مر يومان على هجوم تسبب في أعمال تخريبية كما زعمت الإمارات بأحد موانئها بإمارة الفجيرة، والذي يقع على المحيط الهندي من ناحية وبحر العرب من ناحية أخرى دون أن تحدد الإمارات من قام بهذا الفعل.
حتى الثلاثاء 14 مايو/أيار 2019، لم تتبن جهة ما العملية فيما سارعت إيران إلى نفي التهمة عنها واتهام إسرائيل بالوقوف وراء هذه الواقعة، وطالبت بإجراء تحقيق شفاف في الهجوم خوفاً من توريطها.
الهجوم الذي لم يسفر عن ضحايا أو خسائر تذكر تسبب في صب مزيد من الزيت على النار في الشرق الأوسط في ظل التوتر القائم بين الولايات المتحدة التي تحشد قواتها في الشرق الأوسط وإيران التي تتحفز لصد أي هجوم مباغت من واشنطن أو حلفائها من العرب أو إسرائيل لتدخل المنطقة في دوامة عنف لا يعرف متى ستنتهي وكيف.
لكن عقب المزاعم الإماراتية برز إلى الذهن العديد من التساؤلات حول من يقف وراء هذا الهجوم في التوقيت الحرج وما مصلحته من هذا الأمر؟.
من خلال هذا التقرير سنحاول استعراض أهم الاحتمالات وراء هذه العملية ومن يقف وراءها.
· إيران
من وجهة النظر الإماراتية أو السعودية سيكون أول من تشار إليه أصابع الاتهام هو إيران خاصة في هذا التوقيت الذي تعتبر فيه طهران أن كل هذا الحشد الأمريكي في الشرق الأوسط جاء بإيعاز إماراتي وسعودي ضد إيران بسبب مواقفها الصلبة من قضايا رئيسية في المنطقة ومنها صفقة القرن والوضع في سوريا واليمن.
هذا الرواية تدرك طهران حقيقتها وتدرك تداعياتها أيضاً، ففي حال ضلوع قوات الحرس الثوري الإيراني أو أيٍّ من المليشيات المسلحة التابعة له فإنها ستكون فتحت أبواب جهنم عليها، فالولايات المتحدة تنتظر مثل هكذا لحظة في الوقت الذي لا يتوقف فيه مستشار الأمن القومي جون بلوتون عن التحريض ضد إيران بحجة نفوذها وأعمالها التخريبية في الشرق الأوسط.
وبسبب فهم إيران لتبعات هذه الخطوة سارعت طهران لنفي تورطها في العملية بل ودعت إلى إجراء تحقيق شفاف وشامل لفهم من يقف وراء هذا التطور الخطير، في نفس الوقت ألقت بالتهمة في حجر إسرائيل معتبرة أنها هي التي تريد توريط الشرق الأوسط في حرب طاحنة تكون بالتأكيد طهران الطرف الثاني فيها.
وبحسب ما نقلت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء عن المتحدث باسم البرلمان بهروز نعمتي قوله اليوم الثلاثاء إن الهجوم الذي تعرضت له ناقلات قبالة ساحل الإمارات هو "أذى إسرائيلي".
وأضاف نعمتي "الأحداث التي وقعت في الإمارات أذى إسرائيلي". ولم يقدم أي تفاصيل عن الدور الذي قد تكون إسرائيل لعبته في الهجوم.
لكن إذا ما نظرنا إلى العواقب الوخيمة التي تنتظر إيران في حال تورطها في هذا الأمر قد يدفع ذلك طهران إلى التريث كثيراً قبل أن تعطي بنفسها مبرر شن حرب عليها في هذا التوقيت من قبل أمريكا وحلفائها، في نفس الوقت لن تحقق هذه العملية أي إنجاز يذكر، ولو كانت طهران وراء هذه الخطوة بالتأكيد كانت ستفكر كثيراً في إحداث أكبر عدد من الخسائر في هذا الميناء أو تعطيله لفترة طويلة على الأقل حتى تصل رسالتها كما تريد، لكن في ظل الغموض الذي يكنف الحدث من قبل الإمارات حول الخسائر التي كشفتها وكالة أسوشيتد برس الأمريكية بأن الأقمار الاصطناعية لم ترصد شيئاً يذكر إلا بعض الخدوش البسيطة والتي لا تؤثر على عمل الناقلات، فهذه الأمر يبعد تورط إيران في الواقعة.
· هل فعلتها إسرائيل فعلاً؟
وبالانتقال إلى الضفة الأخرى المعادية لإيران ثمة تساؤل مشروع؛ هل فعلاً فعلتها إسرائيل؟ بالتأكيد الإجابة ليست سهلة ولكن دعنا نشير إلى أن إسرائيل ستكون أول المرحبين بشن حرب ضد إيران في ظل حالة العداء الكبير بينهما والتي برزت بشكل كبير عقب اندلاع الثورة السورية، إذ باتت مليشيات إيران على بعد حجر من إسرائيل فيما حاولت طهران توطيد أقدامها بشكل كبير في سوريا، لكن إسرائيل أبدت غضبها هي الأخرى وشنت عدداً من الضربات الجوية على أهداف هامة للحرس الثوري في سوريا حتى لا تغير إيران قواعد توازن القوة المرسى في المنطقة منذ حرب 1973 بين مصر وإسرائيل.
رغم ذلك فإذا ما نظرنا إلى شكل العملية والخسائر الناجمة عنها قد يعطي ذلك مؤشراً بأن إسرائيل ليست وراء هذه الخطوة، فلو كانت تل أبيب تريد أن تربك هذا الملف بشكل كبير كانت ستكون الخسائر كبيرة حتى تحدث دوياً سياسياً كبيراً لا يترك لإيران أي فرصة من التملص والهرب من تحمل المسؤولية لكن فيما يبدو أن بصمات إسرائيل بعيدة عن هذه العلمية حتى بعد اتهام مسؤول إيراني لتل أبيب بالوقوف وراء الواقعة لأن هذا التصريح لا يخرج عن الحرب الكلامية بينهما.
رغم ذلك ثمة احتمال بضلوع إسرائيل في هذه العملية التي لم تكشف ملامحها بشكل كامل حتى الآن حتى تحقق ما تريد وهو شن حرب ضد إيران والتي تسعى لها تل أبيب منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم مطلع 2017، كما أنها كانت وراء انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع طهران.
· هل فعلتها الإمارات بنفسها؟
قد يكون هذا التساؤل بحد ذاته أمراً غير مقبول؛ فكيف للإمارات أن تؤذي نفسها وتعرض أمنها القومي للخطر ومن ثم تكون هي وراء هذه العملية؟ بالتأكيد تعد وجهة النظر هذه مقبولة إلى حد كبير، ولكن لماذا يتم استبعاد ضلوع أبوظبي في هذه الواقعة، فالعملية لم تسفر عن أي شيء يؤثر على أمن واستقرار البلاد ولا حتى الخسائر التي وقعت كما ذكرنا سلفاً كبيرة أو تذكر لكن الحدث أثار ضجة كبيرة ووضع إيران في موقف المدافع عن النفس بعدما كانت خلال الفترة الماضية تطلق تصريحات هامة ونارية ضد السعودية وحلفائها.
لكن إذا ما سلمنا بهذه الفرضية قد تكون حققت الإمارات الهدف الأهم من هذه العملية فزادت من سخط دول العالم ضد إيران ووضعتها في موقف من يهدد الأمن والسلم العالمي، خاصة وأن طهران حذرت من قبل من اللجوء إلى إغلاق مضيق هرمز إلى لم ترفع أمريكا عنها العقوبات، ومن ثم قد تكون الرسالة من هذا الهجوم هي تعطيل مضيق هرمز مما سيؤثر على 20 % من صادرات النفط في العالم، وهذا يعني أن الهدف تحقق من هذه العملية بالنسبة للإمارات.
ولعل ما يدعم هذا التصور التصريحات التي أدلى بها السفير الأمريكي لدى السعودية جون أبي زيد الذي قال إن على واشنطن أن تقوم بما وصفه بأنه "رد معقول لا يصل إلى حد الحرب" بعد تحديد الجهة التي تقف وراء الهجمات على ناقلات نفط قبالة ساحل الإمارات.
وأضاف أبي زيد للصحفيين في العاصمة السعودية في تصريحات نشرت يوم الثلاثاء "نحن بحاجة لإجراء تحقيق واف لفهم ما حدث ولماذا حدث ثم نأتي بالرد المعقول بما لا يصل إلى حد الحرب".
وأضاف "ليس من مصلحتها (إيران) وليس من مصلحتنا وليس من مصلحة السعودية أن يتفجر صراع".
أيضاً نشرت صحف الإمارات الخاضعة بدرجة كبيرة للحكومة مقالات افتتاحية تحث على الحذر في أسلوب الرد على الهجوم والذي قد يقوض صورة البلاد كحصن للأمن والاستقرار بالمنطقة.
وقالت صحيفة ذا ناشيونال التي تصدر في أبوظبي "في الوقت الذي لم تظهر فيه تفاصيل أخرى عن هذه الواقعة المقلقة، فإن الغلبة لا بد وأن تكون لأصحاب العقول الراجحة ويجب اتخاذ الإجراءات السليمة لضمان ألا يخرج هذا الوضع عن السيطرة".
وطالبت صحيفة جلف نيوز في دبي بمحاسبة المسؤولين عن الهجوم.
وبالنظر إلى التصريحات السابقة فإنه في حال ضلوع الإمارات في هذه العملية فإن الهدف الأساسي هو تأديب إيران وتهيئة المسرح الدولي والإقليمي لحرب ضد طهران قد تتحقق رغم الدعوات لتحكيم العقل في هذه الأزمة.
أيضا ثمة أمر آخر وهو الحراسة المشددة التي تجريها الإمارات في كل أراضيها تحسباً لوقوع أي هجوم ضدها ولاسيما في هذا الوقت الحرج فكيف يمكن لإيران مثلاً أن تقدم على هذه العملية دون أن تكشفها الاستخبارات الإماراتية، أيضاً حجم الخسائر التي وقعت يثير الشك فعلاً؛ كيف تقوم دولة أخرى بهذه العملية التي لا يمكن وصفها إلا بالفاشلة.
لكن في كل الأحوال كل ما سبق لا يخرج عن كونه احتمالات لفهم هذه العملية المريبة التي أشعلت التصريحات في الشرق الأوسط.