبى للقبض على عشماوي أسفرت عن مقتل اثنين من حراسه حيث تم استدراجه، بموجب خطة محكمة، للخروج من مخبئه والدخول في اشتباكات مع القوات، التي تمكنت من تصفية حراسه والقبض عليه.

وقال محافظ بلدية درنة الليبية، المستشار عبدالمنعم الغيثي، في ذلك الوقت إن جهاز الاستخبارات العسكرية الليبي كان يرصده منذ فترة، وتم وضع خطة محكمة بواسطة الجهاز الذي يتميز بسرعة التنقل والوصول ورد الهجوم على الإرهابيين.

وأكد أن عشماوي يخضع للتحقيق معه فى منطقة سرية من جانب الجهات المختصة، لارتكابه العديد من العمليات الإرهابية التي يعاقب عليها القانون الليبي.

وشدد الغيثي على أن الأجهزة المصرية على علم بتفاصيل القبض كما يجري التنسيق معها في التحقيقات التي تتم مع الإرهابي.

كيف سينعكس كل ذلك على الحرب على الإرهاب؟

عندما تم القبض على عشماوي في أكتوبر/تشرين الأول 2018، قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن اعتقاله يقدم دعماً لحملة مكافحة الإرهاب في مصر هي في أمسِّ الحاجة إليه، إذ تُعتَبَر هجمات المُتشدِّدين سبباً رئيسياً في تراجع السياحة في البلاد (المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية) منذ ثورة الربيع العربي عام 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك.

لكنَّ عدداً قليلاً فقط من المُحلِّلين حسب الصحيفة، يتوقَّعون أن يكون لإلقاء القبض على عشماوي تأثيرٌ كبيرٌ في التشدُّد في مصر، فلم تشن جماعته هجماتٍ واسعة النطاق منذ فترة، رغم أنها ما زالت تعتبر تهديداً.

ورأت الصحيفة الأمريكية أن مصر تواجه مشاكل أمنية أكثر إلحاحاً مع تنظيم داعش في سيناء، الذي أكد مسؤوليته عن إسقاط طائرة ركاب روسية في عام 2015 عندما غادرت منتجع شرم الشيخ، ما أسفر عن مقتل جميع الركاب البالغ عددهم 224 شخصاً.

لماذا تأخر تسليم عشماوي إلى مصر؟

تأخُّر التسليم جاء بسبب سجلّه الإجرامي الكبير في ليبيا، واستهدافه مئات العسكريين والمدنيين، وارتكابه جرائم جماعية، تشمل تفجير وتفخيخ منازل وسيارات، حسبما نقلت تقارير إعلامية عن مصادر ليبية.

وكان المتحدث باسم قوات حفتر، العميد أحمد المسماري، قد قال عندما تم القبض على عشماوي إنه يخضع للتحقيق من قبل المدعي العام العسكري في ليبيا، مؤكداً أن مسألة تسليمه إلى مصر من اختصاص القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، والقضاء العسكري المختص بالنظر في وقائع القضايا المنسوبة له، والتي تسبب فيها بقتل وجرح وتشريد عائلات الآلاف من الليبيين.

ومع أن إجراءات تسليم المتهمين بين الدول عمل يستغرق وقتاً زمنياً طويلاً، فإن فترة الأشهر الثمانية تعد أطول من المتوقع بالنظر إلى قوة العلاقات بين مصر وحفتر، وكذلك خطورة الاتهامات الموجهة إلى عشماوي في مصر.

الاحتفاء بالتسليم يأتي في وقت حساس بالنسبة للبلاد

ولكن يظل تسلم عشماوي انتصاراً معنوياً كبيراً في وقت فقدت فيه محاولة حفتر حليف القاهرة دخول طرابلس زخمها.

كما أن عملية تسلم عشماوي تتزامن مع الجدل الذي أثاره تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية الذي اتهم الجيش المصري والإرهابيين بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في سيناء، ترتقي إلى "جرائم الحرب"، على حد تعبير المنظمة.

وحثت المنظمة دول العالم على وقف المساعدات العسكرية المقدمة لمصر، بسبب المزاعم التي وردت في تقريرها الذي حمل عنوان "اللي خايف على عمره يسيب سينا: انتهاكات قوات الأمن المصرية ومسلحي داعش في شمال سينا".

ووثق التقرير جرائم شملت الاعتقالات الجماعية التعسفية، والإخفاء القسري، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القضاء، وهجمات جوية وبرية ضد المدنيين على مدى عامين، من 2016 إلى 2018.

وقالت "هيومن رايتس ووتش"، إنها وثقت ما قالت إنه 50 حالة اعتقال تعسفي قامت به السلطات المصرية لسكان محليين في سيناء بينها 39 حالة احتجاز في حبس انفرادي بمكان غير معلوم.

ووصفت المنظمة في تقريرها الاشتباكات بين قوات الأمن المصرية ومسلحي تنظيم داعش بأنه "نزاع مسلح غير دولي".

والتقرير مؤلف من 134 صفحة يغطي الفترة من 2016 إلى 2018 ويستند إلى مقابلات مع 54 من سكان شمال سيناء ومن المسؤولين الحكوميين والعسكريين السابقين، وكذلك بيانات رسمية وصور بالأقمار الصناعية.

من جانبه، نفى المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية في بيان صحة ما ورد في تقرير هيومن رايس ، وقال العقيد تامر محمود الرفاعي إن التقرير الذي نشرته المنظمة "اعتمد على مصادر غير موثقة"، "يأتي في سياق سعي بعض المنظمات المسيسة لتشويه صورة الدولة المصرية والقوات المسلحة بإدعاءات ليس لها أى أساس من الصحة".

تحميل المزيد