لماذا تُعرض سياسات ترامب السودان لخطر الحرب الأهلية وتُهدد الربيع العربي الجديد؟

الربيع العربي الجديد مهدد بالفشل، بعد أن تركته الولايات المتحدة الأمريكية لقمة سائغة في يد أعدائه؟.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/05/26 الساعة 17:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/27 الساعة 06:15 بتوقيت غرينتش
دونالد ترامب

الربيع العربي الجديد مهدد بالفشل، بعد أن تركته الولايات المتحدة الأمريكية لقمة سائغة في يد أعدائه؟.

ففي السودان والجزائر وليبيا، حيث آخر محاولات تحقيق الديمقراطية في العالم العربي، تبدو الولايات المتحدة إما أنها تتجاهل ما يحدث في هذه الدول الثلاث، أو الأسوأ أنها تركت الأمر في يد حلفائها المستبدين، الأمر الذي يهدد بوقوع أزمات خطيرة بهذه الدول، حسبما ورد بتقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

الولايات المتحدة تغيَّرت، فهي لم تعد نموذجاً يحتذى

قبل فترة ليست بالطويلة، كان هناك زمنٌ اعتُبِرَت فيه الولايات المتحدة نموذجاً تحتذي به الدول الأخرى فيما يتعلق بالديمقراطية، لكنَّ هذا الزمن ولَّى، حسبما ورد بتقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

إذ شهد الأسبوع الماضي همجية دولية غير مبرَّرة من جانب إدارة ترامب. تتضمَّن آخر أعمالها العبثية التنمُّر خارج الحدود على المنافسين التجاريين، وإطلاق التهديدات العنيفة ضد إيران، و "خطة سلام" متعلِّقة بفلسطين، متحيِّزة على نحوٍ سخيف، واستئناف مبيعات الأسلحة لتدعيم حرب السعوديين في اليمن، والاعتداء على حرية الصحافة العالمية، عبر ما تفعله مع مؤسس ويكليكس.

فقد كانت تروِّج للحكم الديمقراطي، والآن ترامب يشجع المستبدين

الصفة المميزة لسياسة إدارة ترامب الحالية هي عدم وجود سياسة، فمجدداً يموت المدنيون السوريون في حربٍ مروِّعة لم يفعل ترامب شيئاً لوقفها.

وتدق أجراس الإنذار بسبب أزمة المناخ وحالات الانقراض الجماعي، ومع ذلك تُفضِّل جماعة ترامب التركيز على الفرص الاقتصادية التي يطرحها ذوبان الغطاء الجليدي في القطب الشمالي.

وقفت الولايات المتحدة فيما مضى في طليعة الدول الغربية التي تروّج للحكم الديمقراطي واحترام الحقوق الإنسانية والمدنية العالمية، لم يكن سجلها مثالياً، لكنَّها على الأقل حاولت معظم الوقت.

لكن في عهد ترامب لم يتم فقط التساهل مع النظم السلطوية بدءاً من روسيا ومصر حتى البرازيل والفلبين وكوريا الشمالية وميانمار، بل بات يجري تشجيعها بإيجابية كذلك. ولم يعد بإمكان القوى التقدُّمية التي اعتمدت على الدعم الأمريكي، والنموذج الأمريكي، أن تستمر في هذا بعد الآن.

وها هو الغرب برمته يترك السودان في ظلِّ خطر الحرب الأهلية

ولا يتجلَّى ذلك الآن في أي مكان أكثر من السودان، حيث تواجه ثورة الشعب -التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ضد نظام عمر البشير المدعوم من الجيش- خطرَ الفشل. فعلى الرغم من حجم السودان وأهميته الاستراتيجية، لا يحصل البلد إلا على اهتمامٍ ضئيل في الغرب، لكن عند النظر إلى سعي البلاد الشغوف نحو الديمقراطية، وصراعاتها الداخلية مع الإسلاميين، واحتمالية تفجُّر هذا السعي وتحوّله إلى حرب أهلية، مثلما حدث في سوريا وليبيا واليمن، يبدو هذا الإهمال قصير النظر.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل رئيس المجلس العسكري السوداني عبد الفتاح البرهان بالقاهرة/ صحيفة الشروق

إنَّ سجل الولايات المتحدة في السودان متباين؛ إذ قصف بيل كلينتون الخرطوم عام 1998 على خلفية صلاتها المزعومة مع تنظيم القاعدة، وساعدت واشنطن على الوساطة في اتفاقية السلام الشاملة عام 2005، التي أَذِنَت باستقلال جنوب السودان.

وحتى وقتٍ قريب، كانت تُبقي على نظام العقوبات المفروض على النظام، لكن الآن بعد القبض على البشير وارتباك الجيش ظهرت فرصة نادرة للمساعدة في إدخال السودان تماماً بالمعسكر الديمقراطي، لكن ماذا تفعل الولايات المتحدة؟ إن كان من شيءٍ تفعله، فهو أنَّها تدفع في الاتجاه المعاكس.

وأصبح ملف السودان بيد الثلاثي العربي الذي يريد تجديد الحكم العسكري

يصف الدبلوماسيون الأجانب والمحللون، السياسة الأمريكية، بأنَّها مرتبكة أو غير موجودة. ويُقال إنَّ العلاقة بين تجمُّع المهنيين السودانيين، القوة المُنظِّمة للمعارضة، والسفارة الأمريكية في الخرطوم متوترة.

وقال مسؤول بالمعارضة لمجلة Foreign Policy الأمريكية، هذا الأسبوع، إنَّ الحديث للأمريكيين "مضيعة وقت". وأخفق اجتماعٌ عُقِد في واشنطن في وقتٍ سابق هذا الأسبوع في التوافق على مسار عملٍ مشترك.

وبدلاً من اغتنام اللحظة، سلَّمت الولايات المتحدة (وبالتبعية القوة الاستعمارية السابقة بريطانيا) المبادرة إلى رفاق ترامب المُتصلِّبين في السعودية ومصر والإمارات. دعمت هذه البلاد البشير، وتدعم الآن (وتُموِّل) محاولات إحياء الوضع الذي كان قائماً قبل الانقلاب، في ظل قيادة جديدة. كان المحتجون السودانيون واضحين منذ البداية، بأنَّ النظام، وليس فقط رموزه البارزة، لا بد أن يتغيَّر، وهذه هي المعركة الحاسمة التي يواجهون خطر خسارتها.

وكانت أول زيارة خارجية لرئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، هي إلى مصر ومنها توجه إلى الإمارات. 

وبالفعل لديهم مرشح قوي لحكم السودان

ولدى هذا المحور العربي المتزمّت -الذي يسير في توافق أيديولوجي مع ترامب- مرشحه الخاص، ليكون رجل السودان القوي المقبل، هذا المرشح هو الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، وهو نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي.

ويقود كذلك قوات الدعم السريع التي يخشاها الكثيرون، وهي قوة شبه عسكرية تطوَّرت من ميليشيا الجنجويد المتورطة في الإبادة الجماعية بإقليم دارفور. وأُلقي باللوم في الهجمات المتناثرة المميتة التي وقعت على شوارع المتظاهرين في وقتٍ سابق من هذا الشهر مايو/أيار، على قوات الدعم السريع.

وقد طغى دقلو بسهولة على رئيس المجلس العسكري والقائد السوداني المؤقت الفريق أول عبدالفتاح البرهان، فكان إصرار دقلو على وجود أغلبية أساسية ضمن حكومة مدنية-عسكرية مشتركة لتقاسم السلطة هو ما أدَّى إلى انهيار المباحثات مع المعارضة الأسبوع الماضي.

وحين دعا تجمُّع المهنيين السودانيين إلى إضرابٍ عام، رداً على ذلك، كان دقلو هو مَن هدَّد باتخاذ إجراءات انتقامية. وليس واضحاً ما يمكن للمعارضة -المنقسمة حول التكتيكات التي ينبغي اتباعها وبدأت تفقد طاقتها- عمله الآن، وبات خطر الانزلاق إلى العنف خطراً حقيقياً وحاضراً طوال الوقت.

وقد حصل على خاتم الموافقة الملكية من السعودية

يدَّعي دقلو أنَّه لا يسعى للسلطة، لكنَّ طموحه واضح. فقال الأسبوع الماضي إنَّه يشرف على الإجراءات القضائية ضد البشير و25 من رموز النظام المحتجزين منذ الانقلاب، وهو ما يمنحه بالتالي السيطرة على العملية، وضمان ألا يُشكِّلوا أيَّ تهديد للنظام الجديد. وفي نهاية الأسبوع، حصل شخصياً على ختم الموافقة الملكي من حليف ترامب العربي الأساسي، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في لقاءٍ خاص عُقِد في جدّة.

المعارضة السودانية تدعو إلى إضراب سياسي الأسبوع القادم.. اعتراضاً على تأجيل
حميدتي بين قادة قوات الدعم السريع في السودان/ سونا

بات إسناد السياسة الخارجية الأمريكية إلى "الرجال الأقوياء" المتشابهين مع ترامب والوكلاء الإقليميين الأصدقاء الآن توجُّهاً مُتَّبعاً، ففي الحرب الأهلية المتجدِّدة في ليبيا المجاورة، يدعم ترامب الجنرال المتمرد خليفة حفتر، المدعوم كذلك من السعوديين والإماراتيين.

وبالمثل، قدَّم البيت الأبيض استقبالاً حاراً للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وهو مستبد آخر بالفطرة، اختطف ثورة شعبية.

وفي الجزائر تتلاشى آمال الإصلاح في ظلِّ مكائد الجيش.. والنتيجة الربيع العربي الجديد مهدد بالفشل

وكما هو الحال في السودان، تتلاشى الآمال في إصلاحٍ جذري بالجزائر، التي أُجبِر رئيسها الصوري على ترك المنصب، الشهر الماضي، في ظلِّ مكائد الجيش واللامبالاة الأمريكية والأوروبية.

ربما من الخطأ القول إنَّ الولايات المتحدة لم تعد قدوة تُحتذى؛ إذ يحتذي عددٌ كبير على نحوٍ مثير للإحباط من قادة العالم الآن بترامب، ويُحاكون نظرته الرجعية الأنانية المثيرة للجدل.

لقد تحوَّلت الرؤية المُؤسِّسة التي تحظى بالتقدير لأمريكا باعتبارها "منارة" ورمزاً لأرض الحرية والعدالة -في عصر ترامب- إلى برجٍ مظلم ومُلطَّخ، يجري منه إرهاب أو استغلال أو تجاهل العالم.

تحميل المزيد