الحكاية الكاملة للمعركة الدائرة حالياً بين حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وشركة هواوي الصينية

تواجه شركة الاتصالات الصينية "هواوي" هجوماً حاداً من الولايات المتحدة الأمريكية، إذ ضمَّتها حكومة ترامب إلى قائمتها السوداء، ومنعت كافة التعاملات التجارية معها.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/05/22 الساعة 14:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/30 الساعة 19:37 بتوقيت غرينتش
هواوي وعدت بأنها ستواصل تقديم خدماتها لعملائها - رويترز

تواجه شركة الاتصالات الصينية "هواوي" هجوماً حاداً من الولايات المتحدة الأمريكية، إذ ضمَّتها حكومة ترامب إلى قائمتها السوداء، ومنعت كافة التعاملات التجارية معها.

إلا أنَّ هناك جذوراً اقتصادية وسياسية لهذه الأزمة، استعرضها تقرير بموقع Vox الأمريكي.

ترامب اتَّخذ عدداً من الخطوات المهمة ضد هواوي ما شكَّل ضربةً موجعة للشركة الصينية العملاقة

يستهلُّ التقرير حديثَه عن الخطوات المهمة التي اتَّخذتها الحكومة الأمريكية هذا الأسبوع تجاه شركة الاتصالات الصينية العملاقة هواوي، لتقطع علاقاتها مع عددٍ من شركات التكنولوجيا الأمريكية، مشيراً إلى أنَّ السلطات الأمريكية، ولسنواتٍ طويلة، قد أعربت عن قلقها حيال هذه الشركة.

وفي يوم الأربعاء الماضي، أصدر دونالد ترامب مرسوماً تنفيذياً يمنع الشركات الأمريكية من استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التابعة لأي جهة تُشكِل تهديداً للأمن القومي، وأعلن عن حالة طوارئ وطنية بهذا الصدد.

وأفادت الصحافة بأنَّ كثيرين اعتبروا أنَّ هذه الخطوة تستهدف شركة هواوي، وكانت شكوكهم في محلها، ففي اليوم ذاته أدرجت وزارة التجارة الشركة و70 من الشركات التابعة لها على قائمة "الكيانات" الخاصة بها، وهي باختصار قائمة سوداء تمنع كلَّ من ورد اسمه فيها من شراء قطع الغيار والمكونات من الشركات الأمريكية من دون موافقة الحكومة الأمريكية أولاً.

تسبَّب قرار ترامب في اتجاه عددٍ من الشركات الأمريكية إلى وقف تعاملاتها التجارية مع هواوي

إذ بدأت شركة جوجل في تحديد خدمات الأندرويد التي توفرها للشركة، ما قد يضر بشدة بمنتجاتها من الهواتف الذكية. وأفادت شركاتٌ أخرى مصنعة للرقاقات بأنَّها لن توفر منتجاتها لشركة هواوي بعد الآن، وفقاً لوكالة Bloomberg الأمريكية.

وحسبما أوضح التقرير، ترجع هذه القرارات جزئياً إلى الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، إلا أنَّها ترتبط أيضاً بالقلق الذي طال أمده بخصوص احتمالات شروع هواوي في عمليات تجسس، إضافةً إلى تهديداتٍ أخرى للأمن الوطني.

ازدادت جرأة الولايات المتحدة الأمريكية في نضالها ضد شركة هواوي مع الوقت، ففي نهاية العام الماضي، ألقت السلطات الكندية القبضَ على مينج وانتشو، مديرة الشؤون المالية لمجموعة هواوي، وابنة مؤسسها، بناءً على طلب وزارة العدل الأمريكية.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، وجَّه ممثلو الادعاء الفيدراليون الأمريكيون إلى وانتشو والشركة 23 اتهاماً رسمياً بارتكابهم العديد من الجرائم، من ضمنها الاحتيال المصرفي والمالي، والتآمر لخداع الولايات المتحدة الأمريكية، وسرقة أسرارها التجارية.

تعتبر هواوي واحدةً من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، متفوقة على أبل

يعود التقرير إلى الوراء ليستعرض تاريخ هواوي.

فقد تأسست الشركة عام 1987، واتَّخذت من مدينة شِنجن في الصين مقراً لها، وتُعد واحدةً من أكبر شركات التكنولوجيا في الصين، فهي مهمة بقدر شركة جوجل ذائعة الصيت، وتضطلع بدورٍ يشبه دور شركة فيريزون، صاحبة الإسهام البارز في مجال الاتصالات في الولايات المتحدة الأمريكية.

وتُعد ثاني أكبر شركة في العالم بعد شركة سامسونغ، متقدمةً على شركة آبل. ويتجاوز عملها الأجهزة الإلكترونية التي يستعملها المستهلكون، فالقطاعات التجارية الخاصة بها تتضمن شبكات الاتصالات والأجهزة الذكية والخدمات السحابية.

لكنَّ شركة هواوي، التي جاوزت إيراداتها العام الماضي 100 مليار دولار، ليست مجرد شركة تكنولوجيا عادية كالشركات التي تتعامل معها، على الأقل في نظر كثيرٍ من المسؤولين والخبراء في الولايات المتحدة الأمريكية وفي جميع أنحاء العالم.

المسؤولون الأمريكيون يربطون بينها وبين الحزب الشيوعي الصيني

لأعوامٍ مضت، ظلَّت لجان الكونغرس والمباحث الفيدرالية ووكالة الأمن الوطني وآخرون يُشيرون إلى العلاقة الوثيقة التي تربط بين الشركة والحزب الشيوعي الصيني، حتى إنَّ حكومة الولايات المتحدة الأمريكية منعت الشركة من تقديم العطاءات في مُناقصاتٍ للحصول على العقود الحكومية، وفقاً للتقرير.

وفي فبراير/شباط عام 2018، خلال جلسة استماع أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، قال كبار مسؤولي أجهزة الاستخبارات الأمريكية إنَّ هواوي وشركة تكنولوجيا صينية أخرى تُدعى "زِد تي إي" يشكلان مخاطر محتملة على الأمن الوطني للولايات المتحدة الأمريكية، وحذروا الشركات الأمريكية من العمل معهما.

وكان نص التصريح الذي أدلى به كريستوفر راي، مُدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي: "نشعر بقلقٍ عميق إزاء المخاطر التي قد تنجُم عن السماح لأي شركة أو كيان يخضع لحكوماتٍ أجنبية لا تُشاركنا قيمنا، بالحصول على نفوذ داخل شبكات الاتصالات الخاصة بنا، فقد يسمح لها ذلك بممارسة الضغوط أو بفرض سيطرتها على الهياكل الأساسية للاتصالات السلكية واللاسلكية، وهذا يتيح لهم سرقة المعلومات أو تعديلها عن عمد، وإجراء عمليات تجسس غير مُكتشفة".

أي، بعبارةٍ أخرى، يشعر المسؤولون بالقلق من أن تساعد هواوي الحكومة الصينية في التجسس على الولايات المتحدة الأمريكية أو مهاجمتها.

الحكومة الأمريكية قلقة مما يمكن للصين فعله من خلال هواوي

تذكر كاتبة التقرير محادثتها التي جرت في العام الماضي مع سكوت كينيدي، المستشار المختص بالدراسات الصينية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، التي أخبرها فيها بأنَّ هواوي ترمز إلى مخاوفَ عِدة بشأن الصين وبراعتها التقنية المحتشدة في شركةٍ واحدة، وأنَّ كثيراً من المخاوف المُتعلقة بها لا ترتبط بالضرورة بما فعلته، بل بما قد تفعله.

وأوضحت الصحفية أنَّ التكنولوجيا المتطورة التي تملكها العاصمة الصينية بكين لَطالما أقلقت القادة السياسيين وكبار رجال الأعمال، حيث إنَّها مُصممة على التفوق على البراعة التقنية للغرب، وهو مجال لا ترغب الولايات المتحدة قطعاً أن يتفوق عليها أحدٌ فيه.

وهواوي هي أيضاً إحدى كبرى شركات البحوث والتنمية، ففي عام 2018، أعلنت الشركة عن خطتها لرفع معدل الإنفاق السنوي في مجال التنمية والبحوث من 15 مليار دولار إلى 20 مليار دولار، وهي تملك عشرات الآلاف من براءات الاختراع في الصين وخارجها.

غذَّى هذا تساؤلاتٍ حول مدى الوصول الذي يُمكن أن يُسمح به للشركات الصينية في السوق الأمريكية، وسط المخاوف المُتعلقة بحقوق الملكية الفكرية. وهي مخاوف، كما أوضحت كاتبة التقرير، أجَّجت حربَ ترامب التجارية، التي لا تقتصر فقط على العجز التجاري الذي غالباً ما يرثيه ترامب، على الأقل بالنسبة إلى مستشاريه وأجهزة الاستخبارات الأمريكية والقوات المسلحة.

كيف يمكن أن تستخدم هواوي التكنولوجيا لتحقيق مآرب أخرى؟

ويشير التقرير إلى تحذيرات مسؤولي الاستخبارات من الآثار التي قد تترتب على الأمن الوطني، في حال تقدمت التكنولوجيا الصينية على نظيرتها في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي حال استُخدمت هذه التكنولوجيا لتحقيق بعض المآرب الدنيئة.

وما يُقلِق هؤلاء المسؤولين، هو أنَّ شركاتٍ مثل هواوي قد تبيع منتجاتٍ لها من "أبواب خلفية"، تسمح للمُخترقين الإلكترونيين التابعين للحكومة الصينية بالوصول إلى قواعد المعلومات أو التجسس عليها.

وفي المقابل، قد تُسلِّم هواوي المعلومات التي جمعتها إلى الحكومة الصينية، أو قد يستخدم الصينيون تكنولوجيا الشركة كأداة للحرب.

ويُعلِّق كينيدي على ذلك قائلاً: "بما أنَّ النزعة القومية لدى الصين قد زادت، فاحتمالات أن ينتهي بها المطاف في اشتباكٍ مع الولايات المتحدة الأمريكية قد زادت أيضاً".

بيد أنَّ آدم سيغال، مدير برنامج السياسات الرقمية والفضاء الإلكتروني التابع لمجلس العلاقات الخارجية، ذكر أنَّه لا أحد حتى الآن وجد ثغرةً في أي مُنتج خاص بشركة هواوي، ولا "دليل دامغاً" على التهم المُلصقة بهم، حسبما أوضح.

هذه المخاطر التي تُحيط بهواوي تزيدها تكنولوجيا "الجيل الخامس"

فهواوي واحدة من شركاتٍ عديدة تضطلع بدورٍ في السباق لنشر الجيل الجديد من التكنولوجيا اللاسلكية، وهي الآن من مُقدمي الخدمات الرئيسيين للمنتجات التي توفر شبكات الجيل الخامس شديدة السرعة على الصعيد العالمي.

ضغطت الولايات المتحدة الأمريكية على حلفائها بالفعل لإيجاد بدائل، خوفاً من مستقبلٍ محتمل تتصل فيه جوانب أكثر من الحياة اليومية بهذه الشبكات، وتجعلها عُرضة للمراقبة والتلاعب.

وأوضح سيغال أنَّ كثيراً من البيانات ستمر عبر هذه الشبكات، وأنَّ المخاوف ستتعلق تحديداً بإنترنت الأشياء والسيارات ذاتية التحكم.

الحكومة الأمريكية تدق ناقوس الخطر بشأن هواوي منذ فترةٍ طويلة

ويؤكد التقرير أنَّ المخاوف المُتعلقة بشركة هواوي ليست وليدة اليوم، فالمسؤولون في الولايات المُتحدة وفي كل أنحاء العالم يُراقبونها منذ وقتٍ طويل.

تفسر لنا ذلك إيلي ليك من وكالة Bloomberg، وتُوضح أنَّ هذه المخاوف المتعلقة بشركة هواوي نتجت تاريخياً من حقيقة أنَّ مؤسس هذه الشركة رِن تشنج في، كان أحد الفنيين في جيش التحرير الشعبي قبل تأسيسه للشركة، ناهيك عن ذكر عشرات مليارات الدولارات التي استثمرتها الحكومة الصينية في الشركة.

وازدادت هذه المخاوف حدةً في إثر اعتماد الصين لقانون الاستخبارات الوطنية إلى جانب قوانين أخرى لأمن الفضاء الإلكتروني عام 2017، الذي بدوره، كما أوضحت ليك "يُرغِم الشركات على تقديم يد المساعدة في العمليات الاستخباراتية الهجومية"، بدلاً من إلزامها بالتعاون مع المعنيين بتنفيذ القوانين بشأن مسائل الأمن القومي.

وتُشير الكاتبة إلى الرسالة المفتوحة التي وجَّهتها شركة هواوي عام 2011 إلى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أنكرت فيها المخاوف الأمنية، وطالبت المسؤولين الأمريكيين بإجراء تحقيقٍ شامل، ارتأت أنَّه سيُثبت أنَّ الشركة "مُجرد مؤسسة تجارية عادية، لا أكثر".

وهذا كان الدافع وراء تقرير لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب لعام 2012، عن شركتي "هواوي" و "زِد تي إي"،  الذي لم يُبرّئ ذمة الشركة كما كانت تتمنى.

فقد ذكرت اللجنة أنَّ الشركة "لم تتعاون بشكلٍ كامل أثناء التحقيقات، ولم تُبدِ استعداداً لتفسير علاقتها مع الحكومة الصينية أو الحزب الشيوعي الصيني"، واختتمت تقريرها قائلةً إنَّ "الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تنظر بعينِ الريبة إلى الانتشار المستمر لشركات الاتصالات الصينية في سوق الاتصالات في الولايات المتحدة الأمريكية".

وفي عام 2014، منعت الحكومة الأمريكية شركة هواوي من تقديم العطاءات للحصول على العقود الحكومية، وفي أغسطس/آب، وقَّع ترامب على مشروع قانون يحظر على الحكومة وشركات التعهيد استخدام خدمات شركتي "هواوي" و "زد تي إي". وفي العام الماضي، حظرت وزارة الدفاع الأمريكية بيع هواتف الشركتين في القواعد العسكرية.

وفي يناير/كانون الثاني، تراجعت شركة "إيه تي أند تي" عن صفقتها مع هواوي لبيع هواتفها الذكية في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي مارس/آذار، اقترحت اللجنة الفيدرالية للاتصالات قانوناً يمنع الشركات الأمريكية من استخدام أموال صندوق الخدمات الشاملة التابع لها في شراء المعدات من الصين.

ليست أمريكا وحدها هي من تدق ناقوس الخطر من هواوي

يوفر صندوق الخدمات الشاملة، التابع للجنة الاتحادية للاتصالات معوناتٍ لتعزيز خدمات الاتصالات والخدمات اللاسلكية وخدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والفقيرة.


وحسبما أوضح تقرير الصحيفة الأمريكية، ليست الولايات المتحدة الأمريكية وحدها التي تدق ناقوس الخطر، فقد أعربت كلٌّ من كندا والمملكة المتحدة البريطانية عن مخاوفهما إزاء المخاطر المرتبطة بالعمل مع شركة هواوي في نشر تكنولوجيا الجيل الخامس.

أما اليابان، فقد حظرت شركتي "هواوي" و "زد تي إي" من العقود الحكومية الرسمية.

من المحتمل ألا تكون هذه هي النهاية، فمازال لدى الولايات المتحدة الكثير من الوسائل لمحاربة هواوي

تمتلك الولايات المتحدة كثيراً من الوسائل التي قد تستخدمها ضد هواوي في جعبتها، والخطوات الأخيرة التي اتَّخذتها توضح رغبتها في استخدامها، لكن لا يمكننا التنبؤ إلى أي مدى سيستمر هذا الأمر.


وفي هذا الصدد، يوضح كينيدي أنَّ التحدي يكمن في الحدود المفروضة حول العمل مع هواوي والصناعة الصينية والتكنولوجيا المتطورة، إلا أنَّنا الآن في بيئة لا يتضح فيها مكان هذه الحدود، وعليه لا تتضح الحاجة إلى إعادة رسمها.

ولهذا يشير التقرير في الموقع الأمريكي إلى أنَّ إدراج وزارة التجارة لشركة هواوي على القائمة السوداء يتشابه مع ما فعلته مع شركة "زد تي إي"، التي فرضت حظراً تجارياً عليها عام 2016 (تدخل ترامب العام الماضي لعقد صفقة ورفع الحظر المفروض عليها).

ويوضح التقرير أنَّ عزل هواوي "سيكون له تأثير من دون شك، لكنَّه تأثير مختلف عن الذي لحق بشركة زد تي إي"، والسبب في ذلك يكمن في عدم اعتماد هواوي على الموردين الأمريكيين مثلها، لكنَّها تتنبَّأ بنهايةٍ قريبة لهذه التوترات.    

تحميل المزيد