على مدى عدة أشهر، عكفت الإدارة الأمريكية على وضع خطة "صفقة القرن" لتسوية القضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن الإعلان الأخير عن عقد مؤتمر اقتصادي في البحرين بنهاية يونيو/حزيران يشير إلى أنَّ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترغب في إقناع الفلسطينيين بـ "حوافز اقتصادية بدلاً من إقامة دولة لهم". بمعنى آخر، استخدام الأموال للضغط عليهم.
وبحسب الكاتب الإسرائيلي في موقع Al-Monitor الأمريكي، أكيفا إلدار، فإن الإدارة الأمريكية مهدت على مدار عامين، بخطوات عديدة تستهدف الفلسطينيين وأموالهم، لهذا المؤتمر، الذي لن يكتب له النجاح لعدة أسباب، بحسب وجهة نظره.
فما الدوافع الحقيقية خلف ورشة عمل "السلام من أجل الازدهار" الاقتصادية التي طلبت إدارة ترامب من البحرين استضافتها؟ وهل تعكس عدم إدراك كامل للعرب عامةً والفلسطينيين خاصةً؟ وهل هي مجرد خطوة أمريكية أخرى بالتنسيق مع نتنياهو لإهدار الوقت وإرهاق الفلسطينيين؟
الضغط والابتزاز بالمال.. الخطوات التي مهدت لمؤتمر البحرين
يقول إلدار، الذي كان سابقاً محرراً كبيراً في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إنه على مدى أكثر من عامين ظلّت إدارة ترامب "تستهدف أموال" الفلسطينيين، في محاولة لإجبارهم على قبول إجراءاتها أحادية الجانب، التي تصب في صالح إسرائيل، وعلى رأس هذه الإجراءات الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها في 2018.
وقطعت إدارة ترامب المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية، وأوقفت دعمها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، المعنية بتقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين. واستغلت الإدارة كذلك وقف التمويل لتقويض نشاطات المنظمات والمبادرات التي تدعو "للتعايش" بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وحظي البيت الأبيض بـ "معلم بارع" وهو ترامب، لتلقينها كيفية استخدام الأموال لتكون وسيلة ضغط ضد الفلسطينيين. إذ ظلت إسرائيل تؤخر تسليم أموال الضرائب التي تجمعها نيابةً عن السلطة الفلسطينية لسنوات، وبدأت مؤخراً تقتطع من هذه الأموال المدفوعات التي تسددها السلطة الفلسطينية لعائلات الأسرى والشهداء الفلسطينيين.
الفلسطينيون لن يتخلوا عن تطلعاتهم لإقامة دولتهم
يقول إلدار، إنه "بمرور ربع قرن على توقيع اتفاقية أوسلو بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حان الوقت لأن تدرك واشنطن بما لا يدع مجالاً للشك أنَّ العقوبات الاقتصادية لن تدفع الفلسطينيين للتخلي عن تطلعاتهم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، عاصمتها القدس المحتلة، وتشمل فرض السيادة الفلسطينية على الحرم الشريف".
يضيف إلدار: قد يتوقع المرء أنَّ تستوعب الولايات المتحدة أنَّ أقصى ما يمكن أن تحققه الأموال هو شراء هدنة مؤقتة مع الفصائل الفلسطينية في غزة، التي تسعى جاهدة للسيطرة على الضفة الغربية وإزاحة السلطة الفلسطينية، التي يعتبرونها "الثمرة الفاسدة" لاتفاقية أوسلو. مضيفاً: "لن تتوانى حماس عن النيل من عباس إذا فكر ولو لحظة في بيع شعبه مقابل مبلغ زهيد من العرب والأمريكيين".
الوفد الإسرائيلي ربما يجد نفسه معزولاً كلياً في المؤتمر
ويرى إلدار أنه بالنظر إلى تجارب سابقة، لن يحضر مؤتمر البحرين المرتقب سوى حفنة من رؤساء الدول العربية، هذا إن حضر أي منهم على الإطلاق. ويمكن أن نستنبط تفسير ذلك لالتزام مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الصمت التام، الذي دوماً ما يسارع للترحيب بأي عقبة يضعها ترامب.
وفي هذا الصدد، وبحسب "المونتور"، يقول دبلوماسي إسرائيلي كبير إنَّ الوفد الإسرائيلي ربما يجد نفسه معزولاً كلياً في مؤتمر المنامة، مضيفاً: "يمكن أن نتوقع أنَّه خلال الأيام المقبلة سيطلب نتنياهو تجهيز طائرته للسفر، بمجرد أن يتضح أي القادة العرب سيقبلون الدعوة البحرينية-الأمريكية لحضور المؤتمر، إذ لن يُرى نتنياهو أبداً وهو يعارض الرئيس الأمريكي، الذي يصفه بأنَّه "أفضل صديق حظيت به إسرائيل في البيت الأبيض".
وقال مستشار نتنياهو والمتحدث الرسمي باسم حزبه "الليكود"، يوناتان يوريتش، في أبريل/نيسان الماضي، إنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي سيبدي رد فعل "إيجابي، من حيث المبدأ" على اتفاقية ترامب المنتظرة.
وأضاف: "لن نحظى بإدارة أكثر وداً من هذه. إذا قبلنا الخطة ولم يفعل الفلسطينيون، نستطيع دوماً، في حال وصول إدارة ديمقراطية إلى السلطة، القول إنَّه كانت هناك خطة أمريكية وافقنا عليها بينما رفضوها هم… وبالحديث من منظور تاريخي، تُعتبر هذه فرصة لترسيخ استعداد إسرائيل (للسلام) في مواجهة كراهية الفلسطينيين وجهلهم"، حسب تعبيره.
الشرق الأوسط ليس جاهزاً للصفقة
في حين يطرح يعقوب عميدرور، الذي شغل منصب رئيس مجلس الأمن القومي لنتنياهو في الفترة من 2011 حتى 2013، تشخيصاً مثيراً لمشكلة إسرائيل مع الفلسطينيين. إذ يزعم أنَّ صائغي اتفاق أوسلو وأنصارهم اليساريين الذين يؤمنون بحل النزاع باتفاق دبلوماسي هم من يفتقرون إلى الفهم.
ويعتبر عميدرور أنَّ الاعتراف بدولة إسرائيل "يأتي خلافاً للتركيبة الجينية للفلسطينيين". نعم، هذا صحيح، فالرئيس السابق لشعبة الأبحاث في الاستخبارات الإسرائيلية، الذي عمل أيضاً في مكتب رئيس الوزراء، يعزو صعوبة التوصل لاتفاق سلام إلى طفرة جينية في شعب آخر، ويختتم قوله بإحدى الندوات السياسة في تل أبيب بأن "الشرق الأوسط ليس جاهزاً أيضاً لما تخططون له"، أي ليس جاهزاً لصفقة كوشنر.